الإعلام سلاحٌ قوي في أيدي الحكومات والمؤسات تستخدمه لتشكيل الوعي لدى العامَّة، والتعتيم على مصائبهم التي تحدث تباعاً بلا توقُّف، ما يجعل الإعلام سلاح العصر المميت للوعي!
قبل أيّام تعثَّرت باخرة في تفريعة قناة السويس الجديدة وسط تعتيم إعلامي مصري كبير، وانتشرت الصور في وسائل التواصل ما جعل المسؤولين يدلون بخطابات بلا فائدة في محاولة لتحسين صورتهم التي تداولتها كل الوسائل بالسخرية من الوضع الراهن في التفاعل مع الأزمة، لقد ضربوا لنا مثالاً في البلاهة وعدم تحمل المسؤولية الذي جعل السياسيين والمسؤولين وأصحاب القرار في جميع أنحاء العالم ينشرون سيلاً من السخرية على ما حدث، ولسنا هنا لذكر تلك التغريدات المهينة التي انتشرت على صورة رافعة صغيرة تحاول تعويم سفينة ضخمة غير آبهة لما يحدث من كوارث وتعطيل!
فكرة الاستعانة غير موجودة في قواميس أصحاب القرار، وهي محاولة بائسة لإثبات قوة وهمية غير موجودة يحاول الإعلام تزييفها على مدار السنوات الماضية، كيف تظهر قوياً في مواجهة الأزمات والحقيقة أنك تغرق في شبر مياه!
ليس عيباً أن تطلب يد المساعدة لتحل أزمة كبيرة، نعم هي كبيرة ولكن عدم الاعتراف بحجمها والتعنُّت أوصلها إلى أن أصبحت حدثاً عالمياً لا تحمد عواقب انتشاره أبداً! وسياسة التعامل مع الأزمات على مدار السنوات الماضية هو عدم حلَّها، بل التعتيم عليها واللجوء إلى الحلول السهلة، وهي افتعال أزمة جديدة لينشغل الناس عن الأزمة الحقيقية؛ لأن تلك الأزمة المفتعلة هي بالفعل تمسّ أرواحهم، والأرواح أصبحت رخيصة لتتاجر بها الحكومات وتداري بها خيباتها وإخفاقها، وفي الحالتين لا تتم محاسبة أحد لأن المسؤول مجهول، أو بمعنى أوضح المسؤول مُعفى من الحساب، ليكون الضحية الوحيدة في كل هذا هو المواطن الذي دفع ثمن تلك الأزمات بدمائه ومن قوت يومه!
استيقظنا على حادث أليم وقع إثر اصطدام قطارين في صعيد مصر، ما أدى إلى أعداد كبيرة من الوفيات والجرحى، ولست قادراً هنا على عدم الربط بين هذه الأزمة وتلك التي أصبحت حدثاً عالمياً، ليقوم الإعلام بدوره هنا، أن يحول الرأي العام إلى قضية أخرى تحدث باستمرار دون معرفة المتسبب في هذا، ودور الإعلام في هذه الأزمات هو دور الخادم الذي يواري سوءات سيده، فيصب جهوده نحو ما يخدم مصلحته عن طريق التعتيم والغش والخداع.. ما أسوأ أن تكون سياستهم "وأتبِع الأزمةَ الأزمةَ تمحُها" في وجهة نظر واحدة خبيثة، أن حل الأزمة هو افتعال أزمة جديدة، ولا بأس أن تكون فاجعة لتأخذ الناس إلى طريق آخر بعدما بدؤوا لتوِّهم أن يسلكوا طريق الوعي والمعرفة!
والكل يسأل أين ذهبت حلول تطوير السكة الحديد التي تقدم في كل مؤتمر ويروِّج لها الإعلام على أنها نقلة نوعية ستحدث للبنية التحتية لتفادي حوادث القطارات المستمرة؟ سأجيبكم بكل بساطة: ليست هناك حلول وإنما هي أوهام، وإن كانت هناك حلول بالفعل فهي ليست للتنفيذ وإنما مسكنات ليرى المواطن البسيط أو يخيّل إليه من إفكهم أن القادم أجمل؛ لأنها إذا تم تنفيذها بالفعل كما يروَّج لها؛ فلن يكون هناك وجود لهذه الحلول السهلة التي يرونها غطاءً لكل مصيبة تحدث، وافتعالها لن يكلفهم شيئاً، وما المشكلة في تقديم بعض الضحايا من أجل أن تسير عجلة الحياة كما يزعم بعضهم، وما قيمة هذا الدم الذي لا يساوي شيئاً؟ بالتأكيد لا قيمة له عندهم.
نحن الآن في أمسّ الحاجة لمن يستطيعون تقديم الحلول لتلك الأزمات، تفتقد الساحة إلى المدافعين أصحاب وجهات النظر الصائبة، بعدما تحولت إلى ساحة خاوية لعرض وجهة نظر واحدة، لا تخدم سوى جانب واحد، ولا يستمع إليها سوى أشخاص معنيين بالسماع، ولا شيء ينفذ في النهاية؛ لأن وجهات نظرهم وحلولهم التي يقدمونها محض هراء وترَّاهات، تخرج فقط لتسد فجوة حدثت، أو تضلل الناس إلى سوء قادم وتصوِّره على أنه نصر مبين ومجد عظيم!
إن الذين يحاولون مجاراة الأوضاع الصعبة والحياة الرديئة التي يعيشونها لتسيير عجلة الحياة يكونون ضحايا لتلك العجلة الغاشمة التي لا ترى سواهم في طريقها فتدهسهم كالجرذان الذين لا قيمة لهم ولا ثمن، ولا صوت يُسمع إذ إن الأصوات العالية تُبتر، والغلبة في يد من يقرِّر، فلا أحد يستطيع التأفف، وإلا أصبح هو الضحية القادمة، إن لم يكن هو كذلك في طبيعة الحال! وجراح الأزمات لا تندمل ولا تطيب، فالأزمة تلو الأزمة، لا فواصل لمحاولة النسيان، ولا فرصة ليطيب جرحاً كان بالأمس، لأن اليوم جرحٌ جديد! وعزاؤنا في هذا كله أنَّ الله مطَّلع، وأنه يرى ويعلم، وأن هناك آخرة، وعنده لا تظلمُ نفسٌ شيئاً وإن كان مثقال ذرَّة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.