قبل أشهرٌ من انطلاق الانتخابات الفرنسية، انطلقت حملة سابقة لأوانها بين الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، ومارين لوبين زعيمة الحزب اليمينية "الجبهة الوطنية"، وذلك باستعمال ورقة المسلمين.
وتتواصل جلسات الجمعية الوطنية بالبرلمان الفرنسي بغرض التصديق على مشروع قانون "النزعة الانفصالية"، الذي تقدَّم به حزب ماكرون، في الوقت الذي تستمر فيه زعيمة اليمين المتطرف لوبين في الدعاية لرؤية حزبها بمشروع قانون يُحارب المسلمين، تُمهد به لانتخابات 2022.
مشاريع القوانين التي تستهدف المسلمين، ويتسلح بها أبرز المتسابقين على منصب الرئاسة في فرنسا، لقيت معارضة كبيرة، لم تقتصر على أحزاب اليسار فقط؛ بل أيضاً الأحزاب اليمينية، إذ ندد بها العديد من السياسيين، من بينهم زعيم نواب الحزب الجمهوري داميان أباد، الذي أقر بافتقار النص المعروض حالياً على البرلمان إلى أي حلول لقضايا "الهجرة والتطرّف في سجون ومؤسسات فرنسا".
حملة سابقة لأوانها
قبل 15 شهراً من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، احتدم الصراع بين أبرز مرشحَين للمنصب، واللذين اختارا معاً اللعب بورقة محاربة الإسلام في فرنسا، وذلك عبر اقتراح مشاريع قوانين تستهدف بالأساس الإسلام ومؤسساته ومعتنقيه، من أجل الظفر بأصوات الناخبين، خاصة منهم المحسوبين على اليمين.
وزادت حدة رفض مشاريع القوانين المماثلة، إذ اعتبرها جزء كبير من الرأي العام الفرنسي ردة حقوقية في بلد استطاع عبر أجيالٍ بناء نموذج ديمقراطي.
رفضُ الشارع الفرنسي لمشاريع القوانين المقدمة داخل البرلمان الفرنسي عبّر عنه أكثر من مرة باحتجاجات ضد تبني هذه المشاريع السابقة، منها ما هو مرتبط بـ"الأمن العام"، إضافة إلى احتجاجات عديدة عرفتها الشوارع الفرنسية، تنديداً بالهجوم على حقوق المسلمين واستهدافهم.
الحقوقية الفرنسية والمستشارة القانونية بمنظمة "إيه إف دي" لحقوق الإنسان ليزيل ترونتسلر، قالت في تصريح خصت به "عربي بوست"، إن "حزبَي ماكرون ولوبين يسعيان فعلاً لكسب أصوات الناخبين باستخدام خطاب مُعادٍ للمسلمين"، مُبرزة أن "الأمر واضح للغاية بالنسبة لرئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، الذي حمل ودافع عن مشروع القانون المتعلق بـالانفصالية الدينية".
وأضافت المتحدثة في تصريحها، أنه "عادةً ما يكون الحزب اليميني المتطرف بقيادة لوبين هو الخبير والسبّاق في اللعب على جانب الهوية والأمن، من أجل كسب تأييد الناخبين الفرنسيين، خاصةً المنحازين إلى فكر الحزب، لكننا اليوم نجد أن حزب رئيس الجمهورية أيضاً يركب هذه الموجة، من أجل الفوز بجزء من ناخبي لوبين، تحضيراً للانتخابات الرئاسية المقبلة".
المسلمون يدفعون الثمن
يطرح المتابعون للنقاش البرلماني والعمومي حول مشاريع القوانين المستهدِفة للهوية الإسلامية في فرنسا منذ الهجمات الإرهابية الأخيرة، أسئلة تتعلق بمدى تأثير طرح هذه القوانين للنقاش على مستوى المؤسسة التشريعية الفرنسية وتأثيرها على تعايش المسلمين هناك.
واعتبر مجيد الكراب، برلماني فرنسي ونائب عن الدائرة التاسعة الفرنسية وعضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان، أنه "منذ عام 2012 تسببت الهجمات الإرهابية بفرنسا في مقتل 270 شخصاً، وهو ما شكَّل صدمة للمجتمع الفرنسي، الذي ما يزال تحت تأثير هاته الأحداث المأساوية"، معتبراً أن "أول ضحايا الإرهاب هم المسلمون أنفسهم، الذين يدفعون ثمنه اليوم غالياً".
واعتبر المتحدث في تصريحات لـ"عربي بوست"، أن "التقليل من أهمية الإسلاموفوبيا يجعل الأرض خصبة لشكل آخر من أشكال التطرف، أي اليمين المتطرف، وحماية الفرنسيين من هذه الأيديولوجيات القاتلة بمثابة حماية لمسلمي فرنسا".
من جهتها اعتبرت الحقوقية الفرنسية ليزيل ترونتسلر، المتخصصة في الدفاع عن ملفات الأقليات بفرنسا، أن "الهجوم العنيف على صامويل باتي سمح للحكومة باللعب على عاطفة الشعب الفرنسي، ومهَّد لها الطريق من أجل اقتراح مشروع قانون يصِمَ المسلمين ويجرِّم دينهم، دون إيلاء أهمية لما يسببه ذلك من ترسيخ للكراهية ضد المسلمين، الذين يعدّون جزءاً مُهماً من مواطني فرنسا".
وأضافت المتحدثة أن "الكراهية ضد المسلمين غزت جميع الجوانب السياسية إضافة إلى مجال الإعلام، الذي يشهد موجة تصاعدية من خطاب الكراهية والعنصرية، كما أن بعض المتدخلين لم يعد يخشى أو يفكر قبل الحديث بنوع من العنصرية والتمييز ضد المسلمين على شاشات التلفزيون الفرنسية".
وأكدت أنه "أمام عديد من المشاكل الحالية وعلى وجه الخصوص الأزمة الصحية، أصبح واضحاً للجميع أن فرنسا في أزمة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ولأن الحكومة تواجه صعوبة في التعامل مع كل هذه المشاكل، قررت أن تجعل المسلمين كبش فداء".
هل يستجيب البرلمان؟
في اليوم الرابع من النقاشات البرلمانية حول مشروع القانون "النزعة الانفصالية"، صوَّت النواب في الجمعية الوطنية بـ130 صوتاً، وامتنعت أربعة أصوات على البند الرابع للمشروع الذي يُدرج الانفصاليةَ في خانة الجُنح.
وبموجب هذا البند الرابع يُعاقَب بالسجن خمس سنوات وبغرامةٍ تبلغ 75 ألف يورو كلُّ شخص يهدد أو يعنّف أو يرهّب شخصيةً رسميةً من المنتخبين أو من موظفي الخدمات العمومية بهدف التهرب بشكل جزئي أو كلي من قواعد الجمهورية، وفي حال ارتكاب الجنحة من قِبل أجنبي فسيُمنع من دخول الأراضي الفرنسية.
وحول إمكانية تمرير هذا القانون المثير للجدل بما خلقه من انقسام بين الأحزاب الفرنسية داخل البرلمان، يرى النائب البرلماني الفرنسي مجيد الكراب، في حديثه مع "عربي بوست"، أن "هناك بفرنسا وربما في كل مكان بأوروبا جهلاً كبيراً بالإسلام، مما يجعله في كثير من الأحيان، موضوعاً للتخيلات والتضليل حول حقيقته"، مؤكداً أن "نص القانون لا يمكن أن يُمرَّر إلا بموافقة غالبية الشعب، كما أن حزب اتحاد الديمقراطيين الراديكاليين والليبراليين -الذي ينتمي إليه- سيقترح تعديلات على هذا النص خلال الجلسات البرلمانية".
من جهتها اعتبرت الحقوقية الفرنسية ليزيل، أن "هناك هجمات عنيفة على المسلمين على المستوى السياسي في فرنسا، بل حتى على الجماعات الدينية الأخرى (اليهودية والبروتستانتية الكاثوليكية) وأيضاً على منظمات حقوق الإنسان التي قدمت دعمها للمجتمع الإسلامي".
ورأت المتحدثة أن "الحكومة الفرنسية تُحاول التدخل في حياة الناس وتستهدف الدين الإسلامي، كما أنها تتعارض مع بعض الحريات الأساسية"، مشيرة إلى أنه "لا جدوى من مهاجمة الإسلام، عوض إيجاد حلول للمشكلات التي يجب على الحكومة حلها".
وأشارت إلى أن "مشروع القانون الذي تقدَّم به حزب ماكرون يظل غير قانوني، وأنه على الرغم من هذه الانتهاكات من قِبل الحكومة، من المهم أن يظل المسلمون مُتَّحدين، وأن يشجبوا هذه الانتهاكات من خلال الإجراءات القضائية المعمول بها حسب القانون الفرنسي".