نشرت صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية، الإثنين 22 مارس/آذار 2021، مقابلة مع أول جندي من الجيش الألماني يُحاكم بتهمة الإرهاب السياسي، والذي كان يخطط لتنفيذ عملية إرهابية ضد أوروبين في النمسا بصفته لاجئاً سورياً، بعدما انتحل شخصية واحد منهم لمدة 16 شهراً.
الضابط الألماني فرانكو ألبريشت روى للصحيفة الفرنسية قصته المضطربة، منذ أن طرق ذات مساء مخيماً للاجئين على مرمى حجر من منزله، وقدم نفسه للحارس الأمني على أنه طالب لجوء.
وفي المقابلة التي أجراها معه بيير أفريل، قال ألبريشت إنه اقترب من مدخل المخيم بعد أن لوّن لحيته بالأسود وغيّر لون وجهه بمستحضرات من مكياج والدته، وقدم نفسه للحارس على أنه لاجئ سوري من دمشق، تائه في ليل أوفنباخ ويطلب اللجوء.
وأوضح الضابط السابق، الذي ستبدأ محاكمته في 18 مايو/أيار المقبل أمام محكمة فرانكفورت، أن القصد من فعلته كان إظهار مدى سهولة خداع خدمات الهجرة الفاشلة والحصول على وثائق مزورة في ألمانيا السخية تحت قيادة المستشارة أنجيلا ميركل، في وقت استقبلت فيه أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين والأفغان، حيث قال: "أردت أن أتحقق شخصياً من مدى استغلال السلطات الألمانية لمفهوم اللجوء على حساب الأمن".
عملية إرهابية باسم لاجئ
يقول ألبريشت إنه حينما قدم نفسه لحارس المخيم على أن اسمه بنيامين ديفيد، نصحه الحارس بتسليم نفسه للشرطة، وبالفعل أخذته دورية إلى مركز الشرطة، وهناك رأى خريطة أوحت إليه بفكرة انتحال شخصية لاجئ سوري من بلدة تل العسل يتكلم إنجليزية مكسرة، وقد درس الفرنسية ولم يدرس العربية، وقد ساعدته الشرطة بعد أخذ بصماته على شراء تذكرة ركوب الحافلة، ليبدأ حياة مزدوجة ستستمر 16 شهراً.
بعد أيام قليلة، أوقف سيارته على بعد أقل من كيلومتر من محطة الحافلات، حيث سيرافق عشرات المهاجرين إلى معسكر بافاري بالقرب من نورمبرغ، يقول: "كنت أعرف أن ما أفعله مخالف للقانون، لكنني في كل مرة بدلاً من التراجع، كنت أستسلم لمجرى الأحداث".
وفي مقاطع الفيديو المسجلة على هاتفه، وثّق ألبريشت حياته الجديدة وحياة رفاقه الذين يعدّهم مدللين من قبل الدولة الألمانية، فقد كان يتلقى تحت اسم بنيامين ديفيد نحو 400 يورو شهرياً، ويعود بحرية إلى لواء إيلكيرش ويواصل حياة الضابط فرانكو ألبريشت.
لكن القصة تخرج عن السيطرة وتصبح ضبابية عندما تبلغ الأحداث مرحلة ذهابه إلى فيينا لحضور حفل الضباط الذي نظمته وزارة الدفاع النمساوية، فقد خبأ مسدس براوننغ صنعه مصنع الأسلحة في جبال البرانس عام 1944 للجيش النازي في المراحيض المعطلة في المنطقة الحرة، وتشارك الصورة مع 3 جنود آخرين.
بعد 10 أيام عاد ألبريشت إلى العاصمة النمساوية في اليوم الذي سيقام فيه اجتماع كبير لليمين الأوروبي المتطرف نظمه الحزب النمساوي "إف بي أو" ، تحت رقابة مشددة من الشرطة، وقد تحدث في المقابلة عن جريمة قتل قد يرتكبها لاجئ سوري وتؤدي إلى اضطرابات.
ولدى وصول ألبريشت إلى فيينا بعد الظهر عاد إلى مرحاض المطار للبحث عن المسدس، غير مدرك أن عاملة النظافة اكتشفته وسلمته إلى الشرطة، وأن وكالات إنفاذ القانون في انتظار وصوله، وبمجرد أن مدّ يده إلى المرحاض صاحت به الشرطة، وقد قال لهم إنه جاء لأخذ السلاح وتسليمه للشرطة، وهو لا يزال متمسكاً بهذا القول المضحك، بحسب الصحيفة.
يقول الملازم السابق إنه وجد هذا السلاح في شجيرة، ووضعه في الجيب الداخلي لمعطفه ونسيه، وفجأة تذكره وهو قريب من شرطة أمن المطار فبادر مذعوراً إلى إخفائه في المرحاض، وقد عاد اليوم بعد أن شعر بالندم لتسليمه للشرطة.
استمعت الشرطة النمساوية لقصة ألبريشت واستولت على هاتفه وذاكرة (USB) كانت لديه، ثم أطلقت سراحه بعد أخذ بصمات أصابعه وإرسالها إلى زملائهم الألمان الذين سرعان ما اكتشفوا أن البصمات تتفق مع بصمات لاجئ سوري يدعى بنيامين ديفيد، فبدأ التحقيق.
مخبأ أسلحة وتدريبات عسكرية
التحقيقات الألمانية كشفت أن ألبريشت تشارك مع مجموعة مناقشة تسمى "الصليب الجنوبي" ضمنها جنود وضباط شرطة، تدريبات شبه عسكرية، كما كشفت أنه شرع في تخزين ترسانة من مئات الذخائر وقنابل التدريب في قبو أسفل منزله، ضم أيضاً في مكتبته كتاب "كفاحي" من تأليف أدولف هتلر.
وبعد إلقاء القبض على ألبريشت في فيينا، نقل مخزونه من الذخيرة إلى أحد أصدقائه الذين شاركوه قناعاته، وتم تفتيش غرفته وسيارته، وبعد أيام قليلة انتشرت قصة الجندي "النازي الجديد" الذي يتظاهر بأنه مهاجر، في عناوين الصحف الألمانية.
ألمانيا تحاكم ضابطاً لأول مرة
تقول الصحيفة إنه فضلاً عن السرقة والنصب، فإن التهمة الرئيسة الثقيلة التي يواجهها ألبريشت هي "الإعداد لعمل عنف خطِر ضد الدولة، وانتهاك قانون الأسلحة والمتفجرات"، وهي جرائم يعاقب عليها بالسجن 10 سنوات كحد أقصى.
وحسب شكوك المحققين، فإن شخصية اللاجئ السوري المزيفة لم تكن إلا جزءاً من خطة ميكافيلية لاستغلال أزمة الهجرة لتفكيك المجتمع الألماني وتسهيل حدوث انقلاب.
غير أن ألبريشت قدم نفسه للصحيفة ومن قبلها لصحيفتين أخريين قابلتاه، على أنه مواطن ثائر غاضب من قرار ميركل بفتح حدود بلدها لأسباب إنسانية مع تجاهل التبعات السياسية لأفعالها، كما يتهمها بتجاوز البوندستاغ (البرلمان).
وأشار محرر المقابلة إلى أن قرار ميركل و"حالة الطوارئ الإنسانية التي مرت بها البلاد في ذلك الوقت" أثارا كثيراً من اللغط في ألمانيا بشأن الهجرة، وساعدا على إخراج حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف من المجهولية السياسية التي كان فيها قبل 2015.
وقبيل محاكمته، عندما سُئل فرانكو ألبريشت عما إذا كان يشعر بأي ندم، أبدى أسفه لأنه لعب بجانب اللاجئين الحقيقيين دور بنيامين ديفيد، لكنه في النهاية، يبدو راضياً عن القصة.