قالت وسائل إعلام أردنية، الخميس 11 مارس/آذار 2021، إن منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) قد رفعت الطلب عن الأسيرة المحررة أحلام التميمي، والتي جاءت على خلفية إدراج وزارة العدل الأمريكية أحلام على قائمة "الإرهابيين" المطلوبين بتهمة المشاركة في تفجير مطعم إسرائيلي عام 2001 قُتل فيه أمريكيان، وخصوصاً بعد رفض الحكومة الأردنية مطالب من واشنطن بتسليمها.
صحيفة الغد الأردنية نشرت عبر موقعها الإلكتروني، الخميس، وثيقة قالت إنها مصادقة أصدرتها الأمانة العامة لمنظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول)، تعلن فيها أن أحـلام التميمي، المولودة في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1980 لم تعد تخضع للملاحقة منذ تاريخ إصدار الوثيقة.
9 سنوات من الحرية
بعد نحو 9 سنوات من الحرية، إثر خروجها في صفقة لتبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، ما زالت قضية الأسيرة السابقة أحلام التميمي، الأردنية الفلسطينية، وأول امرأة انضمت لكتائب الشهيد عزالدين القسام، محل إثارة واهتمام كبيرين؛ إذ يطالب مشرِّعون أمريكيون الأردن بتسليمها لواشنطن منذ سنوات، وتهديداً بفرض عقوبات على المملكة، إن رفضت.
يُشار إلى أن أحلام التميمي صحفية فلسطينية تحمل الجنسية الأردنية، وُلدت عام 1980م في مدينة الزرقاء بالأردن التي غادرتها مع أهلها عندما انتهت من الثانوية العامة إلى فلسطين، حيث بدأت هناك دراستها للإعلام في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية.
انخرطت أحلام في أعمال المقاومة، بقرار من عبدالله البرغوثي، الأسير صاحب أعلى حُكم بالمؤبد في سجون الاحتلال حالياً، وقائد كتائب القسام في الضفة الغربية آنذاك، وساعدها في ذلك عملها الصحفي وتحدثها اللغة الإنجليزية، كما كانت حينها غير محجبة، حيث كان باستطاعتها الدخول إلى أماكن وجود الإسرائيليين في القدس، بحجة إجراء مقابلات صحفية.
قادت الشابة العملية الاستشهادية التي نفذها الاستشهادي عزالدين المصري في مطعم سبارو بالقدس المحتلة يوم 9 أغسطس/آب 2001، وأسفرت عن مقتل 15 إسرائيلياً، حيث حدّدت أحلام الطريق الذي سيسلكه المصري من رام الله إلى القدس المحتلة، وفي يوم العملية حملت آلة الجيتار التي كانت مفخخة بالمتفجرات، واصطحبت زميلها عزالدين، وحدّدت له موقع العملية وتركته يذهب في رحلته الأخيرة، فيما أذاعت هي بنفسها لاحقاً نبأ العملية في محطة التلفاز الذي كانت تعمل به.
لكن في يوم 14 سبتمبر/أيلول من نفس العام، وبعد تحقيقات استخباراتية أشارت إليها، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أحلام التميمي بعد اقتحام منزل والدها في قرية النبي صالح برام الله، وكانت تلك فترة عزاء والدتها، التي توفيت في الأول من سبتمبر/أيلول 2001.
قضت أحلام التميمي في السجون الإسرائيلية 10 سنوات بعد أن حُكم عليها بالسجن المؤبد 16 مرة، بتهمة المشاركة في تنفيذ عملية استشهادية، وخضعت كغيرها من الأسرى للتعذيب والعزل الانفرادي، وعاشت ظروفاً قاسية في معتقلات الاحتلال.
في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011، أفرجت إسرائيل عن أحلام وسلمتها إلى الأردن، ضمن صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار" بين إسرائيل وحركة حماس، حيث أفرجت إسرائيل عن 1047 أسيراً، مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي كان بحوزة كتائب القسام، كما شملت الصفقة حينها الإفراج عن خطيبها (زوجها لاحقاً) نزار البرغوثي، الذي كان محكوماً بالسجن المؤبد، والذي اعتقل منذ عام 1993.
لماذا تطالب الولايات المتحدة بالتميمي؟
منذ ذلك الحين عادت التميمي برفقة زوجها للعيش في الأردن، لكن في 14 مارس/آذار 2017، طالبت وزارة العدل الأمريكية الحكومة الأردنية بتسليم أحلام، وذلك بعد أن وضعها مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) على رأس لائحة "الإرهابيين" المطلوبين بتهمة المشاركة في تفجير مطعم إسرائيلي عام 2001 قُتل فيه أمريكيان، كما وضع المكتب مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال أو إدانتها.
ووجّهت وزارة العدل الأمريكية إلى أحلام تهمة "التآمر لاستخدام سلاح دمار شامل ضد مواطنين أمريكيين خارج التراب الأمريكي نتج عنه وفاة"، وأضافت الوزارة أنها تريد ترحيل التميمي ومحاكمتها، لكنها اعترفت بوجود قانون أردني يحظر ترحيل مواطنين أردنيين.
وتواجه الأسيرة المحررة عقوبة السجن مدى الحياة إذا اعتقلت وحُوكمت في الولايات المتحدة، لكن محكمة التمييز -أعلى هيئة قضائية في الأردن- صادقت عام 2017 على قرار صدر عن محكمة استئناف عمّان، يقضي برفض تسليم التميمي إلى السلطات الأمريكية.
لماذا ترفض عمّان تسليم التميمي لواشنطن؟
منذ قراره القطعي عام 2017 يقول القضاء الأردني إن الأردن والولايات المتحدة وقعتا بتاريخ 28 مارس/آذار 1995 معاهدة بينهما لتسليم المجرمين الفارّين لديهما، لكن المعاهدة لم يصادق عليها مجلس الأمة استكمالاً لمراحلها الدستورية رغم توقيعها.
وبحسب القضاء، فإن الاتفاقية تعد غير نافذة ولا مستوجبة للتطبيق، ويترتب عليها عدم قبول طلب التسليم، وفقاً لقرار محكمة التمييز؛ "لأن طلبات تسليم المجرمين المرسلة إلى السلطات المختصة في المملكة من دولة أجنبية لا تكون مقبولة ما لم تكن نتيجة معاهدة أو اتفاق معقود ونافذ بشأن المجرمين".
ومنذ ذلك الحين لم تتوقف المطالبات والضغوطات الأمريكية بتسليم التميمي، في حين جددت الحكومة الأردنية رفض التسليم، لكن الضغوط الأمريكية عادت اليوم، بل وتحمل معها صيغة تهديد للأردن، بعد المذكرة التي سلمت للسفارة الأردنية بواشنطن من أعضاء في الكونغرس الجمهوريين.
وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تكمن أهمية هذه المذكرة في أن كاتبها هو عضو الكونغرس الجمهوري غريغ ستيوب، عن ولاية فلوريدا، ووقعها أعضاء بالكونغرس مشهورون بصلتهم الوثيقة بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي توجت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في عهده بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وضم الجولان المحتل وثلث الضفة الغربية لإسرائيل، والإعلان عما يعرف بـ"صفقة القرن" التي قدمت لإسرائيل ما تكن تحلم به من قبل على طبق من ذهب، وهضمت الكثير من حقوق الفلسطينيين.
من جهته، كشف مصدر في وزارة الخارجية الأردنية، مؤخراً، عن موقف الأردن تجاه قضية الأردنية أحلام، قائلاً إن الأردن ملتزم بالقرار القانوني والقضائي الصادر عن محكمة التمييز عام 2017، بعدم تسليمها لواشنطن.
بماذا ردّت التميمي وعائلتها على طلب التسليم؟
عبرت عائلة التميمي عن "قلقها الكبير وتخوفها من مساعي بعض الجهات الأمريكية والإسرائيلية، المطالبة بتسليم ابنتهم لواشنطن، داعية للالتفاف حول قضية أحلام ومساندتها ومناصرتها؛ لأن ذلك هو الحصانة الحقيقية والضمانة الأكيدة لبقائها سالمة ولا تصل إليها الأيدي الغريبة".
وقالت العائلة في بيان صحفي نشر، الأربعاء، إن مطلب التسليم ينطوي على خطورة كبيرة مفادها استغلال القانون لتحقيق مصالح سياسية، مقابل الاستمرار في تقديم المساعدات المالية للدول، كما أنه يعد ورقة ضغط سياسية لإرغام الدول على القبول.
من جانبها، علقت أحلام التميمي على طلب تسليمها بالقول إنه "محاولة لتسييس قضيتها في توقيت تسعى فيه سلطات الاحتلال لضم غور الأردن وتوسيع الاستيطان، وابتزاز الأردن مالياً من خلال استغلال الوضع الاقتصادي المتردي نتيجة انتشار جائحة كورونا".
وأضافت في تصريحات صحفية أن "الأمر يتعلق بدعم مالي إلى الأردن، والولايات المتحدة تحظر تسليم المخصصات لأي دولة تُبلغ وزارة الخارجية الأمريكية أنها ترفض تسليم أي شخص متهم بارتكاب جريمة جنائية، تكون عقوبتها القصوى السجن مدى الحياة، دون إمكانية الإفراج المشروط".