وسط انتشار أمني مكثف، خرج الآلاف من أنصار حركة "النهضة" التونسية (أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم)، السبت 27 فبراير/شباط 2021، في مسيرة احتجاجية حاشدة بالعاصمة، مطالبين بإنهاء الأزمة السياسية في البلاد.
جاءت المسيرة بدعوة من الحركة، تحت شعار "مسيرة الثّبات وحماية المؤسسات"، وذلك في ظل استمرار أزمة التعديل الوزاري بين الحكومة والرئاسة منذ نحو شهر.
المسيرة الحاشدة، التي انطلقت من شارع محمد الخامس، كانت أبرز شعاراتها الدعوة للوحدة الوطنية، وأن يكون هناك غد أفضل لتونس.
كما شهدت المسيرة مشاركة قادة بارزين من حركة النهضة على رأسهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، والذي أطلق مبادرة قبل أيام لمحاولة إنهاء الأزمة البلاد.
كانت القوات الأمنية قد أغلقت، صباح السبت، المنافذ المؤدية إلى منطقة "مونبليزير" بالعاصمة، وشوارع خير الدين باشا، ومحمد الخامس، والحبيب بورقيبة (باستثناء شارع اليابان)، ضمن إطار تأمين المسيرة وبهدف تعزيز الإجراءات التنظيمية لها.
يشار إلى أن حركة النهضة تعتبر أكبر قوة سياسية في البرلمان؛ إذ تملك 54 نائباً من أصل 217، ويتولى رئيسها راشد الغنوشي، رئاسة البرلمان.
تتزامن مسيرة النهضة مع أخرى ينظمها حزب العمال (يسار/ لا نواب له في البرلمان) باتجاه وسط العاصمة، منتصف النهار بتوقيت تونس (11:00 ت.غ) تنديداً بما وصفه بـ"عبث منظومة الحكم بمصالح تونس".
"تهديدات محتملة"
في ذات السياق، أعلنت الداخلية التونسية، السبت، أن إغلاق عدة منافذ مؤدية لشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة؛ جاء تحسباً لـ"أي تهديدات إرهابية"، تزامناً مع تنظيم المسيرتين المنفصلتين.
حيث قال المتحدث باسم الوزارة، خالد الحيوني، في تصريح لإذاعة "موزاييك إف إم" (خاصة)، إن الداخلية أغلقت عدة منافذ مؤدية لشارع الحبيب بورقيبة، تحسباً لـ"أي تهديدات إجرامية أو إرهابية، وإنها بصدد التنسيق مع جميع الأطراف للمحافظة على الأمن العام"، موضحاً أن هذه الإجراءات التي اتخذتها الوزارة "تمت على أساس معيار وحيد وهو الوقوف على مبدأ الحياد تجاه كل الأطراف في مثل هذه المناسبات".
الحيوني أشار إلى أن الوزارة "وفّرت أيضاً الإمكانيات المادية والبشرية، لضمان استمرار السير العادي للحياة وحماية الممتلكات العامة والخاصة، من جهة واحترام حق التظاهر من جهة أخرى".
رسالة لتجاوز أزمة تونس
قبيل "مسيرة الثّبات وحماية المؤسسات" بساعات قليلة، أصدرت حركة "النهضة" بياناً قالت فيه إن المشاركة في مسيرتها لدعم مؤسسات الدولة رسالة لـ"تغليب العمل المشترك لتجاوز الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد"، مؤكدة أن تونس تشهد منذ أشهر عديدة "تواتر مُمَارسات ومواقف غير مسؤولة تحاول إرباك العملية الديمقراطية بالبلاد، والتشكيك في جدواها، وتسعى إلى تعطيل عمل الحكومة ومؤسسات الدولة السيادية"، وفق قولها.
كما جاءت الدعوة إلى تنظيم هذه المسيرة الشعبية للتعبير عن "القلق الذي يساور كل التونسيين حول ارتفاع درجة المُناكفات السياسية والخطابات العدائية بين الفرقاء السياسيين، وعدم إيلاء هموم المواطن وأوضاع البلاد الأولوية المطلقة"، طبقاً لما أورده بيان النهضة الذي شدّد على "التمسك بخيار الدولة الديمقراطية الرائدة ومؤسساتها المنتخبة وفق ما نص عليه الدستور، والتأكيد على تعاون كل هياكل الدولة وتضامنها وأهمية العلاقة البنّاءة والمسؤولة بين مختلف مؤسساتها الدستورية الإدارية والتنفيذية والتشريعية".
مكالمة بين المشيشي وقيس سعيد
إلى ذلك علقت الحكومة التونسية، الخميس 25 فبراير/شباط 2021، على الاتصال الهاتفي بين رئيسها هشام المشيشي، ورئيس الجمهورية قيس سعيد، قائلة إنها خطوة إيجابيّة في الاتجاه الصحيح، فيما يبدو أنها خطوة للتهدئة بين رأسي الهرم في تونس.
كان المشيشي توجّه بالشكر إلى سعيّد في اتصال هاتفي، إثر استجابة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لدعوة وجهها إليه بعدم تنفيذ حكم الإعدام بحق المواطن التونسي فخري الأندلسي، وتأجيله مع النظر في عقوبة بديلة.
من جهته، قال مستشار رئيس الحكومة المكلف بالشؤون الاجتماعية سليم التيساوي، في تصريحات لإذاعة "جوهرة إف إم" التونسية (خاصة)، إن المكالمة كانت برأيه خطوة إيجابية جداً انطلقت من حدث جزئي يمكن أن يلقي بظلاله على عامة الشعب. مضيفاً: "التونسيون اليوم بحاجة لما يجمعهم لا ما يفرِّقهم".
مبادرة الغنوشي
يشار إلى أن الغنوشي كان قد طرح يوم السبت 20 فبراير/شباط 2021، مبادرة لمحاولة حل الأزمة السياسية، حيث وجّه رسالة إلى الرئيس قيس سعيّد يدعوه فيها إلى عقد لقاء ثلاثي (بين الرئاسات الثلاث البرلمان والجمهورية والحكومة) يشرف عليه هو (سعيد)، وذلك في أقرب وقت.
الناطق باسم حركة النهضة، فتحي العيادي، قال إن مبادرة الغنوشي تأتي تقديراً منه بأن البلاد تعيش أزمات كثيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والصحي، ولكنها بحاجة لما هو أهم وهو التهدئة وتنمية روح التضامن الوطني، مؤكداً أن المبادرة "تأمل من رئيس الدولة وباعتباره رمز وحدتها أن يسعى إلى تأليف وجمع كلمة التونسيين وبث الروح الوطنية في هذه اللحظة العسيرة من تاريخ التجربة التونسية".
كما أضاف العيادي في تصريحات صحفية أن هذه المبادرة تأتي للبحث عن توافقات ضرورية لحل الأزمة السياسية التي أكد أنها تمثل عائقاً أمام أي حل لبقية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، منوهاً إلى أنه "في هذه المبادرة دعوة للرشد والتعقل والحكمة ووقف سير البلاد نحو الهاوية".
إقالة 5 وزراء مُقربين من الرئيس
كان المشيشي قد أعلن، الإثنين 15 فبراير/شباط 2021، إقالة 5 وزراء مقربين من الرئيس من حكومته، وكلّف آخرين بالإشراف على وزاراتهم بالنيابة، لحين تعيين وزراء جدد، في خطوة يرى البعض أنها قد تزيد من حدة التوتر بين سعيد والمشيشي بشأن تشكيل الحكومة.
وبحسب بيان صادر عن الحكومة التونسية، فإن المشيشي في انتظار استكمال إجراءات التعديل الوزاري، الذي نال بمقتضاه الوزراء ثقة مجلس نواب الشعب، بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2021، فيما بدت بوادر التفاتة على رفض قيس سعيد للوزراء الجدد، الذين عيّنهم المشيشي في حكومته لتشكيل حكومته، والذين أصبحوا الآن في قائمة الانتظار دون أن يتخلى عنهم رئيس الحكومة.
آنذاك دعا الغنوشي جميع الأطراف إلى التعامل بمرونة وعدم تعطيل مصالح الدولة والمجتمع، معتبراً خطوة المشيشي بأنها "حل مؤقت، والحل (الجذري) هو في تشكيل المحكمة الدستورية (تعطل تشكيلها أكثر من 5 سنوات بسبب غياب التوافق)، وإلى أن يتم ذلك يجب على كل الأطراف التعامل بمرونة حتى لا تتعطل الدولة ومصالح المجتمع".
يذكر أن العلاقة بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي شهدت تحولاً جذرياً، فرغم أن سعيد اختار المشيشي من خارج مقترحات الأحزاب لرئاسة الحكومة عقب تقديم رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ استقالته، فإن العلاقة بين الرجلين سرعان ما تحولت من وُدّ وتنسيق إلى توتر وعداء.
فيما اعتبر المشيشي إصرار رئيس الجمهورية على رفضه استقبال الوزراء المعنيين بالتعديل الوزاري، والذين نالوا سابقاً موافقة وتأييد البرلمان، سبباً رئيسياً في تعطيل المرفق العمومي ومصالح الدولة.
يشار إلى أنه في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن المشيشي تعديلاً شمل 11 حقيبة وزارية من 25، وبعد 10 أيام صدّق عليه البرلمان، لكن سعيّد لم يدعُ الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، وهو ما أحدث الأزمة.
كان سعيّد قد انتقد يوم الأربعاء 10 فبراير/شباط 2021، في لقاء مع نواب بالبرلمان، محاولة البحث عما وصفه بـ"مخرج قانوني مستحيل لأزمة اليمين الدستورية"، مجدداً قوله إن التعديل الوزاري تشوبه خروقات عديدة، وإنه حريص على تطبيق الدستور، كما قال.
جدير بالذكر أن الحزام البرلماني لحكومة المشيشي يتشكل من كتل حركة النهضة (54 مقعداً)، وقلب تونس (29 مقعداً)، والإصلاح (18 مقعداً)، وتحيا تونس (10 مقاعد)، والكتلة الوطنية (9 مقاعد)، وعدد من المستقلين.
إضافة إلى الأزمة السياسية، تعاني تونس من أزمة اقتصادية، زاد تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) من حدتها، إلى جانب احتجاجات اجتماعية تشهدها مختلف مناطق البلاد، بين الفينة والأخرى.