قيمة السيارة المستعملة تفوق ثمنها جديدة.. الجزائر “تُحارب” أزمة استيراد السيارات بقوانين جديدة

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/21 الساعة 22:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/21 الساعة 22:12 بتوقيت غرينتش
تعيش الجزائر أزمة غير مسبوقة في قطاع تصنيع السيارات (مواقع التواصل الاجتماعي)

تعيش الجزائر منذ أكثر من خمس سنوات على وقع أزمة غير مسبوقة في سوق السيارات، ولا يبدو أنها ستخرج منها على الأقل قبل نهاية السنة الجارية.

وتعرف أسواق السيارات المستعملة ركوداً كبيراً فلا أحد في الجزائر يبيع ولا أحد يشتري بسبب الغلاء الفاحش والأسعار الخيالية التي باتت مطلوبة، نظراً لعدم دخول مركبات جديدة للسوق من ثلاث سنوات بأمر من الحكومة.

وقالت مجلّة إيكونوميست البريطانية، في تقرير عن سوق السيارات في الجزائر مؤخراً، إن كل السيارات عبر العالم تفقد قيمتها بمجرّد خروجها من وكالات البيع، إلا في الجزائر فهي تزداد قيمة مع مرور الوقت في صورة استثنائية لا تحدث في أي مكان آخر.

أزمة سوق السيارات في الجزائر

يقول سفيان وهو شاب ثلاثيني يعمل في مكتبة إنه لم يستطع تحقيق حلمه في شراء سيارة صغيرة تساعده في الوصول إلى محل عمله الذي يبعد عن منزله 30 كيلومتراً.

وبتذمر كبير يروي سفيان كيف أنه تنقّل أكثر من مرة إلى عدة أسواق للسيارات المستعملة في محاولة لشراء سيارة صغيرة لكنه يُصدم ويعود خائباً في كل مرة بسبب الأسعار غير المنطقية.

سفيان يروي لـ"عربي بوست" أن بائعاً حاول إقناعه بشراء سيارته من ماركت "فولكسفاغن" نوع "غولف" بمبلغ مليون ونصف المليون دينار، علماً أنه اشتراها سنة 2014 بمبلغ مليون و200 ألف دينار فقط، بمعنى أنه استعملها لسبع سنوات ثم قرر أن يبيعها ويكسب 300 ألف دينار، "إن هذا الهراء لا يحدث إلا في بلد كالجزائر"، يقول سفيان.

أما علي الذي يعمل في دائرة حكومية، فيتحدّث لـ"عربي بوست" بندم عن عدم استغلاله فرص سابقة لاقتناء سيارة، يقول المتحدث إنه يتذكر عرضاً لشركة "شيري كيو كيو" الصينية سنة 2013، تمنح الشركة سيارة مجانية لمن يشتري ثلاث سيارات مقابل مليون دينار، بينما تباع اليوم سيارة واحدة من نفس النوع بمليون دينار، إن وجدت.

ويعتقد رئيس جمعية وكلاء السيارات المتعددة العلامات يوسف نباش، أن ارتفاع أسعار السيارات مرده توقيف الاستيراد منذ سنوات.

ويتوقّع نباش الذي تحدث لـ"عربي بوست" أن تتراجع الأسعار قليلاً في حال عودة الاستيراد خلال الأشهر القادمة.

مصانع التركيب.. قصة لم تكتمل

مع نهاية سنة 2014 وبداية سنة 2015 ارتأت الحكومة الجزائرية أن تقتحم ميدان تركيب السيارات بدل شرائها جاهزة عن طريق الوكلاء، بعد تعرّض اقتصادها لهزة كبيرة نتيجة لانهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية.

وفعلاً تحوّل الوكلاء إلى أصحاب مصانع تركيب في ظرف سنة ونصف، واستطاعوا إقناع الكثير من الشركات العالمية لدخول البلاد على غرار "رونو" الفرنسية، و"فولكسفاغن" الألمانية، و"هيونداي" الكورية وغيرها من الماركات.

ومنحت الحكومة الجزائرية كل التسهيلات لأصحاب المصانع ووفّرت لهم كل المتطلبات فضلاً عن إعفائها من الضرائب مقابل نسبة إدماج لتصنيع بعض القطع مع مرور الوقت وهو ما لم يحدث.

وما إن بدأت هذه المصانع في الإنتاج حتى عرفت سوق السيارات فوضى عارمة وغلاء غير مسبوق، فسيارة "سامبول" من ماركة "رونو" التي كانت تُصنع في فرنسا وتنقل إلى الجزائر ويدفع وكيلها ضريبة القيمة المضافة والجمارك كانت تباع سنة 2012 بـ650 ألف دينار، بينما أصبح سعرها سنة 2017 بعدما أصبحت تركب في الجزائر دون دفع الضرائب والجمارك قرابة مليوني دينار.

ووفق ما صرح به الرئيس عبدالمجيد تبون فإن الجزائر خسرت قرابة 10 مليارات دولار في مشاريع تركيب السيارات دون أن تجني شيئاً، فلا هي اقتطعت ضرائب ولا استطاعت تحقيق نسبة إدماج وتكوين يد عاملة مؤهلة.

وعود الحكومة

وعد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بحل أزمة السيارات مع نهاية السنة الجارية، بعد مراجعة دفتر الشروط المتعلق بالوكلاء الذين سيُسمح لهم باستيراد السيارات.

وكان تبون قد أقال وزير الصناعة فرحات آيت علي لفشله في تنظيم سوق السيارات، ورفضه الكشف عن قائمة الوكلاء المعتمدين للرأي العام، وهو ما أثار علامات استفهام وضغوطات كبيرة على الحكومة انتهت بتخلي تبون عن وزيره في التعديل الحكومي السابق.

وانتقد تبون في مجلس الوزراء صراحة الوزير المُقال، مؤكداً أنه "فشل في حل مشكلة تنظيم سوق السيارات"، كما وعد بتدارك الوضع مع الوزير الجديد محمد باشا.

وفعلاً قدم الوزير الجديد تعديلاته على دفتر الشروط الذي يحدّد كيفية ممارسة نشاط وكلاء المركبات الجديدة مع مراعاة ملاحظات مجلس الوزراء المتعلقة باعتماد مقاربة تجمع بين التبسيط والفعالية مع تعزيز التنسيق بين مختلف القطاعات من أجل محاربة كل مظاهر الغش والتحايل حول الشروط المحددة لممارسة هذا النشاط.

أيضا التزم الوزير الجديد بضرورة أخذ معايير السلامة البيئية ومقتضيات تموين السوق الوطني للوقود بعين الاعتبار لترشيد استيراد المركبات الجديدة، وألا تتجاوز سعة محرك السيارات المستوردة من طرف الوكلاء 1,6 لتر، فيما تبقى حرية استيراد السيارات التي تتجاوز هذه السعة مفتوحة بالنسبة للأفراد، وتخصيص حصة قدرها 15% من مجمل السيارات المستوردة للمركبات الكهربائية، على أن يتم التقليص لأدنى حد استيراد سيارات الديزل.

وثمن رئيس جمعية وكلاء السيارات المتعددة العلامات يوسف نباش، التعديلات التي تم اقتراحها على دفتر الشروط، مشيراً إلى أن اهتمام الرئيس شخصياً بالملف يجعل نسبة حله نهائياً كبيرة.

وأضاف نباش في حديث مع "عربي بوست" بأن الجزائر ستبدأ تسلم شحنات جديدة من السيارات مع نهاية السنة، لافتاً إلى إمكانية تراجع الأسعار ولو بنسبة قليلة.

الشروط الجديدة

أدخلت الحكومة الجزائرية تعديلات كبيرة على المرسوم التنفيذي المحدّد لشروط استيراد السيارات الجديدة، وفق ما نشرته صحيفة الشعب الحكومية، بحيث تم تخفيف الإجراءات الإدارية وتبسيطها بشكل غير مسبوق ستسمح بنسج شبكة من المحترفين في المجال، مع استحداث تدابير لتفادي المضاربة وأخرى لصالح الزبون.

وألغت الحكومة نظام الرخص المؤقتة لاستيراد السيارات الجديدة، وعوضته بالاعتماد المباشر الذي يمكّن الوكلاء من الحصول على صفة موزّع معتمد من قبل المصنّع، كما حُذف شرط ملكية منشآت البيع وما بعد البيع.

وحدّدت الحكومة صلاحية الاعتماد بسنتين بدل خمس سنوات في السابق وذلك بقصد السماح للوكلاء بتحصيل مردودية استثماراتهم.

كما ألغى التعديل الجديد الرخصة المؤقتة، التي كانت من ضمن الشروط المطلوبة لنيل الاعتماد، وبالتالي تقليص مراحل منح الاعتماد من مرحلتين إلى مرحلة واحدة.

وسيحصل من يستوفون الشروط القانونية، مباشرة على الاعتماد، بدل الاعتماد النهائي الذي كان يسبق منح الرخص المؤقتة، في ظرف 15 يوماً، بدل 30 يوماً ويصدر عن وزير الصناعة بناء على رأي اللجنة التقنية.

واستجابت الحكومة لأهم مطالب المختصين، بحذف شرط إثبات ملكية المنشآت اللازمة لممارسة النشاط، مع تخفيض مدة عقود الإيجار من خمس سنوات إلى سنتين، واعتبرت هذه الشروط سابقاً تعجيزية، والتي حالت دون تفعيل العمل بدفتر الشروط الصادر في أغسطس/آب من العام الماضي.

وبرّرت الحكومة تحديد سعة محركات السيارات السياحية المستوردة بـ1.6 لتر، بالسماح باستيراد أكبر عدد من السيارات بأقل تكلفة وتلبية احتياجات الفئة المتوسطة، وأكدت أن إلزام الوكيل ببيع سيارة خاصة واحدة لنفس الشخص الطبيعي لمدة 3 سنوات، يهدف إلى الحد من ظاهرة المضاربة التي ميّزت السوق في السنوات الأخيرة.

وأبقى المشروع الذي صادق عليه مجلس الوزراء، على حصر ممارسة نشاط وكلاء المركبات، لفائدة المتعاملين الجزائريين المقيمين داخل الوطن، بينما يلزم الوكلاء السهر على ترقية المركبات التي تسير بالطاقة النظيفة والكهربائية والغاز البترولي المميع.

وقال رئيس جمعية وكلاء السيارات المتعددة العلامات يوسف نباش معلقاً على هذه التعديلات: "إنها تعديلات رائعة ستحل مشاكل الاستيراد نهائياً وستعيد التوازن إلى الأسواق".

تحميل المزيد