في الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت وزارة الداخلية الايرانية أن موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021، سيكون في 18 يونيو المقبل، لا يتبقى سوى نحو شهرين على اختيار الجمهورية الإسلامية الإيرانية لرئيس جديد، في ظل بعض التوترات الداخلية والخارجية التي تمر بها البلاد.
خامنئي يحدد ملامح الرئيس القادم
تحدث المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، مراراً وتكراراً عن صفات الرئيس المقبل لإيران، كان آخرها في خطاب ألقاه في 20 مارس بمناسبة عيد النوروز (رأس السنة الفارسية)، قائلاً: "يجب أن يكون الرئيس المقبل، ثورياً، شاباً، محارباً للفساد".
وأشار إلى أن الرئيس القادم لا بد أن يكون مخلّصاً لإيران من مشاكلها الاقتصادية، وداعماً للإنتاج المحلي، تلك الملامح التي حددها المرشد الأعلى للبلاد، تركت الأطياف السياسية الإيرانية بمختلف أنواعها، تستنتج العديد من الأمور بشأن مرشحيه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يقول أحمد مازني، وهو برلماني سابق وسياسي إصلاحي، في حديثه لـ"عربي بوست": " إن الرئيس المقبل من المحتمل أن يكون متشدداً مثل أحمدي نجاد، وذلك يضع التيار الإصلاحي في ورطة".
هل سيكون إبراهيم رئيسي المرشح الأساسي للمحافظين؟
في الآونة الأخيرة، تم نشر العديد من استطلاعات الرأي الخاصة بالرئيس المقبل لإيران، لكن أحدث استطلاع رأي أجراه مركز إيسبا الإيراني، حصل إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية حالياً والمرشح الرئاسي السابق في انتخابات عام 2017، على نسبة 43% ممن قالوا إنهم سيصوتون لصالحه.
فهل سيكون إبراهيم رئيسي هو المرشح الأساسي للتيار المحافظ فى الانتخابات الرئاسية القادمة؟ إذا اتبعنا خارطة الطريق التي حددها الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي مسبقاً، بأن الرئيس القادم يجب أن يكون ثورياً ومحارباً للفساد، سنجد أن هذه الصفات تنطبق على إبراهيم رئيسي، الذي قاد في الآونة الأخيرة حملة كبيرة على الفساد سواء في القطاع القضائي، أو في باقي مؤسسات الدولة، كما أنه يتمتع بالثورية التي يقصدها آية الله خامنئي، فالرجل آراؤه متوافقة مع آراء المرشد الأعلى، ويتمتع بقربه من الدائرة المقربة للأخير.
غير أن حجة الإسلام، إبراهيم رئيسي، لديه علاقات جيدة مع قادة التيار المحافظ في إيران، وقادة الحرس الثوري، وفي هذا الصدد يقول السياسي المحافظ حسين مقدم لـ"عربي بوست": "المعسكر المحافظ طرح العديد من الأسماء إلى الآن، وأنا أرى أن هذا الأمر من شأنه تشتيت الناخبين، لكنهم في النهاية غير مختلفين على السيد رئيسي، إذا تمت مقارنته برئيس البرلمان".
المنافسة بين رئيس البرلمان ورئيس القضاء
في مقابل طرح اسم رئيس القضاء، حجة الإسلام إبراهيم رئيسي كمرشح قوي وأساسي للمعسكر المحافظ في الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة، تردد أيضاً اسم رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، الذي قام بترشيح نفسه ثلاث مرات في الانتخابات الرئاسية السابقة، وانسحب في واحدة منهم صالح إبراهيم رئيسي منافس حسن روحاني في انتخابات عام 2017.
يقول السيد حسين مقدم لـ"عربي بوست": "قاليباف اسم مهم في خارطة المرشحين المحافظين، لكن قضايا الفساد التي تورط فيها المقربون منه، تجعل العديد من قادة المعسكر المحافظ غير داعمين له".
المحافظون وخطر تقسيم الأصوات
بعد أن حصل التيار المحافظ على الأغلبية في البرلمان الحادي عشر، وقيام مجلس صيانة الدستور وهو الهيئة المكلفة بإجراء كافة الانتخابات في الجمهورية الإسلامية وفحص أهلية المرشحين، باستبعاد العديد من الأسماء الإصلاحية، يأمل المحافظون في السيطرة على الرئاسة أيضاً.
لكن إلى الآن، وعلى الرغم من إجراء الانتخابات الرئاسية بعد شهرين، لا يزال التيار المحافظ يكافح من أجل الالتفاف على مرشح واحد، يكون مطابقاً للمواصفات التي تحدث عنها المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي مسبقاً.
بجانب المنافسة بين رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، ورئيس القضاء، إبراهيم رئيسي، يتردد اسم سعيد جليلي المفاوض النووي في حكومة الرئيس المتشدد السابق محمود أحمدي نجاد.
السيد جليلي قريب جداً من الأوساط المحافظة الإيرانية، ويحظى بدعم كبير من القادة السياسيين للمعسكر المحافظ، وتم ترشيحه في انتخابات رئاسية سابقة، لكن بالرغم من ذلك لا يمكن أن يكون البطاقة الرابحة للمعسكر المحافظ، يقول سياسي محافظ بارز تحدث لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته لأسباب شخصية، قائلاً: "لا يمكن لأحد أن ينكر التاريخ الطويل للسيد جليلي، لكن الرجل لا يتمتع بأي شعبية بين الإيرانيين، الرهان عليه سيكون كارثة".
ويرى السياسي المحافظ الإيراني أن التيار المحافظ الآن يواجه خطر تقسيم الأصوات بين مؤيديهم، لعدم الاستقرار على مرشح واحد للانتخابات الرئاسية القادمة، فيقول: "هناك انقسام بين قاليباف وإبراهيم رئيسي، لكن فى النهاية سيتم حسم الجدل لصالح السيد رئيسي".
المرشح العسكري
تشهد المنافسة الانتخابية في إيران حالياً ظهور أسماء عسكرية عديدة كانت قد أعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية القادمة، والحديث عن مرشح عسكري خاصة من الحرس الثوري الإيراني ليس بجديد، ففي السنوات الماضية حدثت بعض الأطياف السياسية الإيرانية خاصة المحافظة منها، اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابعة للحرس الثوري، لترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية، لكنه قبل اغتياله في يناير 2020، على يد الولايات المتحدة، بواسطة طائرة بدون طيار بالقرب من مطار بغداد، أغلق هذا الباب، وأعلن مراراً وتكراراً أنه ليس لديه نية لترك الميدان ولعب دور سياسي في البلاد.
وبالرغم من أن المادة 115 من الدستور الإيراني، تنص على أن ينتخب الرئيس من بين الشخصيات الدينية والسياسية والتي تتوافر فيها الشروط التالية: "أصل إيراني، إداري واسع الحيلة، مؤمن بمبادئ الجمهورية الإسلامية، ذو سجل جنائي نظيف، جدير بالثقة والتقوى، ومؤمن بالدين الاسلامي". ولم يتم ذكر صفة "عسكري" إطلاقاً، إلا أن غالبية المراقبين يشيرون إلى احتمالات كبيرة بأن يكون الرئيس الإيراني القادم رجلاً عسكرياً.
كان العميد حسين دهقان، وهو وزير الدفاع السابق والمستشار العسكري حالياً لآية الله علي خامنئي، من أوائل العسكريين الذين أعلنوا نيتهم الترشح للانتخابات الرئاسية في الصيف المقبل.
في الآونة الأخيرة، كان العميد دهقان ناشطاً إعلامياً، كجزء من حملته الانتخابية، كما أنه ظهر في العديد من اللقاءات بدون الزي العسكري، واستخدم لقب "الدكتور"، بدلاً من لقب العميد.
يجادل البعض داخل إيران بأن ترشح العسكريين للانتخابات الرئاسية ممنوع دستورياً، ويستندون في ذلك إلى المادة 115 من الدستور الإيراني التي سبق وذكرناها.
يقول علي رضا منتظري، أستاذ العلوم السياسية المقيم بطهران، لـ"عربي بوست": "ممنوع على العسكريين الترشح للانتخابات الرئاسية دستورياً، كما أن آية الله الخميني أمر بذلك".
كان قد أشار مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، آية الله روح الله الخميني، في أكثر من موضع إلى أنه لا يفضل أن يلعب الرجل العسكري دور الرجل السياسي، ولابد أن يظل العسكريون بعيدون عن السلطة السياسية في إيران، ولا يقحمون أنفسهم في منافسات سياسية.
لكن العميد دهقان يرى عكس ذلك، ويجادل بأن الدستور لا يمنع العسكريين من الترشح للانتخابات الرئاسية، ففي أحد اللقاءات الصحفية معه قال: "تصويت العسكريين في الانتخابات حق من حقوقهم المدنية، لذلك ترشحهم في الانتخابات أيضاً هو حقهم في المواطنة".
هل سيكون العميد سعيد محمد الرئيس الثوري الشاب المقبل لإيران؟
في 7 مارس/آذار الحالي، أعلن العميد سعيد محمد، قائد مقر خاتم الأنبياء (المقر الاقتصادي والإنشائي) التابع للحرس الثوري الإيراني، استقالته من رئاسة المقر، لترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة خلال يونيو/حزيران 2021.
وكتب في جزء من خطاب استقالته التي اطلع عليها "عربي بوست": "بما أنه من المحتمل تواجدي في البيئة الانتخابية، سأستقيل من منصبي، من أجل حماية الحرس الثوري ومقر خاتم الأنبياء من المنافسة والانتقادات السياسية".
العميد سعيد محمد يبلغ من العمر 52 عاماً، وهو عضو في الحرس الثوري منذ عام 1987، ولديه تاريخ طويل في الإدارة، وسجلات تنفيذية في المقرات الاقتصادية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
في الأيام القليلة الماضية، كان العميد سعيد محمد نشطاً للغاية في الدعاية الانتخابية، وأصدر فريق عمله العديد من الأفلام القصيرة التي تتحدث عن إنجازاته الاقتصادية، في مقر خاتم الأنبياء، ما يمهد لأن يكون العميد سعيد محمد هو المرشح المفضل وفقاً لمواصفات آية الله علي خامنئي، "ثوري، شاب، لديه تاريخ في الإدارة، وقادر على إدارة الاقتصاد الإيراني".
جادل البعض داخل إيران بأن يكون العميد سعيد محمد هو المرشح عن التيار المحافظ، لكن في الحقيقة الأمر عكس ذلك، يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري لـ"عربي بوست": "العميد سعيد لا يتمتع بعلاقات جيدة مع قادة التيار المحافظ، غير أنه لا يمكن اعتباره مرشح الحرس الثوري الوحيد، لأن داخل الحرس هناك اختلاف عليه".
ويقول المصدر ذاته: "إن العميد سعيد محمد ليس مقرباً من الجيل الأول من قادة الحرس الثوري، ولا يمتلك خلفية عسكرية كبيرة، فقد شغل مناصب إدارية وتنفيذية طول تاريخه مع الحرس، لذلك من الممكن أن تكون المنافسة بينه وبين حسين دهقان كبيرة".
يرى السيد علي رضا منتظري، أستاذ العلوم السياسية، أن فرص العميد سعيد محمد في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة متوقفة على موافقة مجلس صيانة الدستور، فيقول لـ"عربي بوست": "إذا التزم مجلس صيانة الدستور بالمادة 115 من الدستور التي تقول إن الرئيس يجب أن يكون رجلاً سياسياً، حينها من الممكن ألا يتمكن كل من دهقان وسعيد محمد من المنافسة الانتخابية".
وماذا عن الإصلاحيين؟
يكافح الإصلاحيون حتى الآن من أجل التوصل إلى مرشح يتم التوافق عليهم من كافة الأطياف الإصلاحية، لكن إلى الآن لم يعلنوا عن اسم مرشح واحد فقط.
يقول السياسي الإصلاحي أحمد مازني لـ"عربي بوست": "إلى الآن لم يتم مناقشة المرشحين الإصلاحيين بجدية داخل المعسكر الإصلاحي، نحن ما زلنا في مرحلة بناء وتوافق الآراء".
تم استبعاد كافة المرشحين الإصلاحيين من الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في فبراير/شباط 2020، ويخشى قادة المعسكر الإصلاحي من أن يتم تكرار نفس الأمر، في الانتخابات الرئاسية القادمة.
يقول السيد مازني: "هناك أسماء تم طرحها بشكل مبدئي، لكننا نعلم أن مجلس صيانة الدستور لن يوافق عليها".
ومن الأسماء التي أشار إليها السيد مازني، النائب الأول للرئيس حسن روحاني، إسحاق جهانغيري، ومن الممكن أن يتم رفض ترشيحه من قبل مجلس صيانة الدستور، لتورط أخيه في قضايا فساد، والحكم عليه لمدة أربع سنوات.
كما أنه تم طرح اسم الدكتور محمد رضا عارف، وهو واحد من أبرز السياسيين الإصلاحيين في إيران، وكان رئيس الكتلة الإصلاحية في البرلمان العاشر، لكن في نفس الوقت، لا يتمتع رضا عارف بشعبية كبيرة بين الإيرانيين.
تحالف الإصلاحيين مع المعتدلين
عندما لا يمكن التوافق على مرشح إصلاحي يلجأ المعسكر الإصلاحي إلى التحالف مع المعتدلين، كما فعلوا في الانتخابات الرئاسية لعامي 2013 و2017، وتحالفوا مع المعتدل حسن روحاني، وفاز بالفعل بولايتين رئاسيتين.
يجادل البعض بأن الإصلاحيين من الممكن أن يلجؤوا إلى هذا التحالف، ليتفادوا رفض مرشحيهم من قبل مجلس صيانة الدستور، لذلك يتم طرح اسم المعتدل على لاريجاني، رئيس البرلمان السابق، وأحد مستشاري المرشد الأعلى الإيراني حالياً.
وعن إمكانية دعم الإصلاحيين لشخصية معتدلة مثل علي لاريجاني، يقول السيد مازني لـ"عربي بوست": "السيد لاريجاني شخصية مؤثرة في إيران، لديه تاريخ حافل في السياسية، وسبق أن تحالفنا مع المعتدلين، لكن تجربتنا مع روحاني تقف كالغصّة في ظهرنا".
تحدث عدد من السياسيين الإصلاحيين لـ"عربي بوست" عن عدم موافقتهم على التحالف بين الإصلاحيين والمعتدلين، وأن الرئيس حسن روحاني قد أثبت فشل هذا التحالف بابتعاده عن طريق الإصلاحات السياسية، وخلق دائرة مقربة منه لم يكن فيها إصلاحي واحد.