كشف موقع Middle East Eye البريطاني، الإثنين 5 أبريل/نيسان 2021، تفاصيل محاولات استخبارات النظام السوري من أجل السيطرة على إحدى القرى الاستراتيجية التي سيطرت عليها في السابق المعارضة المسلحة.
حيث قال الموقع البريطاني إنه في وقت سابق من هذا العام، دلفت سيارة غير مألوفة إلى داخل قرية كناكر، وهي إحدى المعاقل السابقة للمعارضة المسلحة جنوب شرق دمشق، وكانت بمثابة بوابة إلى محافظة درعا.
كانت تلك السيارة تطلب مقابلة أحد أعضاء المعارضة المسلحة، ويدعى عبده الحوري، ويشتهر باسم البري، وكان البري لا يعرف السيارة ولا ركابها.
حسب مصادر موقع Middle East Eye، اصطُحب البري معصوب الأعين إلى مؤخرة السيارة، واقتيد إلى رجل يُدعى "المهندس"، وهو عميد في الفرع 215 من شعبة الاستخبارات العسكرية السورية، ويحظى بسمعة مخيفة بسبب عمليات التعذيب التي يشرف عليها.
تجنيد فريق سري
حينها طلب المهندس أن يقوم البري بتجنيد فريق مكون من 12 عميلاً لاغتيال 22 قائداً من قادة المجتمع المدني النافذين.
كان الأشخاص الذين سعى المهندس لتجنيدهم أعضاء سابقين في المعارضة المسلحة، وغالبيتهم عُثر عليهم متمركزين في إحدى نقاط التفتيش وفي المكتب الرئيسي للفرقة الرابعة التي يسيطر عليها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد.
من جهته، أخبر شخص مطلع على الاجتماع (رفض الإفصاح عن هويته لأسباب أمنية) موقع Middle East Eye قائلاً: "كانت أعين البري وشخص آخر اقتيد معه مغطاة تماماً، خلال اجتماع استمر لمدة ساعة".
فيما أنكر البري وقوع هذا الاجتماع، وأنكر كذلك تورطه في أي اغتيالات.
قائمة الاغتيالات
بينما قالت المصادر إن بعضاً من هؤلاء الأشخاص الذين وُضعوا على قائمة الاغتيالات كانوا من كبار السن المؤثرين الذين قادوا المفاوضات بين المعارضة المسلحة وقوات النظام السوري، عندما سقطت بلدة "كناكر" في أيدي النظام أواخر 2016، الذي ما زال يُحكم السيطرة على القرية منذ ذلك الحين.
كانت حملة الاغتيالات قد بدأت بحق آخرين من أعضاء المعارضة المسلحة السابقين، الذين رفضوا الفرار إلى شمال سوريا، الذي تسيطر عليه المعارضة المسلحة، وذلك عندما سقطت كناكر، والذين لم ينظموا أوضاعهم مع القوات المؤيدة للحكومة.
ففي عتمة ليلة 7 فبراير/شباط، أُطلقت النار على نعيم عبدالرحمن الزامل أربع مرات عن طريق معتدين. وأصيب شخص آخر معه، كان الزامل عضواً سابقاً من المعارضة المسلحة، وقُتل نتيجة لهذا الهجوم وسط قريته.
هذا الاغتيال تسبّب في صدمة في كناكر، التابعة إدارياً لناحية سعسع في منطقة قطنا بريف دمشق الغربي. إذ حضر الجنازة مئات الأشخاص لتشييع جثمان الزامل، الذي كان قائداً في لواء الفرقان الذي سيطر على القرية حتى 2016، وطالبوا بالثأر.
على الفور، لبّى الأعضاء السابقون في المعارضة المسلحة نداء الثأر. بعد مدة قصيرة، هدم هؤلاء منازل ثلاثة رجال يُعتقد أنهم نفذوا عملية الاغتيال وفروا إلى قرية شبعا شرق دمشق.
النظام السوري يتجاهل الحادث
لكن قوات النظام السوري تجاهلت حينها الحادث بدرجة كبيرة، خوفاً من التصعيد.
إلا أنها لم تُنس، وأصدرت الاستخبارات العسكرية مؤخراً قائمة تضم 100 عضو سابق في المعارضة المسلحة مطلوبين للاعتقال بسبب الحادث، ومن بينهم الأشخاص الذين هدموا المنازل.
إذ أُلقي القبض على ثلاثة منهم في 15 مارس/آذار، وبينهم شقيق الزامل، في أعقاب اشتباكات ادعت السلطات أنها قتلت فيها ثلاثة آخرين كانوا يخططون لتنفيذ هجمات في العاصمة. والآن صارت هناك حالة توتر حذِر في القرية.
موقع Middle East Eye البريطاني أوضح أنه بحسب توثيقات "مكتب شهداء درعا"، شهد جنوب سوريا في العام الماضي 105 محاولات اغتيال، استهدفت غالبيتها الأعضاء السابقين في المعارضة، وأسفرت عن مقتل 66 شخصاً.
محاولات اغتيال متعمدة
حيث قال عضو في "مكتب شهداء درعا"، في حديثه مع موقع Middle East Eye: "هذه الأرقام تتعلق بمحاولات الاغتيال المتعمدة ولا تتضمن الهجمات المباشرة، مثل التي نتج عنها مقتل 21 شخصاً من المقاتلين المؤيدين للأسد في منتصف مارس/آذار الماضي".
في هذا الوقت اعتقد المهندس (رجل الاستخبارات) أن الوقت قد حان لترسيخ دور الاستخبارات العسكرية في بلدة كناكر، حيث قالت المصادر إنه رأى أن أي حملة اغتيالات وتفجيرات عشوائية يمكن أن تزرع الشقاق والاستياء والفوضى داخل القرية، وحينها يمكن أن تتدخل قوات الأسد.
بدوره، ذكر مصدر ثان تحدث مع موقع Middle East Eye: "لقد جذبوا الانتباه، بل كثيراً من الانتباه، فقد كان هؤلاء أعضاء سابقين غير فاعلين في المعارضة المسلحة، وكانوا مشهورين بالسرقة والقتال فقط عندما تكون هناك أموال متاحة، مثل المرتزقة. هذه السمعة السيئة تضع هؤلاء العملاء في موقع جيد للغاية من أجل تنفيذ الأعمال القذرة".
استبدال العملاء
فيما قال المصدر الأول: "أُبلغ العملاء أنهم سوف يُستبدلون إذا أخفقوا، وهو تهديد يعني أنهم سوف يُقتلون"، مضيفاً: "بهذه العمليات، سوف تتخلص الاستخبارات من المعارضين بدون أي خسائر، ثم توسع وجودها في القرية بحجة الحفاظ على الأمن وحماية المدنيين. وفي النهاية سوف يموت العملاء أو الأشخاص الموجودون في قائمة الاغتيالات، وفي كلتا الحالتين سوف تربح الاستخبارات".
إلا أن البري أنكر معرفته بالمهندس، أو أنه طرفٌ في حملة الاغتيالات. إذ أخبر موقع Middle East Eye أنه عاطل، لكنه اعترف بأنه كان على صلة بالفرقة الرابعة خلال العامين السابقين، وأنه على صلة بنقاط التفتيش وقوات الأمن، مستدركاً: "ولكن لا علاقة لي بالعملية".
كما أكد البري أنه لم يفعل شيئاً متعلقاً بمقتل الزامل، لكنه ساعد في إخراج المتهمين بالقتل من بلدة كناكر، متابعاً: "كنت في المكتب. أخبرني هؤلاء الأشخاص أن الزامل قُتل وأن الناس غاضبون للغاية". اصطحبتهم في سيارة وأخبرتهم بأن يبقوا خارج القرية حتى تهدأ الأمور، خاصة أنني ليس لي علاقة بالاستخبارات العسكرية، ولم أثق بهم قط، أعمل هنا فقط في مكتب أمني".
البري واصل حديثه قائلاً: "الزامل أعطاني متفجرات لأضعها في دمشق، لكني سلمتها إلى (الحكومة السورية)، ولهذا أراد قتلي"، مشيراً إلى أن الأعضاء السابقين في المعارضة المسلحة اتهموه بقتل الزامل ليتخلصوا منه، لأنهم غاضبون لأنه لم يطع الزامل، حسب قوله.
انقسامات داخل الاستخبارات العسكرية
برغم هذا، قال موقع Middle East Eye، إن خطط المهندس لا تحظى بموافقة جميع القوات الموالية للحكومة السورية، منوهاً إلى أنه من المفترض أن شؤون قرية كناكر هي من اختصاص فرع سعسع 220 -وهو فرع آخر من فروع شعبة الاستخبارات- الذي لم يتقبل تدخل الفرع 215 بلطف.
الموقع البريطاني لفت إلى أن التوترات بين فروع الاستخبارات لعلها تطفو على السطح. ففي 7 مارس/آذار المنصرم، نجا العميد طلال العلي، رئيس فرع الأمن العسكري في القنيطرة، المعروف باسم فرع سعسع 220، من محاولة اغتيال عندما انفجرت عبوة مفخخة بالقرب من سيارته بينما كان متجهاً إلى مكتبه.
حيث قال المصدر الأول: "العلي متهم بالفشل في إدارة الملف الأمني، لأن قوات الحكومة والأعضاء السابقين في المعارضة المسلحة يتناوبون على عمليات الاغتيال ضد بعضهم".
كما قال مصدر ثالث إن مزيداً من العملاء جُندوا لتوسيع حملة اغتيال الأعضاء السابقين في المعارضة المسلحة، مستطرداً: "بحسب معلوماتي، جُنّد أعضاء سابقون في المعارضة المسلحة عن طريق أجهزة استخباراتية أخرى، وهي جماعات صغيرة لا تعرف بعضها، لذا من الصعب اكتشافها".
في غضون ذلك، تعهد بعض العملاء الذين جندهم البري بالتراجع عن الحملة. فقد قال المصدر الأول إن تهديدات قتلهم إذا فشلوا والضغوط من كبار السن في القرية شجعتهم على قطع علاقاتهم مع قوات الأمن.
يشار إلى أن كناكر شهدت نهاية العام الماضي توترات بعدما فرضت قوات النظام حصاراً على البلدة منذ 21 سبتمبر/أيلول 2020، خاصة أن وحدات من قوات النظام استقدمت مزيداً من التعزيزات إلى محيط البلدة، بعد توترات أمنية وهجمات نفذها "مسلحون".