أثر الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول إيران على مستقبل علاقاتهما

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/14 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/14 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
برنامج إيران النووي أخطر ملفات الشرق الأوسط

الظاهر للمراقب أن المواقف الإسرائيلية والأمريكية بشأن النووي الإيراني تشير إلى أن هناك خلافاً عميقاً، لدرجة أن بعض المتابعين العرب تمنَّى أن يكون ملف إيران سبباً للقطيعة بين إسرائيل والولايات المتحدة. ولكني ألخِّص رأيي في الملاحظات العشر الآتية:

الملاحظة الأولى: هي أن هناك علاقة عضوية ووظيفية بين إسرائيل والولايات المتحدة

وقد شغلت نفسي سنوات لفهم طبيعة هذه العلاقة؛ لأن خلخلتها مصلحة مؤكدة للأمة العربية التي انقض عليها الوحش الصهيوني بمساعدة ومتابعة واشنطن التي وضعت ثقلها كله وراء المشروع الصهيوني، وتعتبر إسرائيل ومشروعها مصلحة أمريكية مباشرة، وللأسف لم يفهم أحد من قادة العرب هذه الحقيقة، لدرجة أن عبدالناصر الذي فهم بعمق المشروع الصهيوني وتحالفاته كان يُمني النفس بأن العلاقات مع السعودية ليست تراجعاً عن تقسيمه للنظم العربية إلى تقدمية ورجعية، فقد تمنَّى وأعلن أنه يوافق على العلاقات السعودية الأمريكية لسبب واحد، وهو أن تكون السعودية لسان حال العرب لدى واشنطن، وبالطبع هذه الرؤية ساذجة كمعظم رؤى الحالمين العرب، وفي الغالب كانت تلك من إبداعات هيكل فيلسوف الاستبداد في مصر، ولم يدرك عبدالناصر أن السعودية أضعف من أن تكون عاملاً مؤثراً على القرار الأمريكي في القضايا العربية حتى وقعت مأساة 1967 التي لا تزال تحتاج إلى تحقيق تاريخي منصف يوضح مواقف بعض الدول العربية منها وفيها.

والعلاقات السعودية المصرية عموماً بحاجة إلى دراسة متأنية حول أثر كل منهما على نظام الآخر وعلى النظام العربي عموماً، فقد كان فيصل هو الذي تعهد في قمة الخرطوم في أغسطس/آب 1967 بالإشراف على معونة الدول الثلاث "مصر والأردن وسوريا" على إزالة أثار العدوان، أما مصدر العدوان نفسه فهذه قضية أخرى لم يرقَ الفكر الرسمي حتى الآن إلى مستوى التعامل معها، وإن كان الفكر الثقافي قد وصل إلى قناعات سجلناها في إنتاجنا العلمي المنشور، والذي صدر في الوقت الضائع.

الملاحظة الثانية: هي أن العلاقة العضوية بين واشنطن وإسرائيل لا تكترث للموازين الاقتصادية والاستراتيجية لدولة عظمى ودولة كفاحية militant كما كان يسميها أستاذنا د. حامد ربيع، بمعنى أن إسرائيل بنيت على هباء وتعلم أنها نبتة شيطانية سرطانية وتعيش على هزيمة الجسد العربي وعقله.

أما مكونات العلاقة العضوية فهي أن منطق النشأة الأمريكية في العصور الوسطى على جثث ساكني شطر الكرة الأرضية الغربي تحت زعم الكشوف الجغرافية التي رافقت حركة الاستعمار الغربي أيضاً في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، والتي تبنت نظرية دارون "البقاء للأصلح والأقوى" وهي نظرية بيولوجية أساساً تفرع عنها شعار الاستعمار في أمريكا وفلسطين، وهو أن المستعمر وجد أرضاً بلا شعب يليق بها ويستحقها، فهو المنتصر والأحق بها من الشعوب البائدة، وربما استخلص كارل ماركس من هذا الشعار نظريته في الفعالية، وهي أن الكتاب ملك من يقرأه، والأرض ملك من يستغلها، وقِس على ذلك جميع مظاهر الحياة التي تغفل طبائع الإنسان الفطرية.

ولذلك ازدهرت العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية في عهد ترامب؛ لأنه التعبير الحديث عن عقلية العصور الوسطى العنصرية الكنَسية قبل نشأة الدولة القومية وتحجيم الدين ومؤسساته وإخضاعه للسلطة السياسية.

ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو/ رويترز

وللأسف نقل السطحيون من مثقفينا هذه اللحظة خاماً إلى واقعنا فأحدثوا فيه تشويهاً خطيراً. وقد بذل أساتذة جامعة هارفارد وغيرها من الجامعات الأمريكية جهوداً بحثية رائعة في بيان العبء الذي تمثله إسرائيل على دافع الضرائب وعلى المصالح الأمريكية، ومع ذلك لم تؤثر على قناعات صانع القرار الذي يدرك خطورة العلاقة الجينية بين إسرائيل وأمريكا.

الملاحظة الثالثة: أما العلاقة المصلحية والوظيفية فقد غمت على الدارسين لدرجة أنهم اختلفوا بين من يرى أن إسرائيل هي التي توظف أمريكا لمصلحتها، ومن يرى أن أمريكا هي التي توظف إسرائيل وتتخذها وكيلاً حصرياً عنها. وأنا أرى أن نفوذ الصهاينة في القرار الأمريكي يرجح النظرية الأولى، بينما قدرات الدولة العظمى وتحالفاتها ترجح النظرية الثانية، وأنا مع النظرية الثانية استناداً إلى سببين؛ الأول أن واشنطن تملك كل أدوات الضغط على إسرائيل، والسبب الثاني أن إسرائيل لا تجرؤ كل الوقت على تحدي واشنطن، بل إن إسرائيل كحالة نفسية لا تستطيع الصمود وحدها في المنطقة التي تغلي بالغضب والقهر بسبب رعاية إسرائيل لكل ما يقهر المواطن العربي ويشل قدراته.

فإذا صحَّ أن الولايات المتحدة تتخلى عن أدوارها في المنطقة بسبب هزائمها المتتالية وأنها تتراجع، فإن نتنياهو عبَّر عن حزنه لهذه الظاهرة، ولكنه لن يبكي على لبن مسكوب، فسوف يبحث عن دعم من القوى الصاعدة كالهند والصين، وبالفعل تنامت العلاقات بين إسرائيل وهذه الدول.

الملاحظة الرابعة: هي أن إيران تشكل عائقاً أمام تمدد المشروع الصهيوني في المنطقة، وليست تهديداً وجودياً كما يزعم نتنياهو، فلا تملك إيران إزالة إسرائيل، ولكنها تملك أدوات هدم التماسك النفسي لمشروعها؛ لأن كل الإسرائيليين يعلمون تماماً أنهم غزاة عابرون، وأن قوة إسرائيل الذاتية والحماية الأمريكية لا ضمان لاستمرارهما، وأن الصراع الحالي مؤقت ولن يسفر عن أوضاع دائمة، فلا العرب الذين يهرولون إلى إسرائيل مطمئنين حقاً لإسرائيل وأمريكا، ولم يتخلوا عن عروبتهم لصالح الصهيونية، كما تدرك إسرائيل أن تعاون بعض الحكام العرب لصالحهم الشخصي على حساب أوطانهم مسألة عابرة أيضاً، واتخذوا من أنور السادات ومبارك مثالين واضحين، فهما على التحقيق قد أضرا مصر ضرراً بليغاً، ولكني لست واثقاً إذا كانوا فعلوا ذلك عمداً وبوعي لصالح إسرائيل أم جهلاً وغباءً وقصوراً عن الفهم بحكم تركيبهم ومهنتهم، بالإضافة إلى أن السادات كان مسكوناً بعقدة عبدالناصر شكلاً ومضموناً.

الملاحظة الخامسة: هي أن العقلية اليهودية تدرك التاريخ جيداً كما تدرك خطورة الحكمة العربية "ما حكَّ جلدك مثل ظفرك، فتولَّ أنت جميع أمرك"، فقد كشفت دراسة السلوك الإسرائيلي مع واشنطن عن الكثير من الدروس التي تخرج عن سياقنا في هذه المقالة.

الملاحظة السادسة: هي أن الخلاف بين واشنطن وإسرائيل حول إيران يتحصل في فهم كل طرف لمصالحه في المعادلة، محمولاً على أن إسرائيل نفسها مصلحة أمريكية موضوعية لا علاقة لها بمزاج ساكن البيت الأبيض.

فقد بدأت الثورة الإسلامية في إيران 1979 بالعداء لواشنطن وإسرائيل، وتبنت شعارات موالية للأقصى وفلسطين، ثم دخلت مباشرة ضد إسرائيل في لبنان بحزب الله، ثم بدعم كل مقاومة ضد إسرائيل، ولكني لا أصدق أن الصراع بين إيران وإسرائيل صراع أيديولوجي، فهو عندي صراع على المصالح مغلَّف ببعض الشعارات الأيديولوجية لكسب الشعبية ودغدغة المشاعر الإسلامية، كما أن إسرائيل تعرف جيداً أن إصرار إيران على تعظيم قدراتها هو عمل ضدها باعتبارها القوة الأخرى المسيطرة عسكرياً في فلسطين، وسياسياً في العالم العربي، وأن أي صراع عسكري بينهما لن تقبل به واشنطن، لكنها قد تسمح سراً بتدمير إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، كما ثبت أن واشنطن وافقت على غزو إسرائيل لبيروت ثم أرسلت السفير فيليب حبيب بالتنسيق مع السعودية لإخراج المقاومة من لبنان مقابل انسحاب إسرائيل، وهذا كسب كبير في مسيرة المشروع الصهيوني.

وتفهم إسرائيل جيداً أن حزب الله له وجهان؛ الأول أنه ذراع إيران ومشروعها ضدها وضد غيرها، والثاني أنه يدافع عن لبنان ولا يسعده إقامة الدولة اللبنانية التي تملك جيشاً يدافع عنها في إطار التركيبة الطائفية التي حلت محل الدولة اللبنانية، فصار لبنان في نظر فريق لبناني ساحة للصراع السعودي – الإيراني، والإيراني – الإسرائيلي.

ثم إن حزب الله أهم قُوى الردع لإسرائيل إذا فكرت بمهاجمة إيران، فعداء إيران لإسرائيل أكبر من عداء حزب الله لإسرائيل، وكل شيء يعتمد على التسويات والصفقات وليس هذا عيباً في أي طرف.

الملاحظة السابعة: من مصلحة إسرائيل أن تطوي إيران وتنضم إلى بيت الطاعة الأمريكي كالحكام العرب، وهذه مصلحة أمريكية أيضاً، ولكن إيران تصر على أنها لاعب رئيسي لابد من الاعتراف به، وليس صعباً على إسرائيل وواشنطن التوصل إلى صيغة في نهاية المطاف.

الملاحظة الثامنة: أن المشروع الصهيوني وصل في تقدمه مرحلة الاحتكاك بالمشروع الإيراني، ولذلك وجب البحث عن حلول، وألا ننخدع بالآثار ونترك الجذور.

الملاحظة التاسعة: هي أن الخلاف الإسرائيلي الأمريكي حول الملف النووي، ليس صحيحاً ذلك أن حماية أمريكا لإسرائيل مؤكدة، وتحول دون كل ما يزعج إسرائيل نفسياً، ولهذا كانت زيارة قائد القيادة الوسطى الأمريكي لإسرائيل وإدخالها في حماية هذه القيادة.

الملاحظة العاشرة: أن واشنطن تستخدم الملف النووي والعقوبات لتقويض القوة الإيرانية حتى تسقط في بيت الطاعة الأمريكي، وأن صمود إيران يحسن شروط التسوية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبد الله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق
مساعد سابق لوزير خارجية مصر وسفيرها في عدد من الدول ومرشح سابق لرئاسة الجمهورية
تحميل المزيد