على وقع استمرار أزمة التعديل الوزاري بالبلاد، طرح رئيس حركة "النهضة" التونسية، رئيس البرلمان راشد الغنوشي، السبت 20 فبراير/شباط 2021، مبادرة لحل الأزمة السياسية بالبلاد.
حيث كشف الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، فتحي العيادي، أن الغنوشي وجّه صباح السبت، رسالة إلى الرئيس قيس سعيّد يدعوه فيها إلى عقد لقاء ثلاثي (بين الرئاسات الثلاث البرلمان والجمهورية والحكومة) يشرف عليه هو (سعيد)، وذلك في أقرب وقت، بهدف حل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.
يأتي ذلك فيما تتواصل بتونس أزمة التعديل الحكومي بين رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس الجمهورية قيس سعيد، منذ نحو شهر.
العيادي قال إن مبادرة الغنوشي تأتي تقديراً منه بأن البلاد تعيش أزمات كثيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والصحي، ولكنها بحاجة لما هو أهم وهو التهدئة وتنمية روح التضامن الوطني، مؤكداً أن المبادرة "تأمل من رئيس الدولة وباعتباره رمز وحدتها أن يسعى إلى تأليف وجمع كلمة التونسيين وبث الروح الوطنية في هذه اللحظة العسيرة من تاريخ التجربة التونسية".
كما أضاف العيادي، في تصريحات لوكالة الأناضول، أن هذه المبادرة تأتي للبحث عن توافقات ضرورية لحل الأزمة السياسية التي أكد أنها تمثل عائقاً أمام أي حل لبقية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، منوهاً إلى أنه "في هذه المبادرة دعوة للرشد والتعقل والحكمة ووقف سير البلاد نحو الهاوية".
إقالة 5 وزراء مُقربين من الرئيس
كان المشيشي قد أعلن، الإثنين 15 فبراير/شباط 2021، إقالة 5 وزراء مقربين من الرئيس من حكومته، وكلّف آخرين بالإشراف على وزاراتهم بالنيابة، لحين تعيين وزراء جدد، في خطوة يرى البعض أنها قد تزيد من حدة التوتر بين سعيد والمشيشي بشأن تشكيل الحكومة.
وبحسب بيان صادر عن الحكومة التونسية، فإن المشيشي في انتظار استكمال إجراءات التعديل الوزاري، الذي نال بمقتضاه الوزراء ثقة مجلس نواب الشعب، بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2021، فيما بدت بوادر التفاتة على رفض قيس سعيد للوزراء الجدد، الذين عيّنهم المشيشي في حكومته لتشكيل حكومته، والذين أصبحوا الآن في قائمة الانتظار دون أن يتخلى عنهم رئيس الحكومة.
آنذاك، دعا الغنوشي جميع الأطراف إلى التعامل بمرونة وعدم تعطيل مصالح الدولة والمجتمع، معتبراً خطوة المشيشي بأنها "حل مؤقت، والحل (الجذري) هو في تشكيل المحكمة الدستورية (تعطل تشكيلها أكثر من 5 سنوات بسبب غياب التوافق)، وإلى أن يتم ذلك يجب على كل الأطراف التعامل بمرونة حتى لا تتعطل الدولة ومصالح المجتمع".
"تجاهل بعض أحكام الدستور"
في المقابل، اتَّهم الرئيس التونسي، يوم الإثنين 15 فبراير/شباط 2021، المشيشي بـ"تجاهل بعض أحكام الدستور" في التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه.
حيث ذكرت الرئاسة التونسية في بيان سابق لها، أن سعيد وجّه إلى المشيشي كتاباً يتعلّق بالجوانب القانونية للتعديل الوزاري.
تضمَّن هذا الكتاب أيضاً تذكيراً بجملة من المبادئ المتعلقة بضرورة أن تكون السلطة السياسية في تونس معبّرة عن الإرادة الحقيقية للشعب، ومؤكداً أن "أداء اليمين (للوزراء الجدد) لا يُقاس بمقاييس الإجراءات الشكلية أو الجوهرية، بل بالالتزام بما ورد في نصّ القَسَم، وبالآثار التي ستترتب عليه، لا في الحياة الدنيا فقط، ولكن حين يقف من أدّاها بين يدي أعدل العادلين"، بحسب البيان الرئاسي.
العمل على إيجاد جميع الحلول الممكنة
إلا أن المشيشي سبق أن صرّح، الجمعة 12 فبراير/شباط 2021، بأن باب الحوار لا يزال مفتوحاً للوصول إلى حلول لأزمة التعديل الوزاري، وأداء اليمين الدستورية، مؤكداً أنه يعمل على إيجاد جميع الحلول الممكنة لحلحلة تلك الأزمة، ومن ضمنها المضي في العمل بحكومة مصغرة تضم 16 وزيراً؛ لضمان تسيير شؤون البلاد، مؤكداً أنه لن يستقيل من منصبه.
ففي تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية، عبّر المشيشي عن أمله في أن يتفاعل الرئيس في أسرع وقت ممكن، مع طلب الحكومة الكشف عن أسماء الوزراء المقترحين محل التحفظ، والذين سبق أن قال بحقهم سعيد إن هناك شبهات فساد تلاحق بعضهم، فضلاً عن تضارب المصالح، لكنه لم يسمّهم.
المشيشي شدّد على أنه لن يستقيل، لأنه يعتبر نفسه جندياً في خدمة بلاده، معتبراً أن ذلك "واجب تجاه مؤسسات الدولة، والجندي لا يهرب"، مشدّداً على أن الوضع لا يمكن أن يطول أكثر من ذلك.
سبب تعطل مصالح الدولة
كما اعتبر المشيشي إصرار رئيس الجمهورية على رفضه استقبال الوزراء المعنيين بالتعديل الوزاري، والذين نالوا سابقاً موافقة وتأييد البرلمان، سبباً رئيسياً في تعطيل المرفق العمومي ومصالح الدولة.
يُذكر أنه في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن المشيشي تعديلاً شمل 11 حقيبة وزارية من 25، وبعد 10 أيام صدّق عليه البرلمان، لكن سعيّد لم يدعُ الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، وهو ما أحدث أزمة سياسية جديدة بالبلاد.
كان سعيّد قد انتقد يوم الأربعاء 10 فبراير/شباط 2021، في لقاء مع نواب بالبرلمان، محاولة البحث عما وصفه بـ"مخرج قانوني مستحيل لأزمة اليمين الدستورية"، مجدداً قوله إن التعديل الوزاري تشوبه خروقات عديدة، وإنه حريص على تطبيق الدستور، كما قال.
يشار إلى أن الحزام البرلماني لحكومة المشيشي يتشكل من كتل حركة النهضة (54 مقعداً)، وقلب تونس (29 مقعداً)، والإصلاح (18 مقعداً)، وتحيا تونس (10 مقاعد)، والكتلة الوطنية (9 مقاعد)، وعدد من المستقلين.
يجدر الإشارة إلى أن حركة "النهضة" أعلنت، الخميس 11 فبراير/شباط 2021، أنها ستدعو أنصارها إلى النزول للشارع، دعماً للتجربة الديمقراطية، على خلفية ما تعيشه البلاد من "أزمة دستورية".
رغم أن المظاهرات لم يحدَّد لها موعد "نهائي" بعد، فإن مجرد اللجوء إلى الاحتجاج والتلويح به أثار جدلاً بالشارع التونسي، في ظل الأوضاع الراهنة.
لكن الناطق الرسمي باسم حركة النهضة قال إنهم يتشاورون مع مختلف القوى الوطنية والأحزاب السياسية لتنظيم الحراك في الشارع، مشيراً إلى أنهم اقترحوا موعداً أولياً للتظاهر، يوم 27 فبراير/شباط الجاري، ويمكن أن تعدل المشاورات الموعد إما بالتقديم وإما بالتأخير.
إضافة إلى الأزمة السياسية، تعاني تونس من أزمة اقتصادية، زاد تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) من حدتها، إلى جانب احتجاجات اجتماعية تشهدها مختلف مناطق البلاد، بين الفينة والأخرى.