قالت صحيفة The Times البريطانية، الجمعة 19 فبراير/شباط 2021، إن علماء وكالة "ناسا" الفضائية الأمريكية يعملون من منازلهم بحثاً عن حياة على كوكب المريخ، إذ تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد، في إنجاز أعمالهم من على طاولات مطابخهم، ومكاتب غرف النوم، وواحد منهم على الأقل تابع عمله من غرفة الغسيل مع أزيز الغسالة يعلو في الخلفية، وفي وسط ضجيج جدال الأطفال والحيوانات الأليفة، وغيرها من التحديات العائلية.
رغم هذا، نجح "فريق بعثة مارس 2020″، التابع لوكالة ناسا، والذي يضم آلاف المُكلَّفين في ظل ظروف الوباء، في بناء المركبة الجوالة Perseverance، وإطلاقها ثم إيصالها إلى المريخ للبحث عن الحياة، وذلك في تحقيق أصعب إنجاز وأكثره طموحاً لاكتشاف آثار الحياة في عالم آخر، حسب الصحيفة البريطانية.
يشار إلى أن مركبة الفضاء (Perseverance) اخترقت الغلاف الجوي للمريخ، الخميس 18 فبراير/شباط 2021، وهبطت بسلام على سطح حفرة شاسعة.
عام من العمل المنزلي
من جهته، قال جون ماكنامي، مدير مشروع البعثة: "أزعم أنك إذا بحثت عن كلمة (المثابرة) في القاموس، فستجد وجوه كل هؤلاء الأشخاص"، مشيراً إلى زملائه بجانبه في مختبر الدفع النفاث التابع لـ"ناسا"، وأعضاء فريقه المُطلّين من منازلهم عبر تقنية الفيديو كونفرانس.
ففي الوقت الذي عَمِل فيه فريق أساسي من مختبر الدفع النفاث، عمِل الباقون من المنزل لمدة عام تقريباً. ووُضِع روبوت في مختبر الدفع النفاث، بإمكان المهندسين والعلماء الذين يعملون عن بُعد تسجيل الدخول عليه، ونشر وجوههم على شاشته، وتحريكه عبر الغرفة إلى مكاتب الزملاء؛ لإجراء محادثات تخطيطية.
بدورها، أكدت جينيفر تروسبير، نائبة مدير المشروع، أنها عملت من غرفة الغسيل الخاصة بها خلال الأشهر العديدة الماضية، بينما يحضر أطفالها صفوفهم المدرسية عبر تطبيق زووم، ويدخلون إلى الغرفة وهي تعمل، منوهة إلى أن زملاءها قالوا إنهم لا يستطيعون سماعها بسبب صوت الغسالة، مضيفة: "ليست هذه هي الطريقة التي نُصمِّم بها عادةً مَهمة إلى المريخ".
أول محطة بحثاً عن حياة بالمريخ
كانت بعثة "مارس 2020″ قد أقلعت في نهاية يوليو/تموز الماضي، من ولاية فلوريدا الأمريكية، على المسبار "برسفيرنس"، وهو الأكبر والأكثر تطوراً بين المركبات التي أُرسلت حتى اليوم إلى كوكب المريخ.
حيث قطعت المركبة، في رحلتها الطويلة بالفضاء، 472 مليون كيلومتر بسرعة 19 ألف كيلومتر في الساعة، لتبدأ الاقتراب من نقطة الهبوط على سطح المريخ، وذلك في أول محطة لها بحثاً عن علامات على حياة ميكروبية قديمة على الكوكب الأحمر.
ومن أمام لوحة المفاتيح بغرفة التحكم الرئيسية في الطابق الأرضي بمختبر الدفع النفاث في باسادينا بولاية كاليفورنيا، عَكَف فريق الدخول والنزول والهبوط على مراقبة الإشارات الدالة على أنَّ مئات الآلاف من الأجزاء الإلكترونية وأميالاً من الموصلات النحاسية، و70 جهازاً نارياً، وأنظمة حرجة في المركبة الفضائية تؤدي وظيفتها على أكمل وجه. هل انطلقت المركبة الجوالة ذات الدفع الصاروخي؟ هل اشتعلت أجهزة دفعها؟ هل نُشِرَت الرافعة الجوية المسؤولة عن هبوط المركبة على السطح؟
بينما صمد في الجزء الخلفي من غرفة التحكم، توماس زوربوخين، المدير المساعد للعلوم في وكالة ناسا، لمدة خمس ثوانٍ بعد نداء الهبوط قبل تساقط دموعه، متذكراً كلمات زميله قبل 20 دقيقة، والذي ذكَّر الفريق الأساسي المُجتَمِع في مختبر الدفع النفاث: "هذه هي المرة الأولى منذ شهور التي نكون فيها جميعاً في الغرفة نفسها".
إذ قال زوربوخين: "صراحةً، غالبتني مشاعري. أريد إخباركم جميعاً كم أنا فخور ومتأثر بهذا الفريق. اضطررت إلى حضن البعض، آسف لذلك"، مشيراً إلى أنه عانى ليلة من الأرق عشية الهبوط ونهض من السرير مرتين لتغيير قمصانه المبللة بالعرق من كثرة التوتر. وتابع: "كنت أقول لنفسي إنني هادئ جداً، لكن من الواضح أن جسدي لم يكن كذلك".
البعثة التاسعة على سطح المريخ
لكن مدير مشروع البعثة، جون ماكنامي، لم يكن لديه مثل هذه المشكلات. وقال إنه على ثقة تامة بأن ناسا ستنجح في بعثتها التاسعة على سطح المريخ، ومركبة Perseverance هي المركبة الجوالة الخامسة، لدرجة أنني "نمت بعمق كالطفل. ومارست القليل من التمارين، وتناولت الإفطار، ثم هبطت على سطح المريخ"، وهز كتفيه كأنه أمر بسيط، قائلاً: "بشكل عام، يوم جيد جداً حتى الآن".
تجدر الإشارة إلى أن علماء ناسا وضعوا تعريفاً جديداً للعمل من المنزل من خلال مواصلتهم استكشاف كوكب المريخ، من داخل منازلهم، حيث إنَّ فرقها عادةً ما كانوا موجودين داخل غرف واحدة، ويتشاركون شاشات العرض، والصور، والبيانات، لكن الآن عليهم القيام بذلك باستخدام خدمات الإنترنت وغرف الدردشة، بحسب تقرير سابق نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
كانت ناسا قد بدأت التخطيط من أجل أن يكون باحثوها قادرين على العمل من المنزل بداية من مارس/آذار 2020، وبحلول يوم 20 مارس/آذار من العام نفسه جرى تنفيذ أول مهمة عن بُعد بشكل كامل، وأرسلت سماعات الرأس وشاشات الرصد وغيرها من المعدات إلى منازل العلماء.
فمنذ إعلان تدابير الإغلاق والعزل لمواجهة انتشار فيروس كورونا، اضطر كثيرون إلى العمل من منازلهم، وذلك من أجل تقليل خطر التعرض للإصابة بالفيروس التاجي.
صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أشارت إلى أن بعض فرق ناسا تؤدي المهام نفسها المنوطة بها من خلال عقد عدة مؤتمرات "فيديو كونفرانس"، ويعتمدون أكثر على تطبيقات التراسل، موضحةً أن الأمر يستغرق جهوداً إضافية للتأكد من أن الجميع يفهمون بعضهم، وفي المتوسط، يستغرق التخطيط اليومي ساعة أو ساعتين إضافيتين عما كان يستغرق في الأوقات العادية.