على وقع اقتراب الانتخابات الشاملة التي ستشهدها الأراضي الفلسطينية في الأشهر القادمة (التشريعية، الرئاسية، المجلس الوطني)، تعيش الحالة الفلسطينية أزمة انقسام بين ترحيب وقبول من حماس، ورفض مطلق من قِبل السلطة، بشأن دور الإمارات التي تسعى لفرض نفسها في المعادلة السياسية من خلال توظيف "مالها السياسي"، مستغلةً الأوضاع الاقتصادية المتردية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
شهد عام 2020، نقطة تحوُّل بالنسبة لدور الإمارات في سياستها تجاه الفلسطينيين، فمن بوابة المساعدات الإغاثية والإنسانية، واستغلالاً لوباء كورونا، حاولت الإمارات تجميل خطوة التطبيع مع إسرائيل، عبر إرسال مساعدات إغاثية طارئة، وسط احتفاء الإعلام الرسمي التابع لها وبعض الوسائل الإعلامية التي تمولها في فلسطين، لإيجاد قبول لها في الشارع الفلسطيني، وتخفيف حالة الغضب الشعبي من التطبيع.
رفضت السلطة الفلسطينية، مؤخراً، استقبال 3 شحنات تحمل مساعدات إماراتية على فترات متقاربة، جاءت مباشرة برحلات جوية من مطار أبوظبي إلى مطار اللد، بحجة عدم التنسيق معها، ثم عدّلت موقفها السابق بأنها ترفض أن تكون جسراً للتطبيع بين الإمارات وإسرائيل.
دحلان وتسويق الإمارات
بدأ محمد دحلان حملته الانتخابية مبكراً بأموال الإمارات، فعادت قيادات تياره إلى غزة ضمن تفاهمات ثنائية مع حماس بعيداً عن السلطة، لكن المُتتبع لسلوكه الانتخابي يجد سعياً منه لتجميل صورة الإمارات في الإعلام والشارع الفلسطيني.
تيسير نصر الله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال لـ"عربي بوست"، إن "السلطة تبنَّت موقفاً صارماً فيما يخص تلقِّيها المساعدات الخارجية، ففي الوقت الذي ترفض فيه أن تتدخل في دول الجوار، فليس من حق أي دولة أن تتدخل بسياستنا الداخلية والخارجية، وهذا الموقف ينطبق على الإمارات بشكل خاص، حتى لو كانت تقدم مساعدات مالية أو عينية".
غزة واستثمار أزمة الحصار
في قطاع غزة أدركت الإمارات مبكراً، أن بالإمكان استثمار حالة الحصار الذي يعيش القطاع، في ظل تنصل السلطة من الوفاء بالتزاماتها تجاه سكانه، فقبلت حركة حماس التي تدير القطاع، بأن يمارس دحلان نشاطه الإغاثي والترويجي للإمارات؛ في محاولة لتخفيف أعباء الحصار الخانق منذ 15 عاماً.
يدير دحلان في غزة شبكة من المؤسسات الإغاثية التي تمولها الإمارات، من أهمها: لجنة التكافل التي تعد ذراعه الإغاثية الأكثر نشاطاً في غزة، والمركز الفلسطيني للتواصل الإنساني "فتا" الذي تديره زوجته جليلة، وتتلقى تمويلها من الإمارات.
أسس دحلان لجنة التكافل في 2011، إبان فصله من حركة فتح، وسعى سريعاً لتثبيت قاعدة له في غزة لاستخدامها كورقة سياسية ضد السلطة، وضخَّت الإمارات خلال السنوات العشر الأخيرة ملايين الدولارات في هذه اللجنة، التي موَّلت العديد من الأنشطة ذات الطابع الإنساني والخيري.
مشاريع إماراتية في غزة
من أهم المشاريع التي قادتها لجنة التكافل و"فتا" والتي تمولها الإمارات على مدار السنوات العشر الأخيرة، المصالحة المجتمعية لتعويض عائلات قتلى الانقسام، والأعراس الجماعية للعائلات الفقيرة، وعلاج العقم، وفك الغارمين من السجون، وتحرير الشهادات الجامعية، والإغاثة الطبية عبر توريد الأجهزة الطبية إلى مشافي وزارة الصحة، وترميم البيوت الفقيرة.
شريف النيرب، المتحدث باسم لجنة التكافل، قال لـ"عربي بوست"، إن "رسالة اللجنة التي انطلقت من أجلها، هي خدمة المواطن الفلسطيني بأي مكان يوجد فيه، ونحن نعمل بحريةٍ داخل قطاع غزة، لكننا نتعرض لمضايقات من قِبل السلطة في ممارسة نشاطنا الخيري والإغاثي بالضفة الغربية والقدس، مثل ملاحقة كوادر اللجنة، واعتقالهم والتحقيق معهم، والمساس بأي قيادي أو مسؤول يَثبت أنه يتواصل أو يعمل لحساب اللجنة".
وأضاف: "إدارة اللجنة ليست حصراً للتيار الإصلاحي؛ بل هي ضمن إدارة الفصائل الفلسطينية كافة، ونتلقى تمويلاً غير مشروط من الإمارات، ونعمل على تحديد أولويات المشاريع، من خلال مجلس الإدارة ومجلس الأمناء، وقد استفاد من مشاريعنا عشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية".
جدلية العلاقة بين حماس ودحلان
تعد العلاقة التي تربط حماس بالتيار الإصلاحي إحدى القضايا الجدلية بالنسبة للشارع الفلسطيني، فجزء منه يرى أن قبول حماس للمال الإماراتي عبر دحلان قد يحمل موافقة ضمنية على خطوات التطبيع مع إسرائيل، كما يرى أنصار هذا الرأي أن المردود الاقتصادي لهذه المساعدات أقل بكثير من التكلفة السياسية التي تتحملها الحركة، من وراء السماح للمال الإماراتي بدخول غزة.
عاطف عدوان، المقرر السابق للجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي عن حماس، قال لـ"عربي بوست"، إن "المساعدات الإماراتية ذات الطابع الإغاثي التي تأتي من مؤسسات يديرها دحلان، لا تلعب دوراً تنموياً حقيقياً بالنسبة لاقتصاد غزة، لأنها تأتي على فترات متباعدة، وبالكاد يصل حجم المشاريع من لجنة التكافل و(فتا) إلى مستوى 10 ملايين دولار في العام، ومن جهة أخرى فإن هذه المساعدات ترتكز على تقديم خدماتها لفئات معينة، أي إنها لا تساهم في إيجاد سيولة نقدية باقتصاد القطاع".
نزار بنات، الكاتب والمحلل السياسي من الضفة الغربية، قال إن "الإمارات تحاول الظهور بمظهر الدولة التي تسوق نفسها رائدة للعمل الخيري والإغاثي، لكن الحقيقة أنَّ خلف هذه المساعدات نوايا خبيثة، بينها الوصول لمقدرات الدول والسيطرة عليها، ومحاولة الوصول لمنافذ القرار السياسي من خلال زرع شخصيات تعمل ضمن أجندة تابعة لها، تمهيداً لتنفيذ سياستها الخاصة داخل الدولة، وفي الحالة الفلسطينية فدحلان هو الرجل الذي يتقن هذا الدور".
ويرى أنَّ "كسر الإمارات حالة الإجماع العربي بتطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، يأتي ضمن المخططات التي سعت لتنفيذها منذ سنوات، وما نشهده في الأراضي الفلسطينية محاولة ابتزاز رخيص عبر استخدام الأزمة الاقتصادية للفلسطينيين لتجميل قرارات التطبيع الأخيرة".