حذَّر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، الإثنين 29 مارس/آذار 2021، كبار المسؤولين اللبنانيين من أن الاتحاد الأوروبي يعكف حالياً على بحث سبل لممارسة ضغوط على من يقفون وراء عرقلة إيجاد حل للأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد.
حيث قالت وزارة الخارجية، في بيان، إن لو دريان تحدث إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري؛ لتوضيح موقفه، مشدّداً على أنه يجب فوراً إنهاء ما وصفه بالتعطيل المتعمد للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، منوهة إلى أن "القوى السياسية اللبنانية ككل، تتحمل المسؤولية الكاملة التي دفعت بالبلد إلى الوقوع في هذا المأزق واستمرار التوتر الخطير غير الضروري".
فقد أبلغ وزير خارجية فرنسا نظراءه الأوروبيين بأن الوقت قد حان لزيادة الضغط على اللبنانيين بعد التعطيل المستمر منذ 7 أشهر في تشكيل الحكومة، بحسب البيان الفرنسي الذي شدّد على أن الحل الخاص بإخراج لبنان من أزمته يكمن في "تشكيل حكومة ذات كفاءة، وجاهزة للعمل بجدية ولصالح المصلحة العامة من أجل تنفيذ إصلاحات يطالب بها الجميع".
يشار إلى أن المسؤول الفرنسي ذاته سبق أن صرّح قبل أيام، بأن الوقت ينفد لمنع انهيار لبنان، ولا يرى أي مؤشر على أن السياسيين اللبنانيين يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ بلادهم، مضيفاً: "أميل إلى تصنيف السياسيين اللبنانيين على أنهم مسؤولون عن عدم مساعدة بلادهم وهي في خطر. لقد التزموا جميعاً بالعمل على تشكيل حكومة شاملة وتنفيذ إصلاحات لا غنى عنها. كان ذلك قبل 7 أشهر ولا شيء يتحرك".
عقوبات أوروبية محتملة
إلى ذلك، قال دبلوماسيون فرنسيون وغربيون إنه بعد الجمود المستمر منذ أشهر فقد أصبحت فرنسا الآن على استعداد لمناقشة احتمال فرض عقوبات على مستوى الاتحاد الأوروبي أو المستوى الوطني على كبار المسؤولين اللبنانيين، وإن كان من غير المرجح أن يكون ذلك بأثر فوري، طبقاً لما أوردته وكالة رويترز.
يجدر الإشارة إلى أن باريس تقود منذ سبعة أشهر جهوداً دولية لإنقاذ لبنان من أزمته الراهنة، لكنها فشلت حتى الآن في إقناع الساسة المتشاحنين بتبني خارطة طريق للإصلاح أو بتشكيل حكومة جديدة تضطلع بتنفيذ إصلاحات مطلوبة للحصول على مساعدات خارجية.
تعبيراً عن إحباط باريس مما يحدث، ترك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوزير خارجيته مهمة نقل هذه الرسالة للأطراف الرئيسية في لبنان بعدما كان يفعل ذلك بنفسه فيما مضى.
أحدث توتر للأزمة اللبنانية
وفي أحدث توتر للأزمة السياسية القائمة، عاد التراشق الإعلامي من جديد بين عون والحريري، الإثنين 29 مارس/آذار 2021، على خلفية استمرار أزمة تشكيل الحكومة الجديدة.
حيث قال عون، في مقابلة مع صحيفة "الجمهورية" المحلية، إن "الحريري أصبح أخيراً غريب الأطوار، وكأنني لا أعرفه، رغم أنني كنت قد احتضنته، وتعاملت معه كوالده، وعندما سألته: ماذا جرى لك؟ أجابني: لقد تغيّرت".
الثلث المعطل بالحكومة
كما نفى عون، صحة التصريحات التي قالها الحريري بأنه سعى للحصول على الثلث المعطل بالحكومة الجديدة، قائلاً: "للمرة الألف، أؤكد أنني لا أريد الثلث المعطل (..) فهل يُعقل أن يعطّل رئيس الجمهورية نفسه وعهده، ولو كان كل الوزراء في الحكومة من حصتي ما كنت لألجأ إلى التعطيل. أنا من موقعي كرئيس للجمهورية استطيع أن أتدخل، وبالتالي لا حاجة لي للثلث المعطل".
كان الحريري قد أعلن، يوم الإثنين 22 مارس/آذار 2021، أنه أبلغ عون، رفضه تشكيلة حكومية أرسلها الرئيس إليه، وتتضمن منح فريقه السياسي (التيار الوطني الحر) "ثلثاً معطلاً".
فقد قال خلال مؤتمر صحفي، إن عون أرسل إليه لائحة تتضمن "تشكيلة ثانية من عنده فيها توزيع للحقائب على الطوائف والأحزاب مع رسالة يقول لي فيها، إنه من المستحسن أن أملأها"، مضيفاً: "التشكيلة تتضمن ثلثاً معطلاً لفريقه السياسي (عون)، بـ18 وزيراً أو 20 أو 22. طلب مني فخامته أن أقترح أسماء للحقائب حسب التوزيعة الطائفية والحزبية التي حضّرها هو".
تسمية الوزراء المسيحيين
لكن عون أكد أن إحدى مشكلات الحريري أنه مُصر على تسمية الوزراء المسيحيين، متجاهلاً "أنني مؤتمن استثنائياً على اختيار هذه الأسماء، ليس لأنني أريد حصة لنفسي، وإنما لأن القوى المسيحية الأساسية غير مشاركة في مفاوضات التشكيل".
أيضاً أشار عون إلى ما وصفه بإصرار الحريري على أن يكون عدد الوزراء 18، خاصةً أنه عرض عليه تشكيل الحكومة من 20 أو 22 أو 24 وزيراً، من أجل حماية ما وصفه بالتوازنات السياسية دون استحواذ لأي طرف على الثلث المعطل، لكن الحريري رفضه مقترحه، وأبلغنه أنه متمسّك بصيغة الـ18، الأمر الذي رآه ما يدعو للاستغراب والارتياب، متسائلاً: "ما السرّ في تمسّك الحريري وحده بهذا الرقم السحري؟".
فيما كشف الرئيس اللبناني أن الحريري كان منفعلاً في آخر لقاء بينهما يوم الإثنين 22 مارس/آذار 2021، منوهاً إلى أنه شرح لرئيس الحكومة المكلف أن استنتاجه حول الثلث المعطل ليس صحيحاً، إلا أنه خرج من الاجتماع وتلا بياناً وصفه بأنه كان تصعيدياً ومحضَّراً سلفاً، ما يؤشر إلى نيات مضمرة ومبيتة، على حد قوله.
"لم يحترم أصول توزيع الحقائب"
كما واصل عون انتقاداته الحادة للحريري، قائلاً إنه لم يحترم كذلك "الأصول في توزيع الحقائب على الطوائف؛ فمن المعروف أن هناك حقائب سيادية وخدماتية وعادية، لطالما كانت تُوزع بطريقة دقيقة تراعي التوازنات، لكنه لم يراع هذا المبدأ".
فيما شدّد الرئيس اللبناني على أن "الحريري هو من يحاول أن يُحرجني ليُخرجني عن قواعد التشكيل السليمة، إلا أنني لن أرضخ لذلك"، مؤكداً أن رئيس الحكومة المكلف يرفض الحوار مع "التيار الوطني الحر"، فضلاً عن أن "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب" قررا عدم المشاركة، وبالتالي صار لزاماً عليَّ أن أملأ هذا الفراغ.
كان التيار الوطني الحر، أكبر كتلة مسيحية في لبنان، قد حذّر الحريري، السبت 27 مارس/آذار 2021، من تهميش عون وكتل نيابية أخرى في المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة، مشيراً إلى أنه لن يشارك في الحكومة، ولن يعطيها الثقة على الأسس التي يطرحها الحريري، في ظل رفض إعطاء الرئيس المكلف وفريقه النصف زائداً واحداً في الحكومة.
"وصلت الرسالة"
في المقابل، ورداً بشكل ضمني على تصريحات عون، قال الحريري، في تغريدة مقتضبة على حسابه بموقع "تويتر": "وصلت الرسالة.. لا داعي للرد. نسأل الله الرأفة باللبنانيين".
يذكر أن الحريري مُكلف بتشكيل الحكومة منذ 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقب اعتذار سلفه مصطفى أديب؛ لتعثر مهمته في تأليف حكومة جديدة في بلد تتصارع فيه قوى سياسية محلية ومصالح دول إقليمية وغربية.
عقب شهرين من تكليفه، أعلن الحريري أنه قدَّم إلى عون "تشكيلة حكومية تضم 18 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين".
لكن عون (مسيحي ماروني) أعلن آنذاك اعتراضه على ما سماه "تفرد الحريري بتسمية الوزراء، خصوصاً المسيحيين، دون الاتفاق مع الرئاسة".
كان الحريري، الذي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات وكلّفه مجلس النواب بتشكيل حكومة جديدة، قد التقى عون في القصر الرئاسي، الإثنين الماضي، للمرة الـ18، لبحث مسألة تشكيل الحكومة المنتظر أن تخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، والتي استقالت في 10 أغسطس/آب الماضي.
أسوأ أزمة سياسية واقتصادية
ويمر لبنان بأزمة سياسية واقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وسط تعثر تشكيل حكومة جديدة، منذ استقالة حكومة حسان دياب في 10 أغسطس/آب الماضي.
فيما تمثل الأزمة الاقتصادية في لبنان أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990.
وفي مؤشر آخر على انهيار اقتصاد لبنان، قامت وزارة الاقتصاد اللبنانية برفع سعر كيس الخبز بنسبة 20%، الأمر الذي ساهم أيضاً بتأجيج الشارع.
يشار إلى أن الأسعار في لبنان ارتفعت بنسبة 144%، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وبات أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، وخسر عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم.