انقضى اجتماع لقاء الفصائل الفلسطينية في القاهرة والذي استمر يومين، بإصدار بيان ختامي كان عنوانه توافقاً على بعض المسائل الشائكة، وتأجيل البت في كثير من القضايا، واستكمال الحوارات بالقاهرة في مارس/آذار القادم.
وترك الاجتماع الباب مفتوحاً أمام كثير من التساؤلات المشروعة بالنسبة للفصائل والشارع والمراقبين على حد سواء، فما حملته الفصائل الفلسطينية من أجندة لبحثها، قررت تأجيل البت فيها، ومنح الرئيس الفلسطيني محمود عباس صلاحيات أوسع لحسمها، مما تسبب في حالة إحباط لدى الشارع الفلسطيني من عدم قدرة مصر على تجاوز هذا الملف، واستكمال ما بدأته الدول الراعية للحوارات كقطر وتركيا وروسيا.
ضغط المخابرات المصرية
كشفت مصادر "عربي بوست"، أن "الوفد المصري الذي أدار حوار الفصائل الفلسطينية، على مدار يومين كاملين، سيطر عليه قادة المخابرات المصرية، وذلك بعقد اللقاء في مقرها العام بالقاهرة دون أن يكون هنالك تمثيل لوزارة الخارجية أو جامعة الدول العربية عكس جولات الحوار السابقة التي احتضنتها مصر في السابق والتي كان آخرها اتفاق أكتوبر/تشرين الأول 2017".
ويثير هذا الأمر، حسب المصادر ذاتها، تساؤلات حول دور المخابرات المصرية في إدارة ملف المصالحة الفلسطينية، إذ سبق أن زار رئيس جهاز المخابرات العامة المصري، اللواء عباس كامل، رام الله في 17 يناير/كانون الثاني 2021، والتقى نظيره اللواء ماجد فرج ورئيس السلطة محمود عباس.
أيضاً، أوضحت المصادر ذاتها، أن السلوك المصري في حوارات القاهرة الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية، وفقاً لعدد من المشاركين فيها، كان مسكوناً بهاجس الفشل والإخفاق في التوفيق بين الفلسطينيين، بعد أن نجحت تركيا وقطر في جمعهم تحت سقف واحد.
وحسب مصادر "عربي بوست"، فإن المخابرات المصرية لم تطرح أجندة محددة على المتحاورين الفلسطينيين، لكنها أرادت إنجاز عقد اللقاء بحد ذاته، في صورة تسعى لها أمام دول الإقليم والمجتمع الدولي، بأنها ما زالت تمسك بالملف الفلسطيني، رغم أنها لم تبدِ تحمساً كبيراً لإجراء الانتخابات؛ خشية أن تفوز حماس، على الرغم من أنها لم تقل ذلك علانية.
وأضاف المصدر ذاته، أن ضُباط المخابرات المصرية لم يتدخلوا في تفاصيل القضايا الخلافية بين الفلسطينيين، كما هي عادة كل وسيط، بل تركوهم يتحاورون، وطوال الوقت كانوا يستعجلونهم بضرورة إنجاز البيان الختامي، الذي قد يؤزم المشهد الفلسطيني أكثر.
فشل المصالحات
انشغل الفلسطينيون بتقييم مدى نجاح المخابرات المصرية في وساطتها الحالية بين الفصائل، فمصر التي حاولت إفشال اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ببيروت في سبتمبر/أيلول 2020، والتي عبَّرت في وقت سابق، عن تحفُّظها على مسألة مشاركة أطراف أخرى كقطر وتركيا في مسألة المصالحة، أرادات أن تُظهر عبر البيان الختامي قدرتها كطرف وحيد في حسم مسألة الانقسام الفلسطيني.
إبراهيم أبراش، أستاذ العلوم السياسية ووزير الثقافة السابق في فلسطين، قال لـ"عربي بوست"، إن "ما صدر من بيان ختامي، على هامش لقاء القاهرة، حمل طابعاً دبلوماسياً أكثر من كونه اجتماعاً حاسماً لقضية الانتخابات، وتفسير ذلك احتمالان، الأول أن المخابرات المصرية تشعر بحالة ضغط دولي وإقليمي لإنجاز هذا الملف، وشعورها بإحباط من مسألة التوافق الفلسطيني، وذلك لأنها فشلت في أكثر من جولة حوار سابقة استضافتها القاهرة للفصائل، آخرها اجتماع أكتوبر/تشرين الأول 2017".
وأضاف المتحدث أن "التفسير الآخر لما صدر عن البيان الختامي يشير إلى أن البيان جاء بصياغة أعدَّتها حركتا حماس وفتح قبل حضور لقاء القاهرة، وأن مشاركة الفصائل في اجتماع القاهرة كان لإظهار صورة مصر بأنها الوسيط الذي نجح في الوصول لهذا المستوى من التفاهمات الشكلية، خصوصاً أن بعض الفصائل أشادت بجهود لقاء بيروت على مستوى الأمناء العامين للفصائل، والذي ظهر بأنه وثيقة وفاق وطني وأرضية أساسية لأي استحقاق سياسي قادم".
وأكد أن "استمرار اللقاءات في مارس/آذار القادم يعني أن الفجوة بين الأطراف لا تزال كبيرة، وتحتاج جهوداً أكبر لتذليل العقبات رغم صدور البيان الختامي بعد اجتماع القاهرة؛ وهو الأمر الذي أدى إلى شعور بالإحباط لدى الشارع، الذي لا يزال ينظر إلى المصالحة على أنها بعيدة المنال، لكونها جاءت بضغط دولي وليس من قناعات وطنية".
لقاء الفصائل الفلسطينية في القاهرة
حملت الفصائل الفلسطينية في جعبتها كثيراً من الملفات التي احتاجت إجابات واضحة من قِبل حركة فتح، أولها مسألة ضمان احترام النتائج، فالتجربة التي عاشتها غزة إبان فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية 2006، دفعت تياراً داخلها إلى العزوف عن الذهاب بقوة للتسجيل في الانتخابات الحالية قبل حل المسائل العالقة كافة، وأهمها تعهُّد حركة فتح بانتقال سلمي للسلطة، والتسليم بنتائج الصندوق، دون وضع العراقيل في طريق عمل الحكومة القادمة.
القضية الأخرى التي تم تأجيل البت فيها إلى ما بعد الانتخابات، تتعلق بالتعهدات التي أطلقتها السلطة الفلسطينية لإزالة العقوبات التي تفرضها على قطاع غزة منذ 2007، وأهمها قضية موظفي حكومة حماس، مما أظهر عدم جدية السلطة في دمج هذا الكادر الذي يقدَّر عدده بنحو 45 ألف موظف بمؤسساتها.
أيضاً، لم يجب البيان عن مسألة التمثيل النسبي للانتخابات، والقوائم الانتخابية، ومشاركة بعض القوى السياسية دون غيرها، رغم أن الاجتماع تناول بشكل رئيسي، ملف الانتخابات التشريعية دون التطرق إلى مسألة الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني، ومنح البيان صلاحيات واسعة للرئيس عباس للبتِّ في هذه القضية.
تيسير نصر الله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال لـ"عربي بوست"، إن "البيان الختامي للاجتماع ينسجم مع موقف حركة فتح، التي عملت على تذليل كل العقبات للوصول إلى حالة التوافق الوطني بالشكل الذي نراه عليه الآن، وجهود الحركة لا تزال مستمرة وصولاً لنقطة الانتخابات التي ستعطي الشارع حقه في اختيار ممثليه".
وأضاف المتحدث أن "مسألة الخلافات بين الفصائل تم تجاوزها، رغم أن بعض القضايا لا تزال عالقة، مع أن التوصل الى حالة من التوافق الوطني يعتمد على مدى التزام كل فصيل بتقديم تنازلات سياسية لصالح الشأن العام، وإلا فإنه سيتم تأجيل البت في بعض القضايا العالقة لما بعد تشكيل الحكومة، التي ستكون لها صلاحيات واسعة في حسمها".
وتابع أن "استغراب بعض الأوساط الفلسطينية من سرعة إصدار البيان الختامي بعد يومين فقط من اجتماعات القاهرة، مردُّه أن جزءاً كبيراً من القضايا تم التوافق عليها في اللقاءات الثنائية بين فتح وحماس في بيروت وموسكو والدوحة والقاهرة، كما أنَّ وفد فتح بقيادة بجبريل الرجوب حمل تفويضاً من الرئيس عباس بتجاوز أي نقطة اختلاف مع الفصائل؛ لعدم تعكير الأجواء، وإعادة الأمور لمربع الانقسام".
قضايا البيان الختامي
من القضايا اللافتة في مسألة البيان الختامي، دعوة الفصائل الرئيسَ أبو مازن إلى إصدار مرسوم بشأن تشكيل محكمة الانتخابات لتكون مهمتها حصراً كل ما يتعلق بمسألة انتخابات، على أن تُشكَّل من قضاة بالتوافق من غزة والضفة والقدس، ويحتاج هذا البند معالجة قضائية، فالمحكمة الدستورية التي أنشأها الرئيس في 2016، حلَّت المجلس التشريعي في 2018، ولا تزال تمتلك الصلاحيات ذاتها؛ لكون الرئيس لم يصدر قراراً بإلغائها أو حلها.
وأشار البيان إلى قضية تولي الشرطة الفلسطينية مسألة تأمين مقار الانتخابات، وحقيقة هذا الأمر تضع علامات استفهام على قدرة الأجهزة الأمنية على بسط نفوذها على جميع مناطق الضفة الغربية والقدس؛ لكون الاحتلال الإسرائيلي يحظر، وفقاً لاتفاق أوسلو، وجود العناصر الأمنية في المناطق المصنفة (ب، ج) والتي تشكل النسبة الأكبر من مساحة الضفة الغربية.
حسن عبدو الكاتب، والمحلل السياسي من غزة، قال لـ"عربي بوست"، إن "مسألة بنود اجتماع القاهرة زادت من تعقيد المشهد، فالبيان لم يحسم قضايا الانتخابات بشكلها النهائي، بل ترك الباب مفتوحاً أمام حالة التوافق، وهذا الأمر قد لا يبدو سليماً في الحالة الفلسطينية؛ لكونها تخضع لضغوط خارجية تؤثر على قراراتها وتحديداً من بعض الدول العربية وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية".
وعن موقفه من رفض "الجهاد الإسلامي" المشاركة في الانتخابات، قال عبدو إن "هذه المسألة بالنسبة للجهاد تعد محسومة، فالحركة لديها موقف واضح من مسألة اتفاق أوسلو، ومشاركتها في اجتماع القاهرة دون الانتخابات كان لإظهار أنها جزء من حالة التوافق الوطني وليست طرفاً يتعمَّد تعطيل الإجراءات التي تخدم الشأن العام أو أنها طرف لا يكترث بمصير القضايا الوطنية".