فازت مجموعةٌ من المهندسين المعماريين المصريين بمسابقة عالمية نظّمتها الأمم المتحدة لمشروع إعادة بناء مجمع جامع النوري التاريخي في الموصل بالعراق، والذي دمّره تنظيم داعش في عام 2017.
هذا المشروع هو أحد العناصر الرئيسية في مشروع اليونسكو الطموح "إحياء روح الموصل"، الرامي إلى إعادة تأهيل النسيج التاريخي لمدينة الموصل القديمة، وإنعاش الحياة الثقافية فيها، وتعزيز نظامها التعليمي لضمان تنعّم الجميع بتعليم جيّد.
فقد أعلنت اليونسكو، في بيانٍ صادر يوم الخميس 15 أبريل/نيسان 2021، أن فريقاً مصرياً، من ثمانية مهندسين معماريين، قد فاز بالمسابقة، وذلك بعد أن تقدم بمشروع يُدعى "حوار الأروقة" من بين 123 تصميماً.
أعضاء الفريق المصري الفائز
هذا الفريق المصري مؤلف من أربعة شركاء ويترأسه صلاح الدين سمير هريدي، ويشارك فيه كل من خالد فريد الديب وشريف فرج إبراهيم وطارق علي محمد، ومن أربعة مصممين معماريين وهم: نهى منصور ريان، وهاجر عبدالغني جاد، ومحمد سعد جمال، ويسرى محمد البهاء.
حيث حصل الفريق على الجائزة بفضل إعادة إعماره التخيُّلية لساحة الصلاة وحرم جامع النوري، والطريقة التي يتداخل بها المشروع مع محيطه عبر الأماكن العامة المفتوحة، طبقاً لما أوردته المنظمة الأممية.
اليونسكو قالت إن الفائزين بالجائزة من المعماريين المخضرمين، ولديهم سجل حافل بالأعمال في مجال إعادة تأهيل التراث، والتخطيط الحضري، والعمارة الملائمة للمناخ، وسيعدون تصميماً أكثر تفصيلاً لمشروع إعادة بناء مجمع جامع النوري، المزمع استهلاله في أواخر خريف عام 2021.
"لحظةٌ تاريخية"
من جهتها، وصفت مديرة اليونسكو، أودري أزولاي، عملية إعادة إعمار الجامع بأنها "لحظةٌ تاريخية" في استعادة "تاريخ وبريق" المدينة التي مزّقتها الحرب، كما ستساعد في عملية "المصالحة والتماسك الاجتماعي"، مضيفة: "تُعَدُّ المواقع التراثية والآثار التاريخية بمثابة محفزات قوية لشعور الناس بالانتماء، والمجتمع، والهوية. وهي ضرورية من أجل إحياء روح الموصل والعراق ككل".
بدوره، أصدر الفريق المصري الفائز بياناً لدى إعلامه بفوزه في المسابقة، رحب فيه بنتائجها، منوهاً إلى أنه عمل بشغف كبير، من أجل تقديم مشروع يحقق في المقام الأول غاية التلاحم الاجتماعي، وإحياء روح الموقع بشتى تفاصيلها، متابعاً: "نتطلع بشوق إلى استكمال التصميم والمساعدة على إحياء روح مدينة الموصل القديمة".
سوف يحصل التصميم الفائز على جائزةٍ قدرها 50 ألف دولار أمريكي، وكذلك على العقد الذي يقضي بإعداد التصميم المفصَّل للمجمع. وسيحصل المرشَّحون الذين حلّوا في المراتب التالية على جوائز نقدية تقديراً لأعمالهم، إذ ستقدَّم جائزةٌ قدرها 30 ألف دولار أمريكي إلى فريق من الهند، وجائزة بقيمة 20 ألف دولار أمريكي إلى تصميم من إسبانيا، وجائزة بقيمة 15 ألف دولار أمريكي إلى فريق من الولايات المتحدة الأمريكية، وجائزة بقيمة 10 آلاف دولار أمريكي إلى فريق من المهندسين المعماريّين من كل من تركيا والإمارات وفرنسا ولبنان.
كانت اللجنة التوجيهية المشتركة للمشروع وللمسابقة المعمارية الدولية لمجمع جامع النوري قد اشترطت على المشاركين الحفاظ على أجزاء من قاعة الصلاة التي نجت من الدمار الذي لحق بالجامع في عام 2017، ودمجها مع المباني الجديدة.
من المقرر أن تبدأ عملية إعادة الإعمار في وقتٍ لاحق من العام الجاري.
يخدم سكان الموصل
كما دعت اللجنة إلى إعادة تأهيل الصروح التاريخية كجزء من الموقع الذي سيكتسي حلّة جديدة بفضل التصميم الجديد، لافتة إلى أن المشروع يهدف إلى إنشاء مساحات جديدة مخصصة للمجتمع المحلي، لاستخدامها في إطار التعليم والأنشطة الاجتماعية والثقافية، إنما يخدم سكان الموصل بطرق تتجاوز وظيفته الدينية الرئيسية.
رغم أن غالبية أجزاء الجامع ستبدو- عقب الانتهاء من إعادة إعماره- كما كانت قبل تدميره، لكن سيُعاد افتتاحه بإضاءة طبيعية أفضل ومساحة أكبر للنساء والزوار، كما ستكون هناك حدائق مغلقة مستوحاة من المنازل التاريخية والحدائق التي كانت موجودةً حول ساحة الصلاة قبل إعادة تصميمها عام 1944، وفقاً لـ"اليونسكو".
يشار إلى أن اليونسكو كانت قد استهلَّت المسابقة الدولية لإعادة بناء وإعادة تأهيل مجمع جامع النوري بالموصل، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020. هذا وأُعدّت المسابقة بتنسيق وثيق مع وزارة الثقافة العراقية، وديوان الوقف السني العراقي.
جدير بالذكر أن جامع النوري الكبير تعرّض للتدمير قبل أربع سنوات، إلى جانب العديد من المواقع التراثية الأخرى في المدينة القديمة بالموصل، بالتزامن مع تقدُّم القوات العراقية في آخر محاولاتها لاستعادة السيطرة على المنطقة إبان المعارك مع "داعش"، طبقاً لما أورده موقع Middle East Eye البريطاني.
يحمل هذا الجامع التاريخي اسم نور الدين زنكي، النبيل الذي حارب الصليبيين الأوائل من إقطاعيةٍ غطّت أراضي في تركيا وسوريا والعراق المعاصر. وبُنِيَ الجامع بين عامي 1172 و1173، قبل فترةٍ وجيزة من وفاته، وكان يضم مدرسةً إسلامية.
بحلول وقت زيارة الرحالة والعالم الشهير من القرون الوسطى، ابن بطوطة، بعد قرنين من الزمن؛ كانت مئذنة الجامع مائلة. وقد منحها ذلك الميل اسمها الشهير: الحدباء.
فيما بُنِيَ الجامع بسبعة شرائط من الطوب المزخرف بأنماط هندسية معقدة تُشبه تلك الموجودة في فارس ووسط آسيا.