بعد أن بدأ النظام السوري في بيع أراضي النازحين بالمزاد العلني، قال موقع Middle East Eye البريطاني، في تقرير له نُشر الجمعة 12 فبراير/شباط 2021، إن حكومة بشار الأسد تعتزم مصادرة ممتلكات وأصول اللاجئين والنازحين السوريين الذين يعجزون عن دفع الرسوم الباهظة، التي أكد أنها تُمثّل أحد أكبر مصادر دخل الحكومة، وذلك مقابل إعفائهم من تأدية الخدمة العسكرية.
إذ أعلن العميد إلياس بيطار، مدير فرع الإعفاءات والبدل بالجيش، عن تلك الخطوة الأسبوع الماضي، في مقابلةٍ معه أجرتها وزارة الإعلام السورية، ونشرتها وسائل الإعلام الموالية للحكومة، مشيراً إلى أن القضاء العسكري سيُعِدّ وثيقة استدعاء للحجز على أملاك وأموال المواطنين الذين تجاوزا الـ43 من عمرهم ولم يدفعوا رسوم الإعفاء.
إضافة إلى تهديد ممتلكاتهم، عرضت الحكومة السورية تسهيلات لتحويل الأموال، من أجل تشجيع المدنيين على السداد، بالتزامن مع زيادة حاجة الدولة إلى النقد نتيجة الانهيار الاقتصادي الذي سبّبته الحرب المستمرة لعقدٍ كامل والعقوبات الغربية.
فيما تسمح تعديلات المادة 97 من قانون التجنيد السوري بالمصادرة الفورية للأصول دون إشعارٍ مسبق، لجميع الرجال السوريين الذين لم يدفعوا رسوم الإعفاء الإجبارية المقدرة بثمانية آلاف دولار، لإعفائهم من واجب تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية خلال فترة ثلاثة أشهر من يوم بلوغهم سن الـ43، وهو الحد الأقصى للتجنيد.
كيف ستتم عملية الدفع لنظام بشار؟
بيطار أضاف أن رئيس النظام أصدر قرارات تُسهّل عمليات الدفع لتشمل شرائح أوسع من السكان، فضلاً عن أن هناك قوانين صارمة تنص على أنّه لا يُمكن لأي مواطن التهرّب من الدفع، وأن الدولة تستطيع مصادرة أملاكه وأمواله وأموال ذويه وزوجته وأقاربه وأي شخص مرتبط به.
كما تحدث بيطار، الذي ظهر وخلفه صورة بشار الأسد في المقابلة، باستفاضة عن عملية الدفع التي يُمكن للسوريين استخدامها، قائلاً إنها تشمل الدفع، من خلال وكيل قانوني أو أحد الأقارب داخل سوريا، أو العودة إلى البلاد لإجراء المعاملة، مضيفاً: "حتى الحاصلين على جنسية أخرى في الخارج عليهم دفع رسوم الإعفاء المقدرة بثمانية آلاف دولار، و200 دولار إضافية عن كل سنة تأخير".
فضلاً عن ذلك، يسمح القانون للاجئين بأن يدفعوا باليورو أو الدولار عبر السفارات السورية، بعد سداد 50 دولاراً لتسوية أوضاعهم مع الأجهزة الأمنية إذا كانوا قد غادروا البلاد بشكلٍ غير قانوني قبل 2020.
وتتراوح تكلفة المعاملة عبر السفارات السورية، واستخراج المستندات المطلوبة، بين 175 و350 دولاراً.
وسيلة للانتقام من المعارضين السياسيين
من جهته، أدانت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية هذه الخطوة، مشيرة إلى أن القوانين كانت وسيلةً للانتقام من المعارضين السياسيين والمدنيين الذين فرّوا من سوريا.
حيث قالت سارة كيالي، الباحثة السورية في هيومن رايتس ووتش، لموقع Middle East Eye البريطاني، إن الحكومة تُشرّع قوانين غير عادلة، من أجل الحصول على المال بأيّ طريقة، حتى لو كان ذلك من خلال مصادرة ممتلكات المدنيين، منوهة إلى أن غالبية اللاجئين في لبنان، وتركيا والأردن بدرجةٍ أقل، لا يستطيعون الحصول على أوراق إقامة، ولا يُمكنهم بالتالي العمل أو دفع الرسوم. وحتى مَن يعملون، فإنّ المبلغ أكبر من قدرتهم على الدفع، مشدّدة على أن الوضع الاقتصادي للاجئين صعبٌ للغاية رغم الدعم الإنساني.
في انتظار حلٍّ سياسي
بينما لم ترد وزارتي الدفاع والخارجية في سوريا على استفسارات موقع Middle East Eye البريطاني، في وقتٍ مبكر من العام الماضي، حول قوانين الدفع المثيرة للجدل وأسباب إجبار اللاجئين على دفع أموال أكبر من قدرتهم.
لكن بعض النشطاء المعارضين حثّوا أبناء سوريا على عدم منح الحكومة الأموال التي تُطالب بها. وقال فهد الموسى، عضو رابطة المحامين السوريين الأحرار، ومقرها في شمال سوريا، للموقع البريطاني، إن أي شخص يدفع رسوم الإعفاء تجب محاكمته بتهمة تمويل الأسد، داعياً اللاجئين إلى التحلّي بالصبر في انتظار حلٍّ سياسي يُعيد إليهم ممتلكاتهم.
إلا أن الأمر ليس سهلاً على ملايين السوريين النازحين الذين خسروا الكثير بالفعل، حيث أكد أحد اللاجئين الذين يعيشون في فرنسا، رافضاً الكشف عن هويته لأسبابٍ أمنية، أنه ليست هناك حلولٌ فعلية؛ فهناك العديد من الإجراءات الحكومية لمصادرة ممتلكات اللاجئين، وبعضها لأسباب غير معروفة، مؤكداً أنهم سيبدأون في بيع ممتلكاتهم، وسيعمل على نقل والده وبقية عائلته خارج البلاد.
بيع أراضي النازحين السوريين في مزاد علني
تجدر الإشارة إلى أن موقع Middle East Eye البريطاني كشف، الخميس 14 يناير/كانون الثاني 2021، أن النظام السوري بدأ في بيع أراضي النازحين السوريين بالمزاد العلني، بينما يشعرون بالعجز وعدم القدرة على مواجهة سرقة أراضيهم، من داخل الخيام الضيقة التي يُقيمون فيها بعيداً عن منازلهم.
إذ صادرت السلطات المحلية، في المناطق التي استعادها النظام بشمال غربي سوريا، الأراضي الزراعية بحجة أن لها الحق في البيع بالمزاد العلني للأراضي الخاصة التي "لا يعيش مُلاكها داخل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام".
من جهتها، قالت هيئة القانونيين السوريين، إن النظام السوري قسَّم بلدة اللطامنة بريف حماة إلى قطاعات وأسند إدارة كلٍّ منها إلى فرعٍ مختلف من الاستخبارات مثل شعبة المخابرات العسكرية، وإدارة المخابرات الجوية، وإدارة المخابرات العامة، وشعبة الأمن السياسي، وحتى الشبيحة وهي عصابات من العناصر المسلحة التي يدعمها النظام وتعمل تحت قيادة اللجنة الأمنية في محافظتي حماة وإدلب.
عبدالناصر هوشان، المحامي وعضو هيئة القانونيين السوريين، أوضح أن أراضي النازحين السوريين التي صادرتها القوات النظامية في شمال وشرق وغرب ريف حماة تصل مساحتها إلى 60 ألف دونم.
كذلك، تضم أراضي النازحين السوريين التي صادرتها القوات النظامية مجموعة من المزارع السمكية الكُبرى في سوريا بسهل الغاب، وأراضي لزراعة الفستق الحلبي في مورك وكفرزيتا واللطامنة شمال حماة، وبلدتي خان شيخون والتمانعة جنوب إدلب، وأراضي القمح والشعير في معرة النعمان وسراقب جنوب غربي إدلب.
مصادرة المحاصيل الزراعية
كما صادر نظام بشار أراضي النازحين السوريين الزراعية التي تُزرع بخضراوات متنوعة، وآلاف الأفدنة من أشجار الزيتون التي تدرُّ محاصيلها الموسمية أرباحاً بمليارات الدولارات، وفقاً لبعض التقارير.
جدير بالذكر أنه في مطلع سبتمبر/أيلول عام 2019، قرّرت اللجان الأمنية النظامية مصادرة محصولَي الفستق الحلبي والزيتون الموسميَّين داخل المناطق التي استولت عليها حديثاً من أراضي النازحين السوريين، حيث نظمت المزادات العلنية لبيعهما. وفي الوقت ذاته، شكّلوا لجاناً تنفيذية داخل كل مدينة وبلدة للإحصاء وفرض شروط المشاركة في المزادات، بما يخدم مصالح التجار الذين يتعاملون مع فروع المخابرات.
وأفادت تقارير بأن النظام أقام أكثر من 70 مزاداً علنياً في إدلب وحماة وحلب، وغالبيتها عُقِدَت داخل ريف حلب.
يُعتبر القانون رقم 10 قانوناً مثيراً للجدل، يسمح للسلطات المحلية بالاستيلاء على الممتلكات والأراضي داخل المناطق الأكثر تضرراً من الحرب.