قوات حفتر قتلت بعضهم وآخرون ما زالوا مفقودين.. مأساة شباب مغاربة سلكوا طريق الهجرة سراً عبر ليبيا

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/07 الساعة 20:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/07 الساعة 20:22 بتوقيت غرينتش
هجرة سرية /رويترز

ثلاث سنوات مرت على عودة عبدالله السملالي، أحد أبناء مدينة بني ملال من ليبيا، بعد محاولة فاشلة الهجرة السرية عبر ليبيا، لكنها لم تكن كافية لمحو ما عاناه رفقة المئات من المغاربة في قبضة الميليشيات المسلحة التابعة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر وصولاً إلى مراكز الاحتجاز، قبل أن تتدخل السلطات المغربية لترحيلهم.

حلم مفقود

عبدالله السملالي (30 عاماً)، كغيره من الشباب العاطل عن العمل في بني ملال لم يطِق حياة الفقر في مدينته، بينما أصدقاؤه وأبناء عمومته الذين حالفهم الحظ بالوصول إلى الفردوس الأوروبي يعودون كل صيف ممتطين سيارات فخمة ومحملين بالهدايا لعائلاتهم.

كانت مظاهر السيارات الفارهة التي يمتطيها المهاجرون والمقاهي التي شيدوها في المدينة تغري عبدالله بمغادرة البلد نحو "جنة الأرض"، لكنه لم يكُن يعلم أن رحلته ستكون محفوفة بالمخاطر وستتوقف في ليبيا.

يؤكد عبدالله السملالي في حديث مع "عربي بوست" أن غياب شغل يحفظ كرامته وينتشل عائلته من الفقر دفعه لخوض مغامرة الهجرة السرية نحو إيطاليا عن طريق ليبيا، أملاً في مستقبل أفضل، إلا أن طريقه لم يكن مفروشاً بالورود كغيره من مئات الشباب، الذين عاشوا محنة الجحيم الليبي.

يستعيد السملالي شريط حكايته مع الهجرة قائلاً: "كل شيء بدأ في منتصف فبراير/شباط من سنة 2017 حينما علمت عن طريق بعض الأصدقاء بوجود وسيط محلي للهجرة السرية في بني ملال يعمل بتنسيق مع أحد كبار سماسرة الهجرة السرية في ليبيا، يدعى "الحاج صالح"، وهو اسم حركي، فكبار سماسرة الهجرة غير الشرعية لا يعلنون عن أسمائهم الحقيقية كما لا يظهرون في العلن، ويكتفون بإدارة الأمور عبر وسطاء".

يضيف السملالي: "اختيار ليبيا لم يكن اعتباطاً، فقد أخبرنا الوسيط المحلي أنها أسهل طريق للوصول بحكم الوضع السياسي المضطرب الذي كانت تعيشه البلاد، كما أن هناك اعتقاداً سائداً بيننا أن خفر السواحل الليبية لم يعودوا قادرين على مراقبة وضبط المهاجرين".

لكن بعد وصول السملالي إلى ليبيا عن طريق تونس، بعدما منح الوسطاء حوالي 40 ألف درهم (4 آلاف دولار) وجد نفسه رفقة خمسة من أصدقائه بين يدي "مافيا مسلحة" تطلب منهم دفع مزيد من الأموال مقابل تسليمهم لمجموعة أخرى بغرض نقلهم إلى إيطاليا بحراً.

 يضيف المتحدث: "لم يكن أمامنا من حل سوى الاتصال بعائلاتنا من أجل دفع مبالغ إضافية مقابل تحريرنا على أمل الخروج من ليبيا، لكن بدلاً من أن نغادر هذا البلد تبين أن معاناتنا به ستطول، إذ اقتحمت قوات الشرطة المنزل الذي كنا به واقتادونا إلى مركز تاجوراء المخصص لإيواء المهاجرين غير النظاميين".

وفي هذا المركز يقول السملالي: "عشنا أتعس أيامنا، إذ كنا نعاني من سوء التغذية وغياب النظافة".

مركز تاجوراء

 مركز تاجوراء وغيره لا يخلو من الوسطاء والسماسرة، إذ إن هؤلاء لهم اليد في اختراق هذه المراكز وتسهيل مهمة مغادرتها لمن يدفع عن طريق إرشاء المسؤولين الليبيين.

عز الدين تابت، فاعل جمعوي مغربي، مقيم في ليبيا أكد في اتصال مع "عربي بوست" أن عدداً من الوسطاء اغتنوا مقابل تسهيل مهمة مغادرة عدد من المغاربة لمراكز الاحتجاز.

وأضاف المتحدث في تصريحه: "كان هؤلاء يقيمون علاقات مع المسؤولين عن إدارة هذه المراكز، ومن خلالهم يحصلون على أرقام هواتف عائلاتهم، ثم يبدأون التفاوض حول المبلغ الذي يجب دفعه مقابل مغادرة ابنهم للمركز"، مبرزاً أن بعض هؤلاء ضُبط مرة أخرى وأعيد للمركز، واضطرت عائلته للدفع مرة أخرى.

السملالي يؤكد ما ذهب إليه عز الدين تابت، مبيناً أن المال كان هو طريق الخلاص، لكن عائلتي لم تكن قادرة على الدفع.

وأضاف: "بقيت لحوالي سنة بمركز تاجوراء، ولولا تدخل السلطات المغربية من أجل ترحيلنا بفضل الصحافة ونضال عائلاتنا لبقيت هناك إلى أجل غير معلوم"، واليوم أعمل في أحد المقاهي بمدينتي بأجر زهيد، لكن ذلك أفضل بكثير من أن أقع بين يدي الميليشيات، أو يأكلني الحوت في البحر".

من جهته، يؤكد أحمد علقمة، ابن مدينة خريبكة، أن عائلته كانت ضحية ابتزاز من أحد السماسرة في ليبيا، الذي كان يتصل بهم ويهدد بقطع رأسي إن لم يبعثوا له مبلغاً من المال.

وأضاف المتحدث: "حينما تكون بين يدي عصابات الاتجار في البشر تصبح مثل سلعة يتلاعب بها، وليس أمامك سوى تنفيذ ما يملون عليك، وإلا قد تتعرض لمكروه".

مركز تاجوراء (مواقع التواصل الاجتماعي)
مركز تاجوراء (مواقع التواصل الاجتماعي)

من جهته، حكى عبدالله الخادم، وهو واحد من أبناء مدينة خريبكة لـ"عربي بوست" تفاصيل أشهر الجحيم التي عاشها في ليبيا، قائلاً: "دخلت رفقة سبعة من أصدقائي لليبيا عن طريق الجزائر، وانتظرنا أياماً طويلة أمام البحر من أجل العبور إلى الضفة الأوروبية".

 كان السمسار يمنيهم بالغد الأفضل، لكن هذا الغد لم يأت، إذ قامت إحدى الميليشيات المسلحة بتسليمهم لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وهناك عاشوا أتعس أيامهم.

ويؤكد الخادم: "كنا محتجزين في غرفة كبيرة، وعددنا كان كبيراً، مما جعلها تضيق بنا، حتى أصبحنا مكدسين كعلب السردين نتوسد أرجل بعضنا البعض".

 ورغم المعاناة التي مر بها الخادم، إلا أنه ما زال يخطط لخوض غمار الهجرة غير الشرعية نحو الفردوس الأوروبي، إلا أنه هذه المرة يفكر في دخول إسبانيا عبر جزيرة "لاس بالماس"، التي أصبحت وجهة مفضلة لعدد من أبناء المغرب العميق من أجل الوصول إلى إسبانيا بحثاً عن لقمة العيش.

ويضيف المتحدث: "نجوت من جحيم ليبيا، ولكنني لم أنجُ من البطالة، أنا الآن أفكر في الهجرة مرة أخرى، وسأغادر حين تتاح لي الفرصة".

مركز تاجوراء (مواقع التواصل الاجتماعي)
مركز تاجوراء (مواقع التواصل الاجتماعي)

قتلى ومفقودون

في يوليو/تموز من سنة 2019 سقط 7 قتلى من المغاربة، الذين كانوا محتجزين في مركز تاجوراء جراء القصف الذي استهدف المركز من قوات المشير خليفة حفتر.

هذا الحادث ترك حزناً عميقاً في صفوف عائلات القتلى، خاصة أن الحكومة المغربية لم تلتفت إليهم ولم تحمِّل قوات حفتر مسؤولية ما جرى.

في هذا الصدد كشفت مصادر من تنسيقية المغاربة العالقين في ليبيا أن عائلات قتلى قوات حفتر يحضِّرون لتنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة الهجرة المغربية من أجل دفع الحكومة لرفع دعوى قضائية دولية ضد قوات حفتر.

من جهته، اعتبر أحمد المكي، حقوقي مغربي في ليبيا، وأحد المهتمين بشؤون المهاجرين المغاربة في ليبيا أن عدم تحرك الحكومة المغربية من أجل استرداد حق هؤلاء الذين سقطوا ضحايا يبعث على الأسى والحزن. مشيراً إلى أن "عدم التحرك يعطي إشارة سلبية عن قيمة المواطن المغربي لدى حكومته".

 ويرى المكي أن المغرب مطالب بالضرب من يد من حديد على سماسرة الاتجار في البشر، وتفعيل القانون، مشيراً إلى أنه نادراً ما تتم محاكمة بعض الوسطاء.

من جهة أخرى، لا يزال عدد من المغاربة مفقودين في ليبيا، ولا يعلم مصيرهم لحد الآن، إذ أحصت تنسيقية الجالية المغربية في ليبيا 24 مفقوداً، وسلمت "عربي بوست" نسخة من اللائحة التي أعدتها.

لائحة المواطنين المغاربة المفقودين في ليبيا (خاص)
لائحة المواطنين المغاربة المفقودين في ليبيا (خاص)

 يقول حميد، أحد نشطاء التنسيقية في اتصال مع "عربي بوست" إنهم يقومون ببحث دائم عن المفقودين، لكن جائحة كورونا والظروف السياسية غير المستقرة في ليبيا وعدم وجود سفارة أو قنصلية مغربية في ليبيا كلها عوامل تحد من تحركاتهم.

ويضيف المتحدث: "في غياب ممثلين للدولة يلجأ إلينا الأهالي من أجل البحث عن أبنائهم، إذ نحاول أن نقوم بما يمليه الواجب علينا، لكننا بدورنا أصبحنا نعاني، إذ لا نجد أي مسؤول مغربي يمكننا التواصل معه".

تحميل المزيد