وسط حالة انقسام واحتقان حاد في لبنان، قال البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، السبت 27 فبراير/شباط 2021، إنهم يواجهون ما وصفها بالحالة الانقلابية في كل الميادين، مطالباً اللبنانيين بألا يسكتوا عما وصفه بالفساد، والحدود السائبة، وفشل الطبقة السياسية، والانقلاب على الدولة والنظام، والسلاح غير الشرعي (في إشارة ضمنية إلى سلاح حزب الله).
جاء ذلك في كلمة ألقاها "الراعي" في حشد من اللبنانيين أمام البطريركية المارونية في منطقة بكركي شمال العاصمة بيروت، وفي حضور عدد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين.
إذ أكد البطريرك الماروني أنَّ هدف دعوته إلى عقد مؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان هو إعلان حياد البلاد التي يجب ألا تعود ضحية للصراعات، وذلك بعد تأكدهم من أن كل ما طُرح تم رفضه؛ لـ"بقاء الفوضى، وكي تسقط الدولة، ويتم الاستلاء على السلطة"، مشيراً إلى أنهم يريدون من المؤتمر الدولي تثبيت الكيان اللبناني، الذي قال إنه مُعرَّض جدياً للخطر، فضلاً عن أنه يهدف إلى "تجديد وجودنا السيادي، وإحياء هويتنا المعطلة"، وفق قوله.
أشار "الراعي" إلى أن خروج لبنان عن الحياد تسبب دائماً بانقسام اللبنانيين، مشيراً إلى أن كل الحلول الأخرى في لبنان وصلت إلى طريق مسدود، مضيفاً: "لو تمكن السياسيون من إجراء حوار مسؤول لَما طالبنا بعقد مؤتمر دولي برعاية أممية، ونحن لن نقبل أن يجوع الشعب ويعيش الفقر".
منع توطين الفلسطينيين
كما لفت البطريرك إلى أنه يريد من المؤتمر الدولي منع توطين الفلسطينيين، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مستطرداً بقوله: "إن عظمة حركات المقاومة أن تعمل بكنف الدولة.. فأين نحن من هذا؟ (…) لا يوجد جيشان أو جيوش في دولة واحدة، ولا شعبان في دولة واحدة".
إلا أن البطريرك الماروني أكد أن "الشراكة المسيحية الإسلامية في لبنان غير قابلة للمس"، وهنا قاطعه المشاركون في الفعالية بشعارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"ارحل ميشال عون"، و"حزب الله إرهابي"، على حد قولهم.
يشار إلى أن آلاف اللبنانيين توافدوا، السبت، من عدة مناطق بالبلاد إلى الصرح البطريركي، وسط تدابير أمنية مشددة، تأييداً لمواقف البطريرك الماروني الداعية إلى عقد مؤتمر دولي لدعم لبنان.
فيما حمل المؤيّدون لمواقف "الراعي"، لافتات كُتب عليها "بكركي لكل لبنان"، و"بكركي الشرعية"، و"لا للسلاح غير الشرعي"، مرددين هتافات منددة بـ"حزب الله"، من قبيل "ما بدنا (لا نريد) سلاح في لبنان إلا سلاح الجيش اللبناني".
جاء هذا الاحتشاد بدعوة من نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية.
سجالات حادة بين الفرقاء السياسيين
جدير بالذكر أن لبنان يعيش سجالات حادة بين الفرقاء السياسيين، أحدثها دعوة بشارة الراعي إلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لمعالجة الوضع المتأزم، وهو ما اعتبره البعض دعوة إلى "تدويل الملف اللبناني".
كان "الراعي" قد دعا، في 6 فبراير/شباط الجاري، خلال قداس، إلى "طرح قضية لبنان في مؤتمر دولي خاص، برعاية الأمم المتحدة، يثبّت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان، وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه والمس بشرعيته وتضع حداً لتعددية السلاح".
"حزب الله" حل بديلاً للقوات السورية!
إلى ذلك، رأى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع (مسيحي)، السبت، أن السلطة الحالية في جوهرها هي نفسها ما قبل عام 2005، معتبراً أن "حزب الله" حل بديلاً للقوات السورية بعد انسحابها من البلاد.
جعجع أكد، خلال مؤتمر صحفي عقده شمالي بيروت، أنه حتى لو تغيّرت بعض الوجوه حيث استُبدل إميل لحود (الرئيس الأسبق)، اليوم، بميشال عون، إلا أن السلطة في جوهرها هي نفسها تلك السلطة الأمنية السورية-اللبنانية، ولم يتغير سوى استبدال "حزب الله" بالقوات السورية بعد انسحابها عام 2005.
كان الجيش السوري قد انسحب في 26 أبريل/نيسان 2005، من لبنان، بعد وجودٍ عسكري منذ عام 1976.
تجدر الإشارة إلى أن عون وحزبه "التيار الوطني الحر" يعتبران من أهم حلفاء "حزب الله"، وساهم الأخير في وصول عون للرئاسة، عام 2016، بعد تبني ترشيحه.
بينما ردَّ جعجع على مَن يعتبر أنَّ اقتراح البطريرك بشارة الراعي، عقد مؤتمر دولي، يتعارض مع السيادة اللبنانية، قائلاً: "أكثر من ضرب هذه السيادة هم من يقولون كلاماً مشابهاً في الوقت الراهن"، مضيفاً: "عندما يستعين لبنان بأصدقائه في المجتمعين الدولي والعربي من أجل أن ينهض مجدداً، ليعود المواطن اللبناني للعيش بحد مقبول من الكرامة، فعندها يكون تعدياً على السيادة؟!".
ويصنَّف حزب جعجع على أنه من المناهضين لهيمنة "حزب الله" والمحور الإيراني على الساحة اللبنانية.
"دعوة إلى الحرب"
كما أطلق "الراعي"، في 17 أغسطس/ =آب 2020، وثيقة بعنوان "لبنان الحياد الناشط"، تؤكد ضرورة "تعزيز مفهوم الدولة اللبنانية، من خلال جيش قوي، وقضاء مستقل، ومؤسسات قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والدفاع عن الأرض ضد أي اعتداء، سواء من إسرائيل أو غيرها".
لكن الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، اعتبر في كلمة متلفزة، الثلاثاء 23 فبراير/شباط 2021، أن التهديد بتدويل أزمة لبنان أممياً "دعوة إلى الحرب، واستدعاء لقوات احتلال (لم يسمها)"، مُحذراً من أن ذلك "قد يصب في مصلحة إسرائيل".
يشار إلى أن الحزب يمتلك أسلحة متطورة وصواريخ، الأمر الذي شكَّل خلافاً بين الأطراف اللبنانية بين مؤيد بدعوى "مواجهة إسرائيل"، ومن يعتبره سلاحاً غير شرعي، ويطالب بحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة فقط.
وعلى أثر الخلافات بين القوى السياسية اللبنانية، لم تتمكن البلاد حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة، منذ أن استقالت حكومة تصريف الأعمال الراهنة برئاسة حسان دياب، في 10 أغسطس/آب 2020، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت.
فيما دعا قرار أصدره مجلس الأمن في سبتمبر/أيلول 2004، إلى نزع سلاح المليشيات اللبنانية.