صدقي صبحي اختفى من المشهد وعنان وشفيق تحت الإقامة الجبرية.. أين اختفى خصوم السيسي؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/11 الساعة 19:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/12 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
أحمد شفيق

على الرغم من ظهور بوادر انفراج طفيفة في سياسة قمع المعارضين تمثلت بالإفراج عن أستاذ العلوم السياسية حازم حسني قبل أيام، بعد 17 شهراً من الحبس الاحتياطي، فإن المتابعين للشأن المصري يرون أن ما حدث لا يعكس تحولاً في سياسات النظام بقدر ما يمكن اعتباره محاولات لمغازلة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، الذي لا يحظى السيسي بعلاقة جيدة معه بخلاف الحال مع سلفه دونالد ترامب الذي وصف الرئيس المصري بأنه "دكتاتوره المفضل".

 تحفل قائمة المعتقلين في مصر، حسب تقارير صحفية، بنحو 57 ألف سجين سياسي، سواء ممن عارضوا سياسة الرئيس بشكل علني، أو من نافسوه في الانتخابات الرئاسية، بخلاف آخرين تم وضعهم قيد الإقامة الجبرية في منازلهم.

قصة السيسي مع التخلص من الحلفاء والمعارضين بدأت، كما يقول باحثون سياسيون تحدثت معهم "عربي بوست"، قبل أن يتولى مهام الرئاسة بشكل رسمي في صيف عام 2014، إذ بدأ الرجل في تفكيك جبهة الإنقاذ الوطني التي شكلت الغطاء السياسي لتحرُّك الجيش ضد الرئيس الراحل د. محمد مرسي.

وهو لا يبدو عازماً على التخلي عن قناعته بالتخلص من المعارضين والحلفاء البارزين الذين ربما يشكلون خطراً على بقائه في منصبه.

السيسي يؤمن بأن إتاحة الفرصة للمعارضة هي السبب في سقوط نظام مبارك

نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الشهيرة، في بداية فبراير/شباط الماضي، تقريراً قالت فيه إن الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ وصوله إلى الحكم في 2014، قلَّص جميع أشكال المعارضة، معتقداً -على ما يبدو- أن مثل هذه المساحة من الحرية والمعارضة، مهما كانت صغيرة، كانت أكبر خطأ فادح لمبارك، حيث أدت إلى ثورة 25 يناير/كانون الثاني وسقوط نظامه.

الإقصاء مصير كل حلفاء السيسي في إعلان 3 يوليو الشهير.. عدا بابا الأقباط

جدير بالذكر أن كثيراً من المصريين يتندرون بأن الصورة الشهيرة التي جمعت السيسي مع عدد من أبرز رموز المجتمع المصري من أعضاء جبهة الإنقاذ وغيرهم، لم يعد باقياً منها في منصبه سوى السيسي نفسه، بجانب الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذي سعى السيسي بكل الطرق لإبعاده عن منصبه دون جدوى، والأنبا تواضروس بابا الأقباط الأرثوذكس، وهو الوحيد الذي يبدو أن الرئيس المصري يرحب باستمراره بمنصبه.

وجمعت تلك الصورة التي أعلن فيها السيسي مساء الثالث من يوليو/تموز عام 2013، تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وعزل الرئيس محمد مرسي، عدداً من قيادات العمل السياسي في مصر آنذاك، منهم د. محمد البرادعي الذي تم تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية المؤقت، لكنه لم يستمر سوى شهر واحد، حيث أعلن استقالته وسافر إلى خارج مصر؛ اعتراضاً على فض اعتصامَي مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقوة، ولا يزال يعيش خارج مصر حتى الآن، مكتفياً بنشر تغريدات على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" من وقت لآخر، تعليقاً على بعض ما يجري في مصر.

خطاب 3 يوليو لعزل الرئيس الراحل محمد مرسي

محمد البرادعي

لم يَسلم المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية من هجوم الإعلام الموالي للرئيس المصري عليه، إذ طالب الإعلامي محمد الباز، المقرب من النظام المصري، خلال برنامجه المقدم على شاشة قناة المحور، بإزالة اسم البرادعي من مدرسة ابتدائية تحمل اسمه في محافظة الإسكندرية، بدعوى أنه خان بلاده.

صدقي صبحي دعم السيسي في عزل مرسي ليواجه المصير نفسه

كما ضمَّت الصورة الفريق صدقي صبحي رئيس أركان الجيش المصري في ذلك الوقت، والذي تولى منصب وزير الدفاع بعد نجاح السيسي في الانتخابات الرئاسية 2014، لكن تم عزله عام 2018 في ظروف غامضة لم يفصح عنها حتى الآن، في تجاوز واضح للمادة الدستورية التي تحصن منصب وزير الدفاع من الإقالة، والتي أضيفت إلى دستور 2014 بإيعاز من السيسي الذي كان يشغل المنصب وقتها.

لكن مراقبين ذكروا لاحقاً، أن صبحي فقد منصبه، بسبب مواقفه غير المتماهية مع الرئيس المصري، حيث نُقل عنه عدم ترحيبه بتعديل الدستور لتمديد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، وهي المادة التي أقرها البرلمان المصري السابق وتتيح للسيسي البقاء في الرئاسة حتى عام 2030، بينما أرجع آخرون سبب الإقالة إلى أن صبحي "بدأ في التوهج"، وبدا أن هناك تياراً أصبح يستمع إليه، لأن "لديه نبرة من صوت العقل".

صدقي صبحي

معالم الخلاف بين السيسي وصبحي ظهرت قبل شهور من إقالته، وذلك خلال مناسبة عامة متلفزة، حين نظر الرئيس إلى وزيره وهو يقول: "ناس لا تعرف معنى للدولة، وعايزة تتصدى وتتكلم، أنا بقالي خمسين سنة باتعلم يعني إيه دولة"، وفسَّر مراقبون حينها كلام السيسي بأنه موجَّه إلى صدقي بألا يهدد وجوده على رأس السلطة.

كما اختفى من المشهد تماماً آخرون كانوا حاضرين في تلك الصورة، من بينهم ياسر برهامي ممثل التيار السلفي، وعمرو موسى الذي أُسندت إليه رئاسة لجنة تعديل الدستور عام 2014، لكنه سرعان ما اختفى من المشهد السياسي بعد ذلك، وهو نفس ما حدث مع المعارض اليساري حمدين صباحي الذي ترشح في انتخابات 2014 الرئاسية أمام السيسي، وخسر بفارق ضخم، ليختفي من المشهد لاحقاً.

محاكمة سامي عنان عسكرياً واعتقاله ثم الإفراج عنه دون أسباب

يمثل الفريق سامي عنان حالة صارخة لما يمكن أن يفعله السيسي بمن يجرؤ على منافسته، حتى لو كان المنافس رئيس أركان الجيش المصري السابق، بما يعنيه ذلك من أنه كان رئيساً للسيسي نفسه حين كان الأخير رئيساً للمخابرات الحربية.

أعلن عنان عن نيته الترشح، في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني عام 2018، للانتخابات الرئاسية التي جرت صيف العام نفسه، عن حزب مصر العروبة الديمقراطي، مبرراً ترشُّحه برغبته في تعديل ما اعتبره "سياسات خاطئة" للسيسي، وأنه يرغب في "إنقاذ الدولة المصرية".

لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى تعرَّض للاعتقال في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني من عام 2018، حيث تمت إحالته لمحاكمة عسكرية وأدين بعدة تهم، من بينها الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية دون الحصول على موافقة القوات المسلحة، إضافة إلى التحريض الصريح على الجيش، وتزوير بطاقة الرقم القومي، التي ورد فيها أنه فريق سابق بالقوات المسلحة ولم يذكر أنه تحت الاستدعاء.

قبل ذلك أصدرت قيادة القوات المسلحة المصرية بياناً تتهم فيه رئيس الأركان الأسبق بارتكاب مخالفات، معلنةً فتح تحقيق بشأنه، كما جاء في البيان أنه "في ضوء ما أعلنه الفريق (مستدعى) سامي حافظ عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، من ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، فإن القوات المسلحة لم تكن لتتغاضى عما ارتكبه المذكور من مخالفات قانونية صريحة مثلت إخلالاً جسيماً بقواعد ولوائح الخدمة".

لم يفلح انسحاب عنان من السباق الرئاسي في تجنيبه المحاكمة، التي أمر المدعي العام العسكري بحظر النشر فيها، ليقضي في السجن الحربي نحو عامين، قضى منهما عدة أشهر بالسجن الحربي قبل أن يُنقل في يوليو/تموز 2018، إلى المجمع الطبي للقوات المسلحة بالمعادي في جنوب القاهرة إثر وعكة صحية شديدة، حيث بقي فيه إلى أُن أفرج عنه في ديسمبر/كانون الأول من عام 2019، دون توضيح سبب الإفراج عنه.

ومنذ الإفراج عنه يلزم رئيس الأركان الأسبق منزله الفاره، دون أن يمارس أي نشاط سياسي، كما يتجنب الظهور العلني نهائياً، بل إنه أناب نجله سمير في إجراء مداخلة تلفزيونية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لينفي بشدةٍ ما أعلنته صفحة تحمل اسم "الفريق سامي عنان-المركز الإعلامي"، عن نية رئيس الأركان الأسبق الإدلاء ببيان متلفز عبر الصفحة، مؤكداً في مداخلته مع الإعلامي أحمد موسى، المقرب من الأجهزة الأمنية المصرية، أن الصفحة ليست لها علاقة بوالده وأنها تدار من قِبل أفراد محسوبين على جماعة الإخوان بهدف نشر القلق والبلبلة! رغم قيام الصفحة بنشر صورة لأحد "الأدمنز" عليها مع الفريق عنان بمنزله، في وقت سابق، ما يعكس وجود تواصل بين الطرفين.

تحريك قضية فساد ضد أحمد شفيق بعد 7 سنوات من حفظها 

الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، ثم المرشح الرئاسي في انتخابات 2012 التي خسر جولة الإعادة فيها أمام مرشح جماعة الإخوان، الرئيس الراحل محمد مرسي، يمثل ضحية ثانية من ضحايا منافسة السيسي، حيث يقضي وقته في منزله فيما يشبه الإقامة الجبرية، ويتجنب الظهور العام إلا في مناسبات استثنائية، حين ظهر في عزاء الرئيس الأسبق مبارك في فبراير/شباط 2020.

وكان شفيق، الذي كان يقيم بالإمارات منذ عام 2013، بعدما جرى اتهامه في 3 قضايا فساد في ذلك الوقت، قد أعلن من الإمارات، حيث كان يحل ضيفاً على ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، نيَّته الترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت صيف عام 2018، لتتغير معاملة الدولة الخليجية معه على الفور، حيث تم اقتياده من منزله في أبوظبي وترحيله على طائرة خاصة إلى مصر، وقيل وقتها إنه تعرَّض لتلك المعاملة المهينة بعدما رفض وساطة محمد بن زايد لإقناعه بعدم ترشيح نفسه ضد السيسي.

لكن بعد فترة قصيرة من إعلانه، عاد شفيق لينسحب من السباق الرئاسي، بدعوى أنه وجد أنه ليس المرشحَ المناسب للمنصب، لكن مقربين منه قالوا إنه تعرض لتهديدات، كما تم القبض على عدد كبير من الشباب المؤيدين له الذين تطوعوا للعمل في حملته المرتقبة، وهو ما اعترف به شفيق نفسه في منشور له على صفحته الرسمية في فيسبوك، مقدِّماً اعتذاره لهؤلاء الشباب الذين تأذوا بسببه.

المثير في الأمر أن شفيق تم اتهامه بـ3 قضايا في عام 2013، جرت تبرئته في قضيتين منها بشكل نهائي، بينما قررت المحكمة حفظ طعن النيابة على براءته في القضية الثالثة التي تُعرف باسم "فساد وزارة الطيران"، لمدة 7 سنوات كاملة، قبل أن تقرر قبول الطعن وإعادة محاكمة شفيق واثنين من قيادات وزارة الطيران السابقين بتهم تسهيل الاستيلاء على المال العام في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وتأجلت القضية إلى يناير/كانون الثاني من العام الحالي، قبل أن يجري تأجيلها مجدداً إلى شهر مارس/آذار الحالي، ويرجَّح تأجيلها مجدداً؛ لتكون ورقة النظام المصري التي يضمن بها التزام شفيق بتجنب الظهور العلني أو مجرد التفكير في الترشح للرئاسة مجدداً.

تغريدة "الحاكم ذي اللسانين" تكلف حازم حسني الحبس الاحتياطي لمدة 17 شهراً

د. حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، نموذج آخر لاستخدام القمع في مواجهة من يعارض السيسي بمصر، حيث تم حبسه احتياطياً لمدة ناهزت 17 شهراً على ذمة قضيتين؛ الأولى رقم 488 على خلفية اتهامه بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها ونشر أخبار كاذبة، والثانية تحمل رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، حيث يواجه اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات، ونشر وبث أخبار وبيانات كاذبة.

الإفراج عن حازم حسني تم في الثاني والعشرين من فبراير/شباط الماضي، دون أسباب، إلا أن قرار الإفراج تم تذييله بشرط غير معهود في قرارات نيابة أمن الدولة العليا، وهو التزام أستاذ العلوم السياسية بعدم مغادرة منزله لمدة 15 يوماً قابلة للتجديد، ما يعني بقاءه على ذمة التحقيق الذي لم يعلن عن نتائجه، والموقف القانوني لحازم حسني وما إذا كان مداناً أم لا، رغم مرور 17 شهراً على بدء التحقيق.

ورغم ما يُثار عن أن سبب القبض على أستاذ العلوم السياسية البالغ من العمر 69 عاماً، هو مشاركته في حملة الفريق سامي عنان للانتخابات الرئاسية وتعيينه متحدثاً رسمياً لها، فإن المرجح أنَّ سبب اعتقاله هو منشور له بصفحته الشخصية على فيسبوك، حمل عنوان "عن خطاب ذي اللسانين"، والذي انتقد فيه سماح السيسي لإعلاميين مقربين من النظام بالتطاول على كل خصومه، معتبراً أن هذا يتعارض مع الصورة التي يحاول الرئيس المصري ترسيخها لدى الرأي العام بأنه رجل عفُّ اللسان.

ويعزز هذا الاعتقاد أن القبض على أستاذ العلوم السياسية حدث في اليوم التالي مباشرة لنشر هذا المنشور، الذي مثَّل مقدمة مطولة منه لتفسير كيفية نجاح المقاول المصري الهارب محمد علي في التأثير بقطاعات كبيرة من الشعب المصري عبر سلسلة فيديوهات بثَّها صيف عام 2019، وهو إنجاز فشلت النخب المصرية في تحقيقه.

تحميل المزيد