قضى رجل نيبالي 41 عاماً معتقلاً في سجن هندي دون محاكمة، بعد أن اتُّهم بارتكاب جريمة قتل لم تُثبت السلطات أنه ارتكبها، وظل ينتقل طيلة أربعة عقود من سجن إلى آخر، إلى أن أُفرِج عنه مؤخراً بعد ضغط إعلامي وحقوقي كبير في بلاده، وفق ما ذكره تقرير شبكة DW الألمانية، الجمعة 9 أبريل/نيسان 2021.
يقول تقرير الشبكة إن دورغا براساد تيمسينا كان قد فَقَدَ كلَّ أملٍ في رؤية والدته أو العودة إلى قريته في نيبال بعد 41 عاماً في انتظار المحاكمة بتهمة القتل. نُقِلَ من سجنٍ إلى آخر عبر ولاية البنغال الغربية، وانتهى به الأمر أخيراً في مركزٍ إصلاحي بالقرب من كولكاتا، حيث لم يستطع أحدٌ فهم لغته النيبالية.
لم يستطع تيمسينا التحدُّث باللغة البنغالية على الإطلاق، وبالكاد كان يعرف الهندية؛ وهما اللغتان الأساسيَّتان للعيش في ذلك الجزء من الولاية الواقعة شرقي الهند. ورغم كلِّ الصعاب، جاء اليوم أخيراً في الشهر الماضي (مارس/آذار)، عندنا خرج تيمسينا من إصلاحية دوم دوم المركزية.
بالكاد يستطيع أن يأكل
كان تيمسينا برفقة مسؤولين من القنصلية النيبالية في كولكاتا وأعضاء من نادي راديو البنغال الغربي -وهو مجموعة من مذيعي الراديو الهواة- الذين اضطلعوا بدورٍ رئيسي في تأمين حريته.
سلَّطَت القضية الضوء على محنة الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة في السجون الهندية، وكثيرٌ منهم مسجونون لفترةٍ أطول مِمَّا كان يمكن أن يكون لو أُدينوا بالجرائم التي يُتَّهَمون بها.
قال براكاش تشاندرا، ابن عم تيمسينا، لشبكة DW الألمانية: "نحن جميعاً سعداء بعودته إلى المنزل. كانت هناك احتفالاتٌ لعدة أيام بعد عودته إلى القرية". وأضاف: "للأسف، خلَّفَت فترة السجن صدمةً نفسيةً لديه. يداه ورجلاه ترتعش، وبالكاد يستطيع أن يأكل، ويعاني أيضاً من عدة أمراض جسدية".
قال تشاندرا، إن تيمسينا يتلقَّى العلاج في مستشفى محلي، وإن حكومة المقاطعة ستتكفَّل بالنفقات الطبية، مضيفاً أنه لم يكن في وضعٍ يسمح له بالتحدُّث إلى الناس.
ذهب للبحث عن وظيفة فاتُّهم بالقتل
ترك تيمسينا قريته، الواقعة بمنطقةٍ نائيةٍ في شرقي نيبال، بحثاً عن وظيفةٍ وهو في سنِّ العشرين. في عام 1980، ذهب إلى مدينة دارجيلنغ الهندية ذات المناظر الخلَّابة، الواقعة بين نيبال وبوتان.
هناك التقى رجلاً وَعَدَه بالعمل في الجيش الهندي. ومع ذلك، وفقاً لتشاندرا، انتهى الأمر إلى أن اتَّهَم الرجل تيمسينا بارتكاب جريمة قتل.
يقول تيمسينا إنه تم تحديده كذباً بأنه رجلٌ يُدعَى ديبال جيشي، وألقت الشرطة القبض عليه. وأبلغ حشداً من الصحفيين فور إطلاق سراحه، بأنه بريء، وهو ما أصرَّت عليه أسرته طوال سنوات.
قال تشاندرا: "لم يتقدَّم أحدٌ بأيِّ دليلٍ على الإطلاق. لقد اقتادوا دورغا براساد وزجوا به في السجن".
كما أضاف أن تغيير الاسم كان بسبب خطأٍ في التسجيل لدى الشرطة. وأضاف: "الأشخاص الذين عرفوه في دارجيلنغ يعرفون لقبه فقط، وهو (دوبات)، الذي أصبح بطريقةٍ ما (دوباك) على لائحة اتِّهام الشرطة. وسُجِّلَ لقبه على أنه جيشي، وهو في الواقع اسم مجتمعنا وليس لقبه".
خطأ في الاسم زج بالرجل النيبالي بالسجن
أدَّى التغيير في اسم تيمسينا إلى عدم تمكُّن أيِّ شخصٍ يعرف هويته الحقيقية من العثور عليه. أمضى عدة سنوات في سجن دارجيلنغ بينما تلقَّت عائلته في الوطن أنباء وفاته.
قال تشاندرا: "لقد كان وقتاً خطيراً في دارجيلنغ آنذاك"، في إشارةٍ إلى الصراع المُسلَّح في غورخالاند بأوائل الثمانينيات، عندما سعى مجتمع غورخا في المنطقة إلى دولةٍ منفصلة للسكَّان الناطقين بالنيبالية. وأسفرت أعمال العنف التي أعقبت ذلك عن مقتل 1200 شخص.
نُقِلَ تيمسينا من سجن دارجيلنغ إلى سجنٍ آخر في كولكاتا قبل إرساله إلى إصلاحية دوم دوم بالقرب من عاصمة الولاية في 2005.
هناك التقى رجل نيبالي يُدعَى رضياشيام داس، كان قد اعتُقِلَ عام 2011 كسجينٍ سياسي. وُضِعَ في الزنزانة المجاورة له، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى حاوَلَ التحدُّث إلى تيمسينا.
قال داس لشبكة DW الألمانية: "كان دائماً صامتاً ولم يكن يتحدَّث إلى أيِّ شخص. اعتقد الجميع أنه معتلٌّ نفسياً. حاولت التحدُّث إليه، لكنه لم يفهم أياً مِمَّا قلته".
لاحظ داس خلال فترة وجوده في الإصلاحية، أن أحداً لم يأتِ إلى تيمسينا أو يبعث له برسائل، رغم أن سجناء آخرين كانوا يتلقون رسائل ويستقبلون زواراً.
سجين سابق أخبر عن رجل نيبالي مسجون
حين أُخلِيَ سبيل داس بكفالة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد أن كان يُحاكَم لمدة تسع سنوات، تعهَّد بالعثور على عائلة الرجل الذي يُعتقَد أنه ديباك. وتواصَلَ مع نادي راديو غرب البنغال، الذي جمع شمل العديد من الأشخاص المفقودين مع عائلاتهم.
تحقَّقَ أمباريش ناغ بيسواس، مؤسِّس نادي الراديو، من ادِّعاس داس واستخدم اتصالاته بالشرطة لترتيب لقاء مع تيمسينا في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.
قال بيسواس لشبكة DW: "بعد كثير من الضغط، تحدَّث تيمسينا أخيراً باللغة النيبالية". وقال إنه في أحد اللقاءات اللاحقة مع تيمسينا، أمسك بقلم المحامي وكتب اسمه واسم والدته واسم مدرسته بمنطقة إيلام في نيبال.
بهذه القرائن، تواصل بيسواس مع القنصلية النيبالية في كولكاتا وطلب من المسؤولين العثور على عائلة تيمسينا والاتصال بها. واتصل كذلك بالقائمين على محطة راديو أخرى في نيبال، والذين كان قد عمل معهم خلال زلزال 2011.
قدَّموا طلباً لإطلاق سراحه بكفالة في محكمة كالكوتا العليا. قال بيسواس: "بعد أسابيع عثر القائمون على الراديو على براكاش تشاندرا وأقنعوه وأسرته بأن دورغا براساد على قيد الحياة".
بحلول ذلك الوقت، كانت وسائل الإعلام المحلية قد غطَّت قضية تيمسينا على نطاقٍ واسع، وتولَّى قاضي المحكمة العليا في كالكوتا المسألة باعتبارها أولوية. وبعد عدة جلسات، قضت المحكمة بأن تيمسينا لم يكن لائقاً طبياً للمحاكمة، وفي 17 مارس/آذار أمرت بالإفراج عنه.