قالت صحيفة The Financial Times البريطانية، الثلاثاء 13 أبريل/نيسان 2021، إن هناك أزمة اقتصادية حادة تضرب أسس دعم النظام السوري، وذلك بالتزامن مع استمرار أزمة شح النقد الأجنبي، وتراجع سعر صرف الليرة، مشيرة إلى أن تلك الأزمة الاقتصادية غير مسبوقة، تُهدد بتدمير ما تبقى من أركان النظام، بما في ذلك الأقلية العلوية، التي يعتمد عليها النظام في العديد من المؤسسات والأجهزة الأمنية، وخاصة في الشرطة السرية والقتال في صفوف الجيش.
فمنذ أكثر من عقد مع اندلاع الثورة السورية يكافح نظام بشار الأسد الاستبدادي من أجل إبقاء الأضواء مشتعلة حتى في قلب منطقته الحيوية، إلا أن الحرب دمرت جزءاً كبيراً من البلد الذي يسيطر الأسد على ثلثي أراضيه، فضلاً عن أن النظام يواجه أيضاً عقوبات غربية.
في حين يعاني العلويون، على غرار جميع السوريين، من الفقر وانقطاع التيار الكهربائي والعجز وانخفاض قيمة العملة والبطالة. وتفاقم الانهيار الاقتصادي الناجم عن الحرب والعقوبات سوءاً بسبب وباء "كوفيد-19″، والأزمة المالية في لبنان المجاور، الذي يمثل شريان الحياة المصرفي.
إلا أنه بغض النظر عن مدى معاناة العلويين وغيرهم من السوريين، تستبعد إليزابيث تسوركوف، زميلة باحثة في معهد Newlines Institute for Strategy and Policy، العودة إلى الاحتجاجات على نطاق واسع، وتقول: "لقد تمكَّن النظام من أن يُظهِر للسوريين أنهم سيستسلمون، وسيخضعون… يعلم الجميع أنَّ هذا أمر لا يطاق، ومع ذلك لا أحد يحرك ساكناً".
انهيار الليرة السورية
جدير بالذكر أن انخفاض قيمة العملة المحلية في البلاد أدى إلى زيادة التضخم، ما جعل السوريين يكافحون لشراء سلع أساسية مثل الغذاء والطاقة.
كان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قد دعا، يوم الثلاثاء 30 مارس/آذار المنصرم، إلى معاقبة التجار المتربحين من انهيار العملة المحلية، لافتاً إلى أنه أبلغ مجلس الوزراء أن الهبوط الحاد في سعر صرف الليرة السورية يجب التعامل معه على أنه "معركة" ستخسرها مؤسسات الدولة إذا لم يقف المواطن معها.
لكن السوق الموازية للعملة تشهد انتعاشاً متصاعداً داخل البلاد، وسط تراجع وفرة النقد الأجنبي، ليسجل الدولار الأمريكي الواحد في التعاملات غير الرسمية اليوم 3300 ليرة، مقارنة مع 1257 للسعر الرسمي.
فضلاً عن ذلك، أصبحت رواتب الجنود والموظفين الحكوميين تساوي جزءاً بسيطاً مما كانت عليه في السابق، خاصة مع ارتفاع التضخم، والانخفاض الحاد في الليرة السورية.
ثورة جياع
يشار إلى أن بعض الرموز السورية المعارضة حذّرت من أن استمرار تدهور الأوضاع الراهنة دون القيام بتغيير سياسي حقيقي سيؤدي إلى حتماً اندلاع "ثورة جياع"، لأن مَن يستطيع تحريك عجلة الاقتصاد السوري منفي خارج البلاد بسبب دموية نظام الأسد وامتلاكه أداة وحيدة في جعبته، وهي المطرقة التي يضرب بها كل حراك سياسي يهدف إلى حل سياسي يخرج سوريا من مأزقها التاريخي، كما يقولون.
من جهتها، قالت طالبة (22 عاماً)، من مدينة اللاذقية الساحلية ذات الأغلبية العلوية، التي تجني نحو 10 دولارات في الأسبوع من الدروس الخصوصية وتعيش على التحويلات المالية من أخيها في ألمانيا: "لا أعرف كيف أشرح الوضع المروع الحالي… أعان الله من ليس عنده من يرسل له مالاً من الخارج". ولم ترغب في نشر اسمها خوفاً من الانتقام.
الأقلية العلوية
يذكر أن العلويين وهم طائفة مهمشة تاريخياً، وتشكل 15% فقط من سكان سوريا البالغ عددهم 17 مليون نسمة، يشكلون حجر الأساس للموالين للنظام في الدولة ذات الأغلبية السنية.
منذ تولى حافظ الأسد، والد بشار، السلطة في انقلاب عام 1963 بدعم من زملائه من ضباط الجيش العلويين، ضمت عائلة الأسد إلى أجهزة الأمن والاستخبارات عدداً غير متكافئ من العلويين. ومع تشكيل السنة والمسيحيين للنسبة الأكبر من البرجوازية التجارية في البلاد، أصبحت الدولة المصدر الرئيسي للوظائف المُربِحَة للعلويين.
بالتالي لم يعد من المستغرب أن المناطق الساحلية ذات الأغلبية العلوية في اللاذقية وطرطوس لم تثُر ضد الأسد في عام 2011، ونتيجة لذلك نجت من أسوأ أعمال العنف في الحرب.
بدوره، أكد أليكس سيمون، مدير برنامج سوريا في شركة Synaps للأبحاث ومقرها بيروت، أن الاقتصاد، وليس الولاء الطائفي، هو ما يقف وراء اصطفاف المجتمع العلوي مع عائلة الأسد، مضيفاً: "الدولة… أصبحت المحرك الأساسي (للعلويين)، إن لم يكن لتحريك الاقتصاد، فعلى الأقل لقابلية العيش".
لكن هذه العلاقات تتوتر الآن، وتقدم المنشورات على صفحات أحياء المدن ذات الأغلبية العلوية على فيسبوك نافذة على المظالم المحلية، من الكهرباء التي لا تعمل إلا بضع ساعات في اليوم والنقص الحاد في الوقود، إلى فشل المسؤولين في مواجهة تردي الخدمات وعدم مساءلتهم.
رئيس النظام السوري تخلى عن الجميع
حسب صحيفة The Financial Times البريطانية، رغم أنه لا أحد تقريباً يجرؤ على توبيخ بشار الأسد علناً، إلا أن الكثيرين يشعرون بأن رئيس النظام تخلى عنهم.
تعليقاً على ذلك، أوضح مترجم ومتطوع في مبادرات ثقافية، من اللاذقية، يبلغ 38 عاماً أن النظام بالكاد يتعامل مع المشكلات الاقتصادية.
فيما قال كاتب في السبعين من عمره من العائلة العلوية: "بين الحين والآخر تُرسَل جثث المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب إلى عائلاتهم. الجيل الذي بقي في سوريا رأى من الخوف والقمع ما لن يُمكِّنه من الثوران؛ فالقبضة الأمنية مُحكَّمة للغاية".
الأسد يقيل حاكم المصرف المركزي
إلى ذلك، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسوماً، الثلاثاء، أقال فيه حاكم مصرف البنك المركزي حازم قرفول اعتباراً من تاريخه، بالتزامن مع استمرار أزمة شح النقد الأجنبي وتراجع سعر صرف الليرة.
مرسوم الأسد، الذي نشرته وكالة أنباء النظام "سانا"، تضمن "إنهاء تعيين قرفول حاكماً لمصرف سوريا المركزي الوارد بالمرسوم رقم 299 بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول 2018".
بينما لم يعلن المرسوم عن أسباب الإقالة أو تسمية حاكم جديد لمصرف سوريا المركزي، إلا أنه يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من فوضى أسعار الصرف، وتراجع ثقة السوق المحلية بـ"الليرة".
وقرفول كان مكلفاً قبل تعيينه حاكماً لمصرف سوريا المركزي، بوظيفة النائب الأول لحاكم المصرف، إضافة لكونه عضواً في جمعية العلوم الاقتصادية بسوريا.
أرقام "كارثية"
جدير بالذكر أن منظمة الرؤية العالمية "وورلد فيجن"، وشركة فرونتير إيكونوميكس لتطوير النتائج الاقتصادية (أكبر شركة استشارات اقتصادية مستقلة في أوروبا) قالا في بيان سابق لهم صدر قبل أسابيع، إن التكلفة الاقتصادية للنّزاع في سوريا بعد 10 سنوات تقدّر بأكثر من 1.2 تريليون دولار، مشيرين إلى أنه "حتى إذا انتهت الحرب اليوم، فستستمر تكلفتها في التّراكم لتصل إلى 1.7 تريليون دولار إضافي بقيمة العملة اليوم وحتى عام 2035".
البيان الحقوقي لفت إلى أن "الصراع في سوريا يعتبر من أكثر النزاعات الدموية بالنسبة للأطفال والأكثر تدميراً، حيث يقلل من متوسط العمر المتوقع للأطفال بمقدار 13 عاماً"، موضحاً أن "النتائج تشير إلى أن جيلاً كاملاً قد ضاع في هذا الصراع، والأطفال سيتحمّلون التكلفة من خلال فقدان التعليم والصحة، ما سيمنع الكثيرين من المساعدة في تعافي البلاد والنمو الاقتصادي بمجرد انتهاء الحرب".