مع استمرار أزمة تعطيل تأليف الحكومة اللبنانية، وما يترافق معه من انهيار اقتصادي شمل كل قطاعات الدولة ومصالح اللبنانيين الخاصة تواصل الدول الغربية والأوروبية ضغوطها للإسراع بتشكيل حكومة تحاكي المبادرة الفرنسية.
هذا الوضع، وبعد أكثر من 6 أشهر على تكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة دون جدوى يدفع الأوروبيين، والفرنسيين تحديداً، إلى الانتقال من اعتماد سياسة التراخي مع المسؤولين اللبنانيين إلى التلويح بسياسة العصا، والتي يبدو أنها باتت قريبة، وستكون بالتنسيق مع واشنطن ودول الخليج، وتشكّل سابقة من نوعها.
لائحة عقوبات.. وماكرون بالمرصاد
يكشف مصدر دبلوماسي أوروبي لـ"عربي بوست" أن العقوبات الأوروبية تجاه بعض المسؤولين في لبنان باتت أكثر جدية نتيجة الظرف السياسي والاقتصادي والذي يفتح الباب على كل الاحتمالات ويهدد لبنان ومحيطه بشكل مباشر.
برز هذا التوجه عبر خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 18 مارس/آذار الحالي، حين قال: "خلال الأسابيع المقبلة وبطريقة واضحة ومن دون أدنى شك، نحتاج إلى تغيير النهج والأسلوب في لبنان؛ لأننا لا يمكننا أن نترك الشعب اللبناني يتخبّط منذ أغسطس الماضي في الوضع الحالي".
يقول المصدر إنه يجري النقاش حالياً حول التدقيق في حسابات سياسيين وأصحاب مصارف ورجال أعمال في بنوك أوروبية لشخصيات مقربة من الرئيس اللبناني ميشال عون وصهره الوزير باسيل والشبكة المالية المحيطة بجماعات السلطة الحاكمة في لبنان.
وبحسب المصدر، فإن موقف ماكرون الحازم ترجم عبر وزير خارجيته جان إيف لودريان، حيث اتصل منذ يومين برئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وأبلغه بضرورة إنهاء التعطيل المتعمَّد فوراً للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية كذلك لفت الوزير الفرنسي أمام الرؤساء اللبنانيين إلى أن هناك تفكيراً على مستوى الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع واشنطن ودول الخليج في تحديد سبل للضغط على المتسبّبين في التعطيل من أي جهة سياسية كانوا.
شكل العقوبات ومن ستشمل؟
لم تكن فرنسا وحدها مَن هددت بالعقوبات على لبنان، إذ إن وزارة الخارجية الفرنسية تناقش مع وزارة الخارجية الألماني الورقة التي من المفترض أن تعرض في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، لبحث تدقيق حسابات السياسيين اللبنانيين.
في حال أقرت عقوبات أوروبية على مسؤولين لبنانيين فإنها ستكون الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الأوروبية – اللبنانية، إذ كانت أوروبا دائماً الجهة الدولية التي تسعى لمعالجة الأزمات من خلال تسويات ومبادرات حل لكنها لم تجدِ وزادت القوى السياسية تشبثاً بما بمطالباتها على حساب الشعب اللبناني.
ومن المفترض أن السياسيين الذين ستشملهم العقوبات سيمنعون من دخول دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة قبرص واليونان والتي لطالما كانت تمنح اللبنانيين فيزا دخول بسهولة وبدون تعقيدات، وأن منع الدخول سيجعل منهم شخصيات محاصرة ويضعهم في عنق الزجاجة، خاصة أن التصعيد سيبلغ أعلى مستوياته.
أبلغت الإدارة الفرنسية المعنيين بالأمر أن المسؤول عن التعطيل الجاري لعملية تشكيل الحكومة هو رئيس التيار الوطني الحر وصهر رئيس الجمهورية الوزير السابق جبران باسيل، وأن باسيل يستعين بمستشاري الرئيس عون، كالوزير السابق سليم جريصاتي للقيام بالتعطيل ليضمن حصة أكبر في الحكومة تخوله إدارة البلاد في حال لم يجرِ التوافق عليه رئيساً للجمهورية.
في الأروقة الأوروبية.. تنسيق أمريكي وحماسة عربية
لا يعتقد المصدر أن العقوبات لا يمكن التنسيق فيها إلا مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تتشدد مع إيران إلى هذه اللحظة، إذ إن الملفّ اللبناني سيكون جزءاً من الاجتماعات الأوروبية في 19 أبريل/نيسان القادم، بحيث يجتمع فى بروكسل وزراء الخارجية الأوروبيين لمناقشة ملفات متعلقة بأمن أوروبا ومعالجة تداعيات كورونا ومشاكل الشرق الأوسط.
وسيكون لبنان مادة دسمة على الطاولة، ويرى أن موضوع العقوبات والضغوطات التي يجب أن تمارس على المسؤولين في لبنان سيكون مطروحاً، حيث تعد فرنسا وألمانيا ورقة متعلقة بهذا الملف وسيتم نقاشها مطولاً في هذا الاجتماع وحتى قبيل انعقاده.
هذه اللائحة سيتم عرضها على مسؤولين أمريكيين وخليجيين في ظل الحماسة العربية المتصلة بضرورة محاصرة القوى المسؤولة عن انهيار لبنان، وهذا ما جرى نقاشه في اجتماع ضم سفراء كل من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر في لبنان، حيث تبدو رغبة عربية بوقف النزيف المستمر للواقع اللبناني عبر ممارسة ضغوط على مسؤولين لبنانيين.