كشفت صحيفة The Times البريطانية أن سيدة أعمال بريطانية واثنين من أفراد مشاة البحرية الملكية السابقين قد وردت أسماؤهم في تقرير للأمم المتحدة يتهمهم، إلى جانب أحد أقرب مستشاري الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالمشاركة في خطة فاشلة كانت تهدف إلى دعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وتتضمن خطف أو قتل خصومه.
دعم عسكري لحفتر
وفقاً للصحيفة، فإن العملية التي أُطلق عليها اسم "بروجيكت أوبوس" Project Opus، تضمنت تزويد قوات متمردة ليبية كانت تحت قيادة حفتر بطائرات هليكوبتر عسكرية و20 مرتزقاً لدعم هجوم مفترض على الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس في صيف عام 2019.
مع ذلك، فقد تعثرت الخطة عندما استعصى الوصول إلى كثير من المعدات المخطط توفيرها. واضطرت المجموعة إلى القيام بعملية إخلاء ليلية بقوا فيها على متن قوارب مطاطية لمدة 39 ساعة في عرض البحر الأبيض المتوسط، بحسب ما تنقله الصحيفة عن التقرير، وفي مقابلة حصرية مع صحيفة The Times، فيما يروي أحد المشاركين في العملية ميدانياً في ليبيا لأول مرة تفاصيل انهيار المؤامرة.
من جهة أخرى، يبيّن التقرير المقدم إلى لجنة عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن حفتر، الذي كان مدعوماً من روسيا والإمارات في ذلك الوقت، دفع 80 مليون دولار للعملية.
فيما تشير تحقيقات الأمم المتحدة إلى ما كشف عنه عرضٌ تقديمي في صورة ملف "باور بوينت" بشأن العملية، إذ يفضح الملف الذي تناول الإطار العام للعملية أن دور فريق المرتزقة لم يقتصر على توفير طائرات هليكوبتر هجومية وتقديم الدعم العسكري للواء حفتر فحسب، بل تضمن أيضاً عملَ الفريق على تجميع قائمة بأسماء الشخصيات التي يراها حفتر معادية له ويمكن اختطافهم أو اغتيالهم للسيطرة على طرابلس. وقد احتوت القائمة على أسماء اثنين يحملان جنسيات أوروبية.
اتهامات بحظر تصدير الأسلحة المفروض على ليبيا
كما اتهم التقرير المؤلف من 500 صفحة الصادر عن محققي الأمم المتحدة سبعة أشخاص بانتهاك حظر تصدير الأسلحة المفروض على ليبيا، ويأتي من بين هؤلاء إريك برنس، مستشار ترامب ومؤسس شركة "بلاك ووتر" العسكرية الخاصة.
بالإضافة إلى ذلك، يتهم التقرير أماندا كيت بيري، البالغة من العمر 45 عاماً، وهي سيدة أعمال بريطانية مقيمة في دبي، بانتهاك العقوبات وعدم تقديم معلومات عن أنشطة الميليشيات المسلحة في ليبيا.
السيدة المذكورة هي الرئيسة التنفيذية لشركة "أوبوس كابيتال" Opus Capital Management التي يبدو أنها كانت مسؤولة عن التنسيق للعملية، وفقاً للتقرير. ولم تتمكن صحيفة The Times من الوصول إلى بيري، كما يسجّل التقرير أنها رفضت تقديم معلومات للمحققين بزعم أنها لا تستطيع تذكر أي تفاصيل.
ويذكر التقرير أن العملية شارك فيها 20 مرتزقاً تمثل ليبيا نقطة التقائهم جواً وبحراً. وخمسة من هؤلاء كانوا بريطانيين. وبحسب التقرير، فقد قيل إن القائد البري للعملية هو ستيفن لودج، 49 عاماً، وهو متعاقد عسكري مع وزارة الدفاع البريطانية ويقيم في المملكة المتحدة.
وبحسب التقرير، فقد انطلق مشروع العملية في ليبيا في 25 يونيو/حزيران 2019، عندما هبطت طائرة استطلاع من طراز "بيلاتوس بي سي 6" في مدينة بنغازي. وقال المحققون إن اثنين من مشاة البحرية الملكية البريطانية السابقين، هما أندرو سكوت ريتشي الذي يبلغ من العمر 41 عاماً وشون كالاهان لو البالغ من العمر 37 عاماً، قد وصلا بعد يومين.
ويقال إنهم سافروا جواً إلى مالطا وتحصلوا على زورقين عسكريين. لكن في غضون أيام بعد ذلك، انهارت الخطة. وقد عُثر على القوارب، أحدها مهجور قبالة السواحل الليبية، والآخر يحمل جميع المرتزقة العشرين قبالة مالطا.
ويشير التقرير، نقلاً عن المرتزق الذي تحدث إلى صحيفة The Times شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن فريق الدعم عاد إلى دبي دون سابق إنذار.
شركة أمريكية متورطة في انتهاك حظر الاسلحة
وفي وقت سابق، كشفت صحيفة The New York Times الأمريكية، الجمعة 19 فبراير/شباط 2021، أن إريك برنس، الرئيس السابق لشركة "بلاك ووتر" الأمريكية، انتهك حظر السلاح على ليبيا بإرسال مرتزقة مزودين بطائرات مسيرة هجومية وزوارق حربية إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كما أمده بقدرات لشن حرب إلكترونية، وذلك عشية الهجوم الذي نفذته ميليشيات الجنرال على طرابلس عام 2019.
ووفقاً لتقرير سري أعده محققون في الأمم المتحدة، فإن العملية التي كلفت 80 مليون دولار، شملت أيضاً تخطيط المرتزقة لتشكيل مجموعة تهدف لملاحقة قادة عسكريين ليبيين وقتلهم، بعد السيطرة على القسم الغربي من ليبيا.
بحسب الصحيفة، فإن التقرير السري الذي سلمه المحققون إلى مجلس الأمن الخميس الماضي، وثق سفر شخص على مقربة كبيرة من إريك برنس إلى الأردن لشراء طائرات كوبرا من الجيش الأردني، وهو ما يتطلب عادة إذناً من الحكومة الأمريكية.
وأضافت الصحيفة -نقلاً عن التحقيق الأممي- أن الرجل حاول طمأنة مسؤولين أردنيين بأن عمله مصادق عليه من أعلى الجهات، ولكن الجانب الأردني لم يقتنع وأوقف صفقة البيع، ما أجبر برنس على التوجه إلى جنوب إفريقيا.
كما كشف التقرير أن برنس نشر قوة من المرتزقة الأجانب، مسلحة بطائرات هجومية وزوارق حربية وقدرات لشن حرب إلكترونية، في شرق ليبيا، في ذروة المعركة التي شنتها ميليشيا خليفة حفتر على العاصمة طرابلس عام 2019.
بحسب التقرير، فإن قوات الكوماندوز المأجورة هبطت في بنغازي، في يونيو/حزيران 2019، ورتبت لشراء كل سلاح وأداة لازمة للهجوم على حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دولياً.
فوضى لدى قوات حفتر
وفي الوثائق الذي كشف عنها التقرير، تورد شركة "أوبوس كابيتال" أن محاولة لشراء "ذخيرة جوية وأسلحة وذخيرة أرضية ومعدات رؤية ليلية" قد منعتها الحكومة الأردنية، إذ يقول التقرير إن المرتزقة تقطعت بهم السبل في الأردن وهم يحاولون يائسين سرقة طائرات هليكوبتر بديلة.
وبحلول الوقت الذي وصلوا فيه إلى بنغازي، وجد المرتزقة قوات حفتر وقد وقعت في حالة من الفوضى، وقُتل العديد من الشخصيات العسكرية الأكثر خبرة بين قوات حفتر المتمردة.
وعندما وصلت أولى الطائرات الهليكوبتر الثلاثة من طراز "بوما" المفترض توفيرها، في 29 يونيو/حزيران، أصاب الذهول قوات حفتر. إذ وفقاً لتحقيق الأمم المتحدة، فإن الطائرة القديمة المتهالكة التي جاءت من بوتسوانا لم يكن لديها ما تقدمه لتبرير مبلغ 80 مليون دولار الذي أنفق على العملية. وتبعَ ذلك خلاف محتدم، حيث هدد نجل حفتر المجموعة والمسؤولين عنها في دبي.
فيما خضعت مجموعة المرتزقة لمراقبة دائمة من قوات حراسة مسلحة. لكنهم نجحوا في تزويد القوارب بالوقود، وفي الساعة 9:30 مساءً تحججوا بتفتيش القوارب. هربت المجموعة، لكن مع وصولها إلى مدخل المرفأ تعطلت محركاتها.
ولمدة 39 ساعة، لجأوا إلى أحد القاربين لسحب الآخر، قبل أن يكتشفوا أن قاع أحد القوارب كان به وقود. ويقول المرتزق إنهم تركوا ثلاث طائرات هليكوبتر من طراز "بوما" وثلاث طائرات من طراز "غازيل" لقوات حفتر.
مع ذلك، يقول المرتزق إن المجموعة لم تشاهد العرض التقديمي ولم تكن على علم بالقائمة المعدة لاغتيال شخصيات. وعندما سُئل عن المواطنين الأوروبيين الواردين في قائمة الأهداف، قال: "كثير من مواطني الاتحاد الأوروبي ليسوا أشخاصاً صالحين، ويمكن أن يكونوا إرهابيين"، ويختتم مقال الصحيفة بالإشارة إلى أنه من المتوقع أن تتعرض المملكة المتحدة ودول عضوة أخرى في لجنة العقوبات لضغوطٍ للتصرف بناء على نتائج تقرير الأمم المتحدة.