كشفت دراسة علمية هامة أجرتها "هيئة خدمات الصحة البريطانية" (NHS)، أن الأشعة المقطعية من الممكن أن تُسهم في إنقاذ أرواح الملايين، لقدرتها على كشف الإصابة بسرطان الرئة وتشخصيه قبل أن يصبح متعذر الشفاء.
الدراسة أشارت إلى أن الأشعة المقطعية يمكنها رصد واكتشاف 70% من حالات الإصابة بسرطان الرئة في مرحلة مبكرة.
توضح الدراسة أن خضوع المدخنين الحاليين والسابقين لفحص صدري بالأشعة المقطعية يكشف عن الأورام السرطانية في الرئة، في حال وجودها وهي في مرحلتها المبكرة التي يمكن إزالتها خلالها، بدلاً من الاستمرار في النمو دون أن يلاحظها أحد، وذلك بحسب ما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، الأحد 14 فبراير/شباط 2021.
إزاء ذلك، طالب خبراء الصحة الحكومة -بناء على تلك الدراسة- باتخاذ خطوات لإتاحة فحوص الأشعة المقطعية بطريقة روتينية للمدخنين الحاليين والسابقين، من أجل خفض عدد الوفيات الهائل بسرطان الرئة، حيث يتم تشخيص نحو 48 ألف إصابة سنوياً بالمرض في المملكة المتحدة وحدها، ويموت 35,100 شخص، بمعدل 96 شخصاً كل يوم.
أحد أشرس أنواع السرطانات
يشار إلى أن سرطان الرئة هو أحد أشرس أنواع السرطانات، لأنه يصعب اكتشافه، ويتم تشخيص ثلاث من كل أربع حالات إصابة به في المرحلة الثالثة أو الرابعة، عندما يكون قد فات الأوان بالفعل لتقديم علاج ينطوي على إمكانية كبيرة لإنقاذ حياة المريض.
ووفقاً لأحدث تقرير لمنظمة الصحة العالمية، يتسبب سرطان الرئة في وفاة أكثر من 8.1 مليون شخص في العالم سنوياً.
إلا أن الدراسة، التي قام بها متخصصون في سرطان الرئة في مستشفى جامعة كوليدج لندن، التابع لأمانة هيئة خدمات الصحة البريطانية، أشارت إلى أن عمليات المسح الدورية يمكن أن تكشف عن نمو السرطان في الرئتين بمجرد أن يكون المرض في المرحلة الأولى أو الثانية، ولذلك يطالب خبراء الصحة الآن الحكومة البريطانية بإجراء فحص روتيني بالأشعة المقطعية للمدخنين والمدخنين السابقين.
تهدف تلك المطالبة إلى الكشف المبكر عن سرطان الرئة بين المرضى الأكثر عرضة لخطر الإصابة به -من المدخنين خصوصاً- والعمل على تطوير اختبارات دم بسيطة تسهم في الكشف المبكر عن أنواع مختلفة من السرطان، منها سرطان الرئة.
أمل حقيقي في الشفاء
فيما تُقدّم هذه الدراسة أملاً حقيقياً في أن سرطان الرئة يمكن أن يصبح أحد الاعتلالات التي يتم اكتشافها مبكراً.
كذلك توضح الدراسة أن الاعتماد الأخير على التصوير المقطعي المحوسب يكشف عن 70% من حالات الإصابة في رئتي الأشخاص فيما لا يزال المرض في المرحلة الأولى أو الثانية، وهي زيادة هائلة في المعدل المعتاد للتشخيص المبكر.
من جهته، يقول الدكتور سام جانيس، من مستشفى الكلية الجامعية وكبير مشرفي الدراسة لصحيفة The Guardian البريطانية، إنه "حقاً إنجاز كبير فيما يتعلق بدراسات سرطان الرئة. إذ لم يكن لدينا في أي وقت من الأوقات ما يمكننا من الكشف المبكر بهذه الدرجة عن الإصابة بسرطان الرئة، ومن ثم تقديم العلاج الفعال لهذا العدد من المصابين به في وقت مبكر".
جانيس أضاف أنه من المهم إبراز مدى فاعلية التصوير المقطعي المحوسب في هذا السياق. ففي عيادته لسرطان الرئة في مستشفى الكلية الجامعية، كان 7 من كل 10 أشخاص مصابين بالسرطان في حالة يتعذر علاجها وعصية على الشفاء خلال المرة الأولى لرؤيتهم الطبيب المختص. على الجانب الآخر، فإن الكشف المبكر الذي تتيحه الدراسة الأخيرة يعني أن 7 من كل 10 حالات من المحتمل أن تكون قابلة للشفاء، لأنها اكتُشفت في وقت مبكر.
إجراء فحص روتيني
كان جانيس وفريقه قد استطاعوا اكتشاف 180 حالة إصابة بسرطان الرئة بين 12,100 مدخن حالي وسابق، تتراوح أعمارهم بين 55 و78 عاماً، في مناطق شمال وسط وشمال شرق لندن، وكثير منهم من خلفيات فقيرة. وكان هؤلاء قد تطوعوا للخضوع لما سمّاه جانيس بـ"فحص صحة الرئة"، عندما تلقوا دعوة بذلك من طبيبهم العام. ومن بين هؤلاء تم الكشف عن 70% من الإصابات بسرطان الرئة، فما لا تزال الحالة في المرحلة الأولى أو الثانية.
استناداً إلى تلك النتائج، يقول خبراء الصحة العامة إن الحكومة يجب أن تتحرك للعمل على إجراء فحص روتيني للمدخنين الحاليين والسابقين من أجل الكشف المبكر، ومن ثم خفض حصيلة الوفيات الرهيبة إثر هذا المرض.
بعض أعراض سرطان الرئة
يشار إلى أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية حذرت من عدم وجود علامات على الإطلاق لسرطان الرئة في البداية. ومع تقدم الورم وانتشاره إلى أجزاء أخرى من الجسم قد يبدأ المريض في ملاحظة بعض العلامات التحذيرية.
تشمل بعض الأعراض الأكثر شيوعاً: السعال المستمر، والشعور بضيق في التنفس، ونقص الطاقة.
لكن هناك بعض العلامات "المفاجئة" التي يجب ألا يتجاهلها المريض، مثل آلام الظهر، وتورم أطراف الأصابع، ومشاكل في المعدة، ومشاكل التوازن، وغيرها، وذلك وفقاً لموقع الويب الطبي WebMD.
كما لفت الدكتور روبرت رينتول، رئيس الأطباء الاستشاريين الإكلينيكيين في تحالف بريطانيا لسرطان الرئة، إلى أنه بعد أن ثبت نجاح الفحص بالأشعة المقطعية في الكشف المبكر عن سرطان الرئة، فهم يأملون بشدة في أن توفر الحكومة البريطانية فحص الأشعة المقطعية على نحو روتيني في المملكة المتحدة.
رينتول أكد أن الاكتشاف المبكر لهذا النوع من السرطان يقدم أفضل فرصة للعلاج الناجع، وإنقاذ المزيد من الأرواح. والفحص بالأشعة المقطعية قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 25% في عدد الرجال الذين يموتون بسبب سرطان الرئة، وانخفاض بنسبة 30 إلى 40% في الوفيات بين النساء.
من المقرر نشر نتائج الدراسة في دورية طبية محكمة في وقت لاحق من هذا العام. ومن المتوقع أن تدفع الدراسة باتجاه مزيد من الضغط على لجنة الفحص الوطنية في المملكة المتحدة لإجراء فحوصات الأشعة المقطعية للكشف المبكر عن سرطان الرئة، على الأقل بين المدخنين الحاليين أو السابقين، على النحو نفسه تُطلق حملات لدعوة الأشخاص في فئات عمرية معينة بالفعل للكشف المبكر عن سرطان الثدي والأمعاء وسرطان عنق الرحم.