بعد أيام على اعترافها بقتل المناضل الجزائري، علي بومنجل، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء 9 مارس/آذار 2021، تسهيل الوصول إلى محتويات الأرشيف السري التي يزيد عمرها عن 50 عاماً، خصوصاً تلك المتعلقة بحرب الجزائر.
فقد ظلّ ملف أرشيف الاستعمار الفرنسي للجزائر نقطة خلاف وتّرت العلاقات بين البلدين، إذ تطالب الجزائر بالإفراج عن الأرشيف الذي من شأنه أن يفضح جرائم الاستعمار الفرنسي، لكن باريس تعتبر الأمر من "أسرار الدولة" التي لا يمكن الكشف عنها، وهناك إجراءات معقدة كانت تمنع الباحثين والأكاديميين من العمل على هذه الوثائق.
أرشيف ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر
جاء ذلك في بيان للرئاسة الفرنسية، أعلنت فيه رفع السرية عن وثائق مشمولة بسرية الدفاع الوطني، ابتداء من الأربعاء 10 مارس/آذار 2021.
إذ أصدر ماكرون قراره عملاً بما أوصى به تقرير للمؤرخ بنجامين ستورا، تسلمه الرئيس الفرنسي منذ أكثر من شهر، ويتعلق بذاكرة الاستعمار وحرب التحرير.
تضمّن التقرير الصادر في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، مقترحات لإخراج العلاقة بين البلدين من حالة الشلل التي تسببت فيها قضايا ذاكرة الاستعمار العالقة بينهما.
كما اقترح تدشين ما سمّاه "سياسة الخطوات الصغيرة" بين فرنسا والجزائر، حول الموضوعات التي لا تزال حساسة، بينها مفقودو الحرب، وآثار ما بعد التجارب النووية، ومشاركة الأرشيف، والتعاون التحريري، وإعادة تأهيل الشخصيات التاريخية وغيرها.
مع العلم أن وزير الإعلام عمار بلحمير، وصف في تصريحات صحفية، في فبراير/شباط الماضي، التقرير بأنه "ليس موضوعياً، ويساوي بين الضحية والجلاد، وينكر مجمل الحقائق التاريخية".
هل تعتذر فرنسا عن "جرائمها" في الجزائر؟
في بيان صادر عن الإليزيه، يوم الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني 2021، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالقصر الرئاسي، المؤرخ والباحث الأكاديمي بنجامان ستورا، الذي قدم تقريراً حول الاستعمار وحرب التحرير (1954-1962)، يحوي مقترحات لإخراج العلاقة بين باريس والجزائر من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة.
أعرب الرئيس الفرنسي عن أمله في أن تحقق هذه المبادرات الوصول لمصالحة بين البلدين، وأن تلفت النظر إلى جراح الماضي، مشيراً إلى أنه يرغب في أن يتم إحياء ذكرى مَن فقدوا حياتهم في حرب التحرير، من خلال فعاليات مختلفة.
وسائل إعلام محلية في الجزائر أكدت أن بيان الإليزيه إشارة واضحة إلى أن "فرنسا غير مستعدة لتقديم اعتذار عما قامت به في الجزائر خلال حرب التحرير، أو خلال فترة الاستعمار الفرنسي ككل".
ما يؤكد استبعاد فرضية الاعتذار عن الجرائم المرتكبة في الجزائر تأكيد هيئة القصر الرئاسي الفرنسي أنها "ستقوم بخطوات رمزية فقط، وذلك في انتظار تلقي الرئيس تبون تقريراً مماثلاً من طرف المستشار شيخي عبدالمجيد".
فرنسا وبحسب "الإخبارية الجزائرية"، "تعتزم القيام بخطوات لا تبتعد عن الرمزية، لمعالجة الملف المطروح، رافضةً تقديم اعتذارها عن ماضيها الأسود واستعمارها للجزائر".
تفاصيل التقرير المثير للجدل
أكد نصّ البحث الذي سلمه الباحث والأكاديمي بنجامان ستورا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي نشرت جريدة "لوفيغارو" نسخة منه، أن "ما قام به الباحث كان بعيداً عن أي إملاءات خاصة من الرئاسة الفرنسية والرئيس نفسه".
من أبرز ما أوصى به ستورا في تقريره المكون من 150 صفحة "تشكيل لجنة تسمى الذاكرة والحقيقة، وتُوثق شهادات الناجين من حرب الاستقلال الجزائرية، وذلك بتنسيق بين باحثين فرنسيين وجزائريين".
كما أوصى التقرير بـ"ضرورة زيادة التعاون بين البلدين، وأن يتمكن الجزائريون الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا (يعرفون باسم الحركى) خلال حرب الاستقلال الجزائرية، من التنقل بسهولة بين البلدين، وتيسير منحهم التأشيرات".
التقرير اقترح أيضاً إزالة عبارة "سر الدولة" الموجودة بالوثائق التي يعود تاريخها إلى عام 1970 في الأرشيف، وإنشاء أرشيف مشترك بين البلدين، مشدداً على "ضرورة تقديم منح دراسية للطلاب لإجراء دراسات في الأرشيف الفرنسي، على أن يتم الشيء نفسه أيضاً بالنسبة للطلاب الفرنسيين".
كما شدد التقرير على أن "المدارس في فرنسا يجب أن تدرّس حرب الاستقلال بطريقة أفضل، وأن تتوقف عن ذكر الاستعمار في الدروس".
فيما أوصى بـ"تنظيم أنشطة تذكارية حول حرب التحرير، وأن يتم إعلان الـ25 من سبتمبر/أيلول يوماً لإحياء ذكرى الحركى، و17 أكتوبر/تشرين الأول لذكرى (مذبحة باريس 1961)، و19 مارس/آذار لإحياء ذكرى نهاية الحرب".