ما زال تداول قصص اعتناق الإسلام من قِبَل أوروبيين يخلق الجدل، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشاهير ومؤثرين. ولعل ما يجعل الأمر مثيراً في إسلامهم، أن أوروبا اليوم تعرف تصاعد التيار اليميني المتطرف المهاجم للإسلام.
تصاعد اليمين المتطرف، إضافة إلى تصريحات ساسة أوروبا المناهضة للإسلام، وتغييرات في القوانين بهدف تضييق الخناق على ممارسة المسلمين لشعائر دينهم في مختلف البلدان الأوروبية، كل هذا لا يمنع الكثير من الأوروبيين من إعلان اعتناق دين جديد غير مرحَّب به في بلدانهم.
"الحرب على الإسلام دافعها سياسي"
بداية شهر فبراير/شباط 2021، أعلن اليوتيوبر الألماني كريستيان بيتزمان إسلامه على قناته على موقع يوتيوب، هذا المؤثر الذي يُعرف بنشاطه وفيديوهاته التي توثق لرحلاته حول العالم. آخر محطة توقف فيها كريستيان كانت باكستان، حيث أمضى عاماً كاملاً يتعرف فيه على ثقافة جديدة وأسلوب حياة مختلف ودين الإسلام.
يقول كريستيان، في تصريحات خصَّ بها "عربي بوست": "نشأت في أوروبا، حيث يتم ربط الإسلام دائماً بالحرب والإرهاب، وأعتقد أن الدعاية السياسية ضد الإسلام أقل استناداً إلى الدين، وأكثر اعتماداً على الوضع السياسي واعتبارات اقتصادية، مثلاً الثروة النفطية التي تصادف وجودها في البلدان الإسلامية مثل العراق وإيران وأفغانستان".
وأضاف كريستيان أنه "خلال الفترة التي أمضيتها في باكستان، التقيت بالعديد من الأشخاص الملهمين، وعشت معهم لمدة عام تقريباً، مما ألهمني لإيجاد علاقة أعمق بيني وبين الله"، مؤكداً أنه بعد تأدية الشهادتين صار "متحمساً جداً"، معتبراً أن "الإسلام دين سلام، فقد حظيت بأحرِّ ترحيب، وأشعر بسعادةٍ غامرة بعد هذا الاختيار".
ويؤكد المدوّن الألماني الشاب أنه لا يزال في المراحل الأولى من رحلته، "لكني أتعلم شيئاً جديداً كل يوم"، موضحاً أنه "لن يشارك على وسائل التواصل الاجتماعي كل شيء حول الموضوع، خاصة ما يراه خاصاً في علاقته مع الله".
وقال المدوّن الشاب: "لم أكن متديناً أبداً، كنت أؤمن دائماً بالله وأحترم كل دين، وقرار اعتناقي للإسلام لم يلقَ أي رد فعل سلبي من العائلة والمقربين، بل حظيت بدعمهم، وتمنوا لي التوفيق في اختياري".
"الإسلام لا يُحدّ من حريتك"
وعما يتعرض له الإسلام والمسلمون في مختلف بلدان العالم من تضييق، قال المدون الألماني كريستيان إن "الدين يُصنف بناءً على عددٍ قليل من الأفعال الخاطئة التي يقوم بها البعض، هناك أناس طيبون وسيئون في كل مكان، ولا ينبغي أن نلوم العِرق أو الثقافة أو الدين بأكمله، كما أن وسائل الإعلام الغربية تصوّر الإسلام بشكل سلبي، لكنهم لا يُظهرون الأشخاص الطيبين والمرحبين الذين يعاملونك كجزء من أسرتهم".
وأكد المتحدث أنه ضد قرار حظر الحجاب في بلدان أوروبا، معتبراً أنه "لا ينبغي إجبار أي شخص على تغيير أسلوب حياته أو ملابسه أو سلوكه، فمن المحزن أن يعاني الناس بسبب معتقداتهم".
واعتبر الشاب الألماني أن "الإسهام في نشر معلومات حول التسامح الديني على وسائل التواصل الاجتماعي، سيكون مفيداً لتقبل الإسلام أكثر، ويساهم في محو الصورة القاتمة التي روَّجتها وسائل الإعلام حول الدين سابقاً".
واعتبر المتحدث أن "الناس يربطون الإسلام بأسلوب حياة صارم، وهو أمر غير صحيح"، مبرزاً أنه "من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بي، سأظهر للجميع أنه يمكنك التمتع بنفس الحرية والمتعة في الحياة وأنت مسلم".
كريستوف: الإرهاب لا علاقة له بالإسلام
بعدما كان بلده يرفع شعارات الحرية الفردية، انقلبت فرنسا اليوم إلى بلد ينبذ المختلفين عن هوية الأغلبية فيها، ويتجلى الأمر عبر القوانين الجديدة وتصريحات ساسة البلاد بداية من الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي جعل حروبه السياسية مع خصومه تستند على ورقة محاربة الإسلام في البلد، دون أدنى احترام للأعداد الهائلة منهم المكونة للمجتمع الفرنسي.
"أعتقد أن الإسلام هو كبش الفداء المثالي لمصالحهم السياسية"، هكذا علق كريستوف، شاب فرنسي أسلم منذ 7 سنوات، على موضوع محاربة الإسلام ومهاجمته في البلدان الأوروبية.
وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست": "أنا أتفق مع محاربة التطرف، لأن ما يفعله بعض الناس باسم الإسلام لا علاقة له بهذا الدين على الإطلاق، وخلط السياسيين بين المسلمين والإرهابيين أمر مؤسف".
وعلَّق كريستوف على موضوع حظر الحجاب في بلده بالقول إن "فرنسا بلد علماني، عليه احترام حرية الآخرين في ارتداء ما يريدون، وإن كنا سنمنع المحجبات من ارتداء الحجاب، فعلى الراهبات أيضاً أن يزلن غطاء الرأس الذي يرتدينه".
وأشار المتحدث إلى أن "ما يحصل في بلادي من تراجعات حقوقية أتمنى أن تعود فرنسا لما كانت عليه، شعلة للديمقراطية والحرية لها سمعة يفخر بها الإنسان".
رحلة اكتشاف الدين
يقول كريستوف: "اعتنقت الإسلام في 2014 وعمري 32 عاماً، قبل ذلك كنت أستهلك المشروبات الكحولية باستمرار وأدخن المخدرات، حتى إني لم أكن أعمل وأعيش مع والدتي. باختصار، لم تكن حياتي مستقرة ومتوازنة".
وأضاف المتحدث أنه "عشية رأس السنة الجديدة، 31 ديسمبر/كانون الأول 2013 قرر جعل العام الجديد بداية تغيير فارق في حياته، من خلال رغبته في التخلي عن التسكع والشرب وبدء حياة أكثر اتزاناً".
وترعرع كريستوف مع أصدقاء معظمهم من أصل شمال إفريقي، لذلك عرف القليل عن الدين الإسلامي.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إن "بعض الأصدقاء المسلمين حاولوا تعريفي بدينهم وإقناعي باعتناقه، لكني لم أهتم أبداً، وكنت أجيبهم بأنه لن أفعل ذلك إلا عن قناعة ورغبة كبيرة، لكن بعد قرار التغيير الذي اتخذته، عدت للتفكير في مقترح أصدقائي، وطلب مشورة بعضهم لأفضل الطرق للتعرف على الدين الإسلامي".
يقول الشاب الفرنسي: "بدأت بقراءة ومشاهدة مقاطع فيديو عن قصص الأنبياء والرسل المذكورة في القرآن، وتأثرت بسلوكهم وشخصيتهم في مواجهة المصاعب، وبعد حوالي شهر بدأت في قراءة القرآن الذي أهداه لي صديق مسلم، والذي طلب منّي غسل يدي ووجهي كل مرة قبل قراءته، ثم بدأت أذهب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة بدافع الفضول، لم أكن أعرف ما يجب القيام به، كانت المرة الأولى الأصعب على الإطلاق، لكني كررت ذلك عدة مرات".
الإسلام جعلني أفضل
مرَّ الوقت وكريستوف يحاول تعلم المزيد عن الإسلام: "لقد وجدت أنه يمثل أسلوب حياة يناسبني تماماً، وأن كل المحظورات في الإسلام هي ما تجعل من حياتي فوضى عارمة، حينها اكتشفت أن هذا الدين يناديني".
قرر الشاب الفرنسي أن يسأل والدته عن رأيها في فكرة تغيير دينه، وأجابته بوضوح أنها "فكرة سيئة"، والسبب حسب المتحدث "أنها كانت خائفة من كل ما رأته وسمعته في وسائل الإعلام عن الإسلام من أفكار سلبية، بعد ذلك قررت أن أجرب صيام شهر رمضان، وهنا كان رد فعل والدتي مشجعاً، وقالت إنها ستساعدني بطبخ حلال، لكنها استمرت في التعليق على قيامي بالتدريب على أداء الصلاة وهو ما كان يشوِّش أفكاري".
وأضاف المتحدث: خلال أول أيام رمضان عرض عليَّ صديق مرافقته لصلاة العصر، وهناك اقتنعت بتأدية الشهادتين، وصرت مسلماً، وهو أكثر شيء فخور به في حياتي. وباستمرار تعلمي المزيد حول الدين استمرت حياتي بالتغيير، إلى أن قالت أمي يوماً: "منذ أن اعتنقت هذا الدين أصبحت إنساناً أفضل، وكانت هذه الجملة أفضل مديح سمعته على الإطلاق".