دقّ الرئيس التونسي قيس سعيد مسماراً جديداً في نعش علاقته المتوترة ببقية أطراف المشهد السياسي في البلاد، بعد الفيتو الجديد الذي رفعه في وجه مشروع قانون المحكمة الدستورية، بعد رفضه التعديلات التي صادق عليها البرلمان.
ورفض سعيد التوقيع على مشروع قانون المحكمة الدستورية، وأعاده للبرلمان للمصادقة على تعديلات جديدة بأغلبية 131 صوتاً.
وكان البرلمان التونسي قد صادق على جملة من التعديلات المتعلقة بتعديل القانون الأساسي الخاص بالمحكمة الدستورية بأغلبية 110 أصوات، بهدف تسهيل عملية انتخاب أعضائها.
أزمة قانون المحكمة الدستورية في تونس
ووصف مستشار رئيس البرلمان سامي الطريقي في تصريح لـ"عربي بوست" رد رئيس الجمهورية على التعديلات التي أجراها البرلمان على القانون الأساسي للمحكمة الدستورية بأنه "تصعيد سياسي، وموقف متطرف لن يزيد إلا في تطرف ردود أفعال بقية مكونات المشهد السياسي".
وفيما أكد الطريقي أن البرلمان سيدرس ردّ الرئيس والآليات الكفيلة بتركيز المحكمة الدستورية، شدّد على أن "التبريرات التي قدمها رئيس الجمهورية لرفضه التوقيع على القانون غير منطقية، ذلك أنه شكك في نوايا وذمة أعضاء البرلمان الذين يريدون تركيز المحكمة الدستورية، بغير وجه حق".
وتساءل الطريقي مستغرباً "كيف لرئيس الجمهورية الذي أدى القسم أمام هؤلاء النواب أن يشكك اليوم في نواياهم وذممهم"؟
كما وصف النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة محمد العفاس موقف رئيس الجمهورية بـ"العبث السياسي، وبمُحاولة ترذيل العمل السياسي وتقويض ما بقي من الدولة"، قائلاً في تدوينة على حسابه على موقع فيسبوك: "ستمر المحكمة الدستورية… وسيعزل العابثون، وعلى رأسهم صاحب الحمار… والأيام بيننا".
سعيد يخشى عزله من البرلمان
أشار الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي، في تصريح لـ"عربي بوست"، إلى أنه "بات من الواضح أن رئيس الجمهورية قيس سعيد يريد أن يحافظ على صلاحية حصرية تأويل وتفسير الدستور في غياب المحكمة الدستورية، وبأنه يخشى بالفعل من إمكانية عزله عن طريق المحكمة الدستورية، وهو تخوّف عبَّر عنه شقيقه نوفل سعيد مؤخراً في إحدى التدوينات على حسابه في موقع فيسبوك".
وأضاف الخرايفي أن "رد رئيس الجمهورية على التعديلات التي صادق عليها البرلمان فيما يخص المحكمة الدستورية، غير مقنع وغير مؤيد"، مشدداً على أن "استناد الرئيس على الفصل 148 من الدستور يجعله أقرب إلى رسالة لوم للنواب، على تقاعسهم في ترسيم هذه المؤسسة خلال السنوات الماضية، من كونه تعليلاً لرفضه التعديلات التي أجريت على قانونها الأساسي".
وينص الفصل 148 من الدستور على تعيين المحكمة الدستورية بعد عام من الانتخابات البرلمانية لعام 2014.
لماذا يرفض الرئيس المحكمة الدستورية؟
أثارت رسالة رئيس الجمهورية إلى البرلمان كثيراً من الجدل حول شكلها ومضمونها وكذلك تداعياتها، إذ اختلفت القراءات السياسية والقانونية لهذه الرسالة ولتداعياتها.
ويرى أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك في حديثه مع "عربي بوست" أن "رد رئيس الجمهورية هو بمثابة الفيتو الرافض لإرساء المحكمة الدستورية"، مشدداً على أن "ما تبيّن من موقف الرئيس هو أنه سيرفض التوقيع على مشروع القانون حتى في حالة إعادة المصادقة عليه في قراءة ثانية بالأغلبية المعزّزة في البرلمان".
وأضاف المتحدث أن "التعليل الذي قدمه قيس سعيد يثير طعناً دستورياً شاملاً، يحول دون إرساء المحكمة الدستورية أصلاً بدعوى تجاوز الآجال الدستورية المحدّدة لإرساء هذه المؤسسة".
من جهته يرى الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي بأن "رئيس الجمهورية لا يرفض إرساء المحكمة الدستورية بقدر ما يرفض اللجوء إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي يرأسها القاضي الطيب راشد، والذي تلاحقه تهم بالفساد للطعن في التعديلات التي أُجريت على القانون الأساسي للمحكمة".
يشار إلى أن الدستور يُمكن رئيس الجمهورية من الرد على التعديلات، إما بإعادتها إلى البرلمان لقراءة ثانية والتصويت عليها بالأغلبية المعززة (131 صوتاً)، أو الطعن فيها لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين أو التوقيع على مشروع القانون.
الكرة بيد البرلمان
ورغم فيتو الرئيس، يرى الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي، أن الكرة مازالت بيد البرلمان الذي بإمكانه تجاوز اعتراض الرئيس، بشرط التحلي بإرادة سياسية صادقة، والوصول إلى توافق داخل قبة مجلس نواب الشعب.
ويفسر الخرايفي رؤيته أكثر، حيث يشير إلى أنه بإمكان البرلمان إهمال التعديلات التي صادق عليها مؤخراً، والعودة إلى القانون الأساسي الأصلي للمحكمة، وانتخاب الأعضاء الثلاثة الآخرين بأغلبية 145 صوتاً.
لكن الخرايفي لا يستبعد حتى في هذه الحالة أن يكون الرئيس عقبة من جديد أمام تركيز المحكمة الدستورية، من خلال المماطلة في تعيين الأعضاء الأربعة الذين يمنحه الدستور الحق في اختيارهم.
هذا وتضم المحكمة الدستورية 12 عضواً يتم انتخاب 4 منهم في البرلمان (انتُخب عضو واحد حتى الآن)، ويعين رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء الأعضاء المتبقين بالتساوي.