يستعد اللبنانيون لاستقبال شهر رمضان، لكن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة واستمرار جائحة كورونا قد تجعل شهر هذا العام الأصعب على مرّ السنوات في لبنان.
يأتي ذلك، بينما يعاني لبنان منذ أكثر من عام أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، أدت الى تراجع قياسي في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، وانهيار القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، وزيادة معدلات الفقر.
وبخلاف السنوات الماضية، فإن بلدية بيروت لم تُزيّن شوارع العاصمة وكذلك العديد من المناطق الأخرى، في ظل تقشف مالي قاسٍ فرضته الأزمة الاقتصادية.
تأمين الطعام
يهتم المسلمون في لبنان بتزيين موائد إفطارهم بأنواع عدة من المأكولات والحلويات، لكن الظروف المعيشية الصعبة قد تحد بشكل كبير من تلك العادات.
في هذا الصدد، قال الشيخ حسن مرعب، المفتش العام المساعد لدار الفتوى في الجمهورية، إن "رمضان هذا العام فيه غصّة نابعة عن جائحة كورونا من جهة، والوضع الاقتصادي السيئ الذي أصاب المواطنين من جهة أخرى".
مرعب أضاف: "نسمع أن البعض لم يتذوق اللحوم منذ عيد الأضحى الأخير، أي قبل 8 أشهر"، مضيفاً: "بعدما كانت الناس تهتم بتزيين موائد إفطارها أصبح الهم الأساسي تأمين الطعام".
كذلك أشار إلى أنه في السابق كانوا يهتمون بزينة المسجد لاستقبال شهر رمضان، "لكن اليوم أصبح كل همنا كيف يمكن أن نؤمّن الأكل والشرب للناس التي أصبحت في مرحلة الجوع، هدفنا تأمين حاجيات الناس الضرورية والأساسية في حياتهم، وحفظهم من جائحة كورونا هذه هي استعداداتنا لشهر رمضان المبارك".
تشير الأمم المتحدة إلى أن معدل الفقر ارتفع في لبنان عام 2020 ليشمل 55% من السكان، بينما تزايد معدل الذين يعانون الفقر المدقع ثلاثة أضعاف، من 8% إلى 23%، لكن هذه المعدلات مرجح ارتفاعها مع استمرار تصاعد الأزمة الاقتصادية.
كما أنه في 23 مارس/آذار الماضي، أنذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" من انعدام الأمن الغذائي في لبنان، منبّهةً إلى سير البلاد نحو مزيد من الفقر والجوع.
شهر رمضان "الأصعب" بالبلاد
يرى اللبناني أحمد حمامي أن "رمضان هذا العام مختلف عن السابق كثيراً"، وشرح ذلك بقوله: "مثلاً كنا نشتري كيلو السكر بـ3 آلاف ليرة (1.98 دولار وفق السعر الرسمي) أما اليوم فيصل سعره إلى 12 ألف ليرة (7.95 دولار)، وكذلك الحال بالنسبة لأسعار كافة المواد الغذائية".
تساءل حمامي: "كيف سيتمكن المواطن من تأمين إفطاره؟.. للأسف لاحظت أن بعض المواطنين تمنّوا أن يتأخر رمضان قليلاً هذا العام، لأن وضعهم المعيشي تعيس جداً".
كذلك اعتبرت أم فؤاد (سيدة أربعينية) أن "هذا أصعب شهر رمضان قد يمر علينا"، وقالت: "نحن في الأساس نواجه صعوبات في تأمين الطعام وشراء السلع، ولا تصلنا مساعدات من أحد".
وعادة تشهد محال بيع الزينة الرمضانية في بيروت إقبالاً كثيفاً قبيل حلول شهر رمضان، لكن المشهد هذا العام اختلف عن السابق، وقال سامي، وهو موظف في أحد محال بيع الزينة الرمضانية: "سابقاً كان يزدحم محلنا بالزبائن لشراء الزينة استقبالاً للشهر الفضيل، لكن اليوم الإقبال على شراء الزينة أصبح ضئيلاً".
سامي أشار إلى أن "الأزمة الاقتصادية أثّرت بشكل كبير على عملنا، حيث لم نعد نستطيع تأمين البضائع كما في السابق، وانخفضت نسبة بيع الزينة، نظراً لارتفاع أسعارها".
بدورها أشارت ميرفت شومان، مديرة محل آخر لبيع الزينة في بيروت، إلى أنه "بسبب الوضع الاقتصادي تأثر بيع الزينة بشكل كبير، بسبب ارتفاع أسعارها"، وأضافت أنه "رغم ذلك فإن بعض الناس يتوافدون لشراء الزينة ولو بكمية أقل عن السابق، فهم يريدون إدخال السرور والبهجة على قلوب أطفالهم بحلول شهر رمضان، ونحاول مراعاتهم في الأسعار قدر المستطاع".
التراويح بإجراءات
أما المساجد، فستفتح أبوابها هذا العام لاستقبال المصلين خاصة في صلاة التراويح، ولكن ضمن إجراءات وقائية من الجائحة، اتخذتها دار الفتوى، أبرزها التباعد الجسدي وإلزامية ارتداء الكمامة.
من ضمن الإجراءات الوقائية لمنع تفشي الوباء، إحضار كل مصلّ سجادة صلاة خاصة به، والتوقف عن استقبال الأطفال والنساء وكبار السن، وإغلاق أماكن الوضوء، وحظر الاعتكاف في المساجد.
طلال دروش، وهو لبناني في الستينات من عمره، قال إنه "قبيل صدور قرار إقامة صلاة التراويح، فإن كثيراً من المواطنين قلقون من عدم السماح بذلك.. لكن والحمد لله، ستقام الصلاة، وسنلتزم بالإجراءات الوقائية".
من جهته، عبّر عامر حسان (خمسيني) عن فرحته بالسماح بإقامة صلاة التراويح، وقال: "إن شاء الله في رمضان سنصلي التراويح، ونلتزم بالإجراءات الوقائية المطلوبة".
يُشار إلى أنه بالإضافة إلى المعاناة الاقتصادية وجائحة كورونا، شكل انفجار مرفأ بيروت الذي وقع، في 4 أغسطس/آب 2020، ضربة إضافية للبنانيين، حيث أسفر عن مصرع نحو 200 شخص، وإصابة 6 آلاف آخرين، فضلاً عن دمار مادي هائل.
وسط كل تلك المعاناة، ما تزال الخلافات السياسية تحولُ دون تشكيل حكومة لتحل محل حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت بعد 6 أيام من الانفجار، في بلد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.