عرضت شركات ألمانية، الجمعة 9 أبريل/نيسان 2021، خططاً طموحة تتكلف مليارات الدولارات لإعادة بناء مرفأ بيروت والأحياء المتاخمة له في العاصمة اللبنانية، التي دمرها انفجار هائل العام الماضي، ما عمّق الأزمة الاقتصادية الطاحنة في البلاد.
في أعقاب الانفجار الذي وقع يوم الثلاثاء 4 أغسطس/آب 2020 في مرفأ بيروت، انتشرت مقاطع الفيديو المصورة بواسطة الهواتف المحمولة لتنقل مشاهد مروعة تنمّ عن حجم الانفجار الهائل، الذي هز العاصمة اللبنانية، مخلفاً مئات الضحايا بين قتيل وجريح وخسائر مالية بمليارات الدولارات.
إعادة إعمار مرفأ بيروت
المقترحات المطروحة لإعادة إعمار مرفأ بيروت وبناء منطقة سكنية جديدة تضم متنزها ومناطق على الشاطئ قد تمثل تحولاً لجزء من العاصمة دمره الانفجار الذي وقع في أغسطس/آب 2020.
يقول داعمون لتلك المشروعات إنها قد توفر ما يصل إلى 50 ألف وظيفة جديدة وتفتح المجال أمام أنشطة اقتصادية بمليارات الدولارات.
لكن تلك الخطط لا يمكن أن تنفذ إلا بعد نجاح القادة اللبنانيين في كسر الجمود السياسي الذي منع حتى الآن تشكيل حكومة جديدة وعرقل تنفيذ إصلاحات اقتصادية تقول الدول الغربية إنها يجب أن تسبق أي مساعدات أو تدفق الاستثمارات للبلاد.
قال مدير عام شركة (هامبورغ بورت) للاستشارات سهيل ماهيني في مؤتمر صحفي في بيروت عقد لتوضيح المقترحات المبدئية التي تقودها شركته "الخطوة القادمة هي من الجانب اللبناني". وأضاف أن هناك حاجة لوجود "مستوى من الحوكمة يسهل تمويل المشروعات" حتى يتم تنفيذها.
خطط تتكلف ما بين 5 و15 مليار دولار
بينما قال وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار لرويترز إن المقترحات قدمت هذا الأسبوع لحكومة تصريف الأعمال وتشمل عدداً من الخطط لإعادة إعمار مرفأ بيروت تتكلف ما بين 5 و15 مليار دولار.
كما أضاف المسؤول اللبناني أن المقترحات الألمانية تظهر الاهتمام المستمر بالاستثمار والتنمية في لبنان، ووصف ذلك بأنه مؤشر جيد في هذا التوقيت الذي يشهد أزمة اقتصادية.
فيما تقترح الخطط نقل جزء من عمليات مرفأ بيروت بما يشمل بعض منشآت التخزين إلى مناطق من الأراضي المستصلحة إلى الشرق من موقع المرفأ الحالي بما يسمح بتحويل ثلاثة أجزاء من الحوض الغربي للمرفأ إلى مناطق شاطئية.
فقد أودى انفجار مرفأ بيروت بحياة 200 شخص على الأقل وأصاب الآلاف ودمر أحياء بأكملها ما دفع البلاد إلى أسوأ الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.
فيما استقال رئيس الوزراء بعد أيام من الانفجار لكنه ظل على رأس حكومة لتصريف الأعمال وسط شلل سياسي.
أضرار كبيرة بالصوامع
"أمان إنجنيرينغ"، الشركة السويسرية التي قدّمت للبنان مساعدة في إجراء مسح بالليزر لصوامع الحبوب في مرفأ بيروت، في أعقاب الانفجار الذي وقع في 4 آب/أغسطس 2020، قالت إن كتلة الصوامع هي اليوم "هيكل غير مستقرّ ومتحرّك"، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
أضافت الشركة في تقريرها أن "توصيتنا هي المضيّ قُدماً في تفكيك هذه الكتلة" الخرسانية الضخمة، محذّرة من أنه "كما أصبح واضحاً، فإن الركائز الخرسانية تعرّضت لأضرار جسيمة، سيتعيّن بناء صوامع جديدة في موقع مختلف".
كان وزير الاقتصاد، راوول نعمة، قد قال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن الحكومة ستهدم هذه الصوامع التي كانت أكبر مخزن للحبوب في البلاد، وذلك بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة العامة، لكن السلطات لم تتّخذ حتى اليوم أي قرار بهذا الشأن.
في تقريرها قالت الشركة السويسرية إن "الوقائع تظهر أنه ما من طريقة لضمان السلامة حتى على المدى المتوسط، إذ ما بقيت الكتلة الشمالية (من المبنى) على ما هي عليه"، مضيفةً أن الأضرار التي لحقت ببعض الصوامع كانت شديدة لدرجة أن هذه الصوامع تميل بمعدل خطر.
في هذا الصدد، أوضحت الشركة أنّ هذه الصوامع "تميل بمعدل 2 ملم في اليوم، وهذا كثير من الناحية الهيكلية"، وقالت إنه "على سبيل المقارنة، فإن برج بيزا في إيطاليا كان يميل بمقدار حوالي 5 ملم في السنة قبل أن يتمّ تثبيته" بإجراءات هندسية خاصة.
تهديدات تواجه لبنان
كانت هذه الصوامع ببنائها الخرساني العملاق البالغ ارتفاعه 48 متراً، وقدرتها الاستيعابية الضخمة التي تزيد على 100 ألف طن، تعتبر أحد صمّامات الأمن الغذائي للبنان.
لكن أصبحت اليوم رمزاً للانفجار الكارثي الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص وأصاب أكثر من 6500 آخرين بجروح وألحق أضراراً جسيمة في مرفأ بيروت وبعدد من أحياء العاصمة.
في الواقع فإن هذا البناء الخرساني العملاق امتصّ القسم الأكبر من عصف الانفجار المدمّر ليحمي بذلك الشطر الغربي من العاصمة من دمار مماثل لما لحق بشطرها الشرقي.
يأتي هذا التحذير من انهيار صوامع الحبوب، ليزيد من المخاوف المتعلّقة بالأمن الغذائي في لبنان، البلد الذي يتخبّط أساساً بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، حيث تعتمد البلاد على الواردات بنسبة 85% لسد احتياجاتها الغذائية.
يُذكر أن الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت، نجم عن حريق وصل إلى مستودع في المرفأ خُزن فيه 2700 طن من مادة "نيترات الأمونيوم" شديدة الانفجار منذ ست سنوات من دون إجراءات حماية.