توصَّلَ بحثٌ جديد أجراه علماء في جامعات هارفارد وبرمنغهام وليستر ولندن إلى أن تلوُّث الهواء الناجم عن احتراق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط، كان مسؤولاً عن وفاة 8.7 مليون شخص على مستوى العالم عام 2018، ما يعني أن واحداً من كلِّ خمسة أشخاص مات في ذلك العام بسبب ذلك، وذلك وفق تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 10 فبراير/شباط 2021.
وتعاني البلدان التي لديها استهلاك أكبر للوقود الأحفوري في مصانع الطاقة والمنازل والمركبات من أعلى عددٍ من الوفيات، إذ توصَّلَ البحث إلى أن أكثر من حالة وفاة واحدة من بين كلِّ 10 في الولايات المتحدة وأوروبا نتجت عن تلوُّث الهواء، إلى جانب ما يقرب من ثلثيّ الوفيات في شرق آسيا، بما في ذلك الصين، بينما كانت معدَّلات الوفيات في أمريكا اللاتينية وإفريقيا أقل بكثير.
واسع الانتشار
لكن العدد الهائل للوفيات أعلى من التقديرات السابقة على البحث، بل وقد فاجأ حتى باحثي الدراسة.
إيلويز مارايس، الباحثة الجغرافية بكلية لندن الجامعية والمؤلِّفة المشاركة في البحث، أوضحت أن الفريق المشرف على هذه الدراسة كان متردداً في البداية إلى حين حصوله على النتائج، "لكننا نكتشف المزيد والمزيد حول تأثير هذا التلوُّث. إنه واسع الانتشار، وكلَّما بحثنا عن التأثيرات وجدنا المزيد".
إذ يشير البحث إلى أن 8.7 مليون حالة وفاة في عام 2018 تمثِّل "مساهماً رئيسياً في العبء العالمي للوفيات والأمراض".
كما يتجاوز عدد الوفيات العدد الإجمالي للأشخاص الذين يموتون على مستوى العالم كلَّ عام من التدخين، بالإضافة إلى أولئك الذين يموتون بسبب الملاريا.
له علاقة بانتشار أمراض خطيرة
توصَّل العلماء إلى روابط بين انتشار تلوُّث الهواء الناجم عن احتراق الوقود الأحفوري وحالات أمراض القلب والجهاز التنفُّسي وحتى فقدان البصر.
بدون انبعاثات الوقود الأحفوري، سيزداد متوسِّط العمر المُتوقَّع لسكَّان العالم بأكثر من عام، بينما ستنخفض التكاليف الاقتصادية والصحية العلمية بنحو 2.9 تريليون دولار.
كما يُعَدُّ التقدير الجديد للوفيات، المنشور في دورية Environmental Research البيئية، أعلى من المحاولات السابقة الأخرى لتحديد التكلفة الفتَّاكة للوقود الأحفوري، على سبيل المثال، توصَّلَ تقريرٌ رئيسي صادر عن مجلة Lancet الطبية عام 2019 إلى أن 2.4 مليون حالة وفاة سنوية تنجم عن تلوُّث الهواء الناجم عن الغبار ودخان حرائق الغابات، فضلاً عن احتراق الوقود الأحفوري.
وينشر هذا البحث الجديد تحليلاً أكثر تفصيلاً لتأثير الجزيئات الدقيقة المحمولة جواً التي تنثرها محطات الطاقة والسيارات والشاحنات وغيرها في الجو. تُعرَف هذه الجسيمات باسم PM2.5، ويبلغ قطر الجسيم أقل من 2.5 ميكرومتر، أو حوالي 30 مرة أصغر من قطر متوسط الشعرة لدى الإنسان. وهذه الجسيمات الصغيرة تستقر في الرئتين بمجرد استنشاقها، ويمكن أن تتسبَّب في مجموعةٍ متنوِّعةٍ من المشكلات الصحية.
حالة وفاة حقيقية
كشف عنها فيليب بارلو، وهو الطبيب الشرعي لجنوب لندن، والذي قال إن وفاة الطفلة إيلا كيسي ديبرا، البالغة من العمر آنذاك 9 سنوات، في فبراير/شباط عام 2013، سببه فشل تنفسي حاد، وحالة ربو شديدة، والتعرض للهواء الملوث، كما شدد الطبيب على أنها تعرضت لتلوث ناجم عن ثنائي أكسيد النيتروجين وذريرات مادية تفوق إرشادات منظمة الصحة العالمية، وأن مصدر هذه الملوثات هو الانبعاثات المرورية.
حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، فإن الطبيب الشرعي قد دخل التاريخ القانوني للبلاد، بعد أن اعتبر أن الفشل في خفض مستويات التلوث إلى الحد القانوني ربما أسهم في وفاة الطفلة، مثلما أسهم الفشل في إعلام والدتها بأن تلوث الهواء يمكن أن يفاقم حالة الربو.
الطبيب نفسه صرح بأن الطفلة إيلا "ماتت بسبب الربو الذي زاد من حدته التعرض لتلوث هوائي شديد".
كما أوضح أنه في حياة إيلا، تجاوزت انبعاثات ثنائي أكسيد النيتروجين في موطنها بمدينة لويشام الحد القانوني الذي وضعته المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن مستوى الذريرات المادية تجاوز إرشادات منظمة الصحة العالمية.
المتحدث نفسه أضاف قائلاً: "عاشت إيلا حياتها كاملة على مقربة من الطرق عالية التلوث. لا يصعب عليّ استنتاج أن مستوى تعرضها لثنائي أكسيد النيتروجين والذريرات المادية كان عالياً للغاية".
كما أردف قائلاً إن الآثار الصحية لتلوث الهواء معروفة منذ سنوات، وإن الأطفال والمصابين بالربو تحديداً معرَّضون للخطر. وقد وجد أن تلوث الهواء هو ما تسبب في حالة الربو الشديدة لدى إيلا تحديداً وفاقمها.
ويُعد هذا الحكم هو الأول من نوعه في المملكة المتحدة، ويُرجح أن يزيد الضغط على الحكومة لمواجهة مشكلة مستويات التلوث الهوائي غير القانونية في البلاد.