شهدت منطقة الشرق الأوسط ارتفاعاً ملحوظاً في تجارة الأسلحة خلال السنوات الخمس الماضية، في ظل ارتفاع عام في الإنفاق العسكري على مستوى العالم، لم تمنعه الأزمة الاقتصادية التي رافقت جائحة انتشار فيروس كورونا، وفقاً لما وثقه معهد ساكوهلوم الدولي لأبحاث السلام (سيبري).
وكالة الأنباء الفرنسية نشرت، الإثنين 15 مارس/آذار 2021، تقرير المعهد الدولي، الذي أوضح أن ارتفاع مستوى تجارة الأسلحة في الشرق الأوسط رافقه استقرار عام على مستوى العالم، وذلك يعود لقدرة متزايدة لدى كثير من الدول على إنتاج معداتها العسكرية محلياً.
أمريكا وأوروبا على حساب الصين وروسيا
القدرة الذاتية للإنتاج رفعت من سياق ارتفاع الإنفاق العسكري بشكل عام، ففي عام 2020، بلغ الإنفاق العسكري 1,830 مليار دولار أي بزيادةٍ في الأرقام الحقيقية نسبتها 3,9% مقارنة بعام 2019، وفقاً للتقرير السنوي لمعهد "آي آي إس إس" البريطاني.
أما وفقاً لمعهد "سبيري" الذي يتخذ في ستوكهولم مقراً له، فإنه في حين ظلت الصادرات عند أعلى مستوى لها منذ نهاية الحرب الباردة، إلا أنها المرة الأولى منذ فترة 2001-2005 التي لم تشهد فيها الصادرات ارتفاعاً.
فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، زادت ثلاثٌ من أكبر خمس دول مُصدّرة في العالم هي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، مِن صادراتها، لكنّ هذه الزيادات قابلها انخفاضاً لدى مُصَدّرين رئيسيّين، هما روسيا والصين.
ولا تزال الولايات المتحدة تهيمن على السوق وتستحوذ على 37% منه (+5 نقاط مقارنة بفترة 2011-2015)، متقدّمةً على روسيا التي تراجعت من 26 إلى 20%، ويعود ذلك أساساً إلى انخفاض الصادرات إلى الهند.
في السنوات الخمس الماضية، مثّلت سوق الأسلحة في فرنسا التي احتلّت المرتبة الثالثة في ترتيب الدول المُصدّرة، 8,2% من إجمالي الصادرات في العالم. وقفزت صادرات فرنسا من الأسلحة بنسبة 44% في الفترة ما بين 2016 و2020.
زيادة الطلب في الشرق الأوسط
على صعيد الاستيراد، سجّل الشرق الأوسط زيادة ملحوظة بنسبة 25% خلال الفترة ذاتها.
يشير التقرير إلى أن المملكة العربية السعودية تعد أكبر مستورد للأسلحة في العالم على مدار 5 سنوات، حيث استحوذت على 11% من واردات الأسلحة العالمية، 79% منها مصدرها الولايات المتحدة.
كما عززت البلاد خلال هذه الفترة قدراتها الجوية بشراء 91 طائرة مقاتلة أمريكية.
وتضمنت قائمة أكبر 10 دول مستوردة للسلاح في العالم، بين عامي 2016 و2020، 5 دولة عربية وفقاً للتقرير وهي السعودية، ومصر في المرتبة الثالثة، والجزائر في المرتبة السادسة، وقطر في المرتبة الثامنة، والإمارات في المرتبة التاسعة.
وفي الهند التي كانت أكبر مستورد للأسلحة في العالم، انخفضت الواردات بنسبة 33% "ويعود ذلك أساساً إلى تعقيد عمليات الشراء، فضلاً عن محاولة لتقليل اعتمادها على الأسلحة الروسية"، حسب معدّي التقرير.
يقول سايمن ويزمان، الباحث في سبيري، إنّ تراجع واردات الأسلحة في بلد ما لا يعني دائماً انخفاض الاهتمام بالقطاع. ويضيف أن الأمر يكون في بعض الأحيان مجرّد مسألة خفض في الميزانية أو تأثيرٍ دوريّ مرتبط بتجديد ترسانة عسكرية وطنية قبل فترة قصيرة.
لكنّ الإنتاج المحلّي للأسلحة، وهو اتّجاه لوحِظ في السنوات الأخيرة في الكثير من البلدان المستوردة، يُفسّر أيضاً هذا الانخفاض في التجارة في هذا القطاع.
ويقول ويزمان إنّ "الطلب على واردات الأسلحة يتراجع لأنهم (الدول) قادرون على إنتاج المزيد بأنفسهم".
وفي حين تأثّر الكثير من القطاعات الصناعية في عام 2020 بجائحة كوفيد-19، إلا أن صناعة الأسلحة وضعها جيّد حتى الآن.
ويوضح الباحث أنه لا يزال من المبكر جداً تحديد الأثر الحقيقيّ لفيروس كورونا على القطاع، قائلاً: "قد يسود اعتقاد بأن الآثار، خصوصاً الآثار الاقتصاديّة التي ستتبعه، ستكون كبيرة جداً، لكنّنا لم نرَها".
على المدى الطويل، يتوقع سايمن ويزمان أن تُعيد البلدان تقييم ميزانياتها، وأن تكون هناك منافسة بين الإنفاق العسكري واحتياجات أخرى. ويقول: "لكن من جهة أخرى عليهم أن يجدوا توازناً مع رؤيتهم للتهديدات والتوترات".
ويشير إلى أنه في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك أوروبا، ثمة "شعور واضح جداً بأنّ العالم لم يعد مكاناً آمناً".