اتهمت إثيوبيا، الجمعة 5 فبراير/شباط 2021، دولتي مصر والسودان باتخاذ مسار يعطل مفاوضات "سد النهضة"، التي تقول إنها تسعى إلى إنهائها، مُحمّلةً القاهرة والخرطوم مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق لإنهاء تلك الأزمة المستمرة منذ سنوات طويلة.
حيث قال سيليشي بيكيلي وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، إن بلاده غير معنية بفشل الأطراف في التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة خلال الجولات الـ7 الماضية التي كان يرعاها الاتحاد الإفريقي، مُعلناً عن تقدم في أعمال البناء بنسبة 4.05% خلال الأشهر الـ6 الماضية.
فقد اكتملت أعمال بناء سد النهضة بنسبة 78.3%، فضلاً عن أن الأعمال المدنية والهندسية في السد وصلت إلى 91%، وستبدأ عملية الملء الثاني للسد خلال الأشهر القليلة المقبلة، طبقاً لما أورده بيكيلي الذي أكد أن الأداء الذي تم تحقيقه في هذا المشروع، خلال الأشهر الماضية، هو الأسرع منذ بناء السد.
تصريحات الوزير الإثيوبي جاءت خلال مؤتمر صحفي، أثناء إطلاع الصحفيين على أداء وزارته على مدى ستة أشهر، وذلك في وقت تعثرت فيه المفاوضات الثلاثية.
بيكيلي أكد أن دعم الإثيوبيين في الداخل والخارج لسد النهضة، في أفضل حالاته اليوم.
حسبما أفادت وكالة الأنباء الإثيوبية، قام وفد برئاسة وزير المياه والطاقة بزيارة موقع بناء السد، الجمعة، وأجرى مناقشات مع المقاولين والاستشاريين وأعضاء مجلس الإدارة وأصحاب العمل، حول التقدم المحرز في بناء السد.
الوزير نفسه كان قد أعلن مؤخراً، أن بناء سد النهضة، المثير للجدل، يسير كما هو مُخطط له، وأن أعمال البناء جارية على قدم وساق، الأمر الذي يعني تجاهل أديس أبابا التحذيرات المصرية والسودانية من الإصرار على المضي قدماً في مخطط البناء دون التوصل لحل يرضي الأطراف كافة.
عمدة أديس أبابا تدشن حملة لجمع التبرعات
إلى ذلك، دشنت أدانيتش أبابي، عمدة أديس أبابا، حملة لجمع تبرعات من سكان العاصمة لاستكمال مشروع بناء السد، وقد جمعت حتى الآن نحو 51 مليون دولار أمريكي.
كانت السلطات الإثيوبية قد ناشدت المواطنين تحويل أموال عبر هواتفهم المحمولة؛ لاستكمال المشروع البالغة تكلفته 5 مليارات دولار.
الاتحاد الإفريقي يدعو إلى "حلحلة" الأزمة
تجدر الإشارة إلى أن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي، قد دعا، الأحد 31 يناير/كانون الثاني 2021، إلى استمرار التنسيق بين الدول الثلاث، في حين أعلنت مصر رفضها المساس بحقوقها المائية، فيما تحركت السودان أوروبياً للتباحث حول الأزمة.
الرئاسة المصرية، من جانبها، قالت في بيان سابق، إن السيسي استقبل بالقاهرة رئيس المفوضية فقي، بحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري.
البيان الرئاسي لفت إلى أنه "تم استعراض قضية سد النهضة في إطار المفاوضات الثلاثية تحت رعاية الاتحاد الإفريقي"، والمستمرة منذ أشهر، وخلال الآونة الأخيرة، شهدت فشلاً جديداً.
أما رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، فأكد من جهته، "أهمية استمرار التنسيق المكثف، للعمل على حلحلة الموقف الحالي والوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن هذه القضية الحيوية"، بحسب البيان المصري، الذي قال إن اللقاء تطرق أيضاً إلى مناقشة الاستعدادات الجارية لعقد القمة الإفريقية السنوية المقبلة، دون تفاصيل أكثر بشأنها.
من جانبه، أكد السيسي، وفق البيان ذاته، ما وصفه بثوابت موقف مصر من حتمية بلورة اتفاق قانوني ملزم وشامل بين الأطراف المعنية كافة، يتناول بالأساس الشواغل المصرية، خاصةً قواعد ملء وتشغيل السد.
السيسي شدّد أيضاً على رفضه أي عمل أو إجراء "يمس حقوق مصر في مياه النيل".
لقاءات سودانية بسفراء أوروبيين حول أزمة سد النهضة
في السياق ذاته، أفادت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، الأحد 31 يناير/كانون الثاني 2021، بأن وزير الري، ياسر عباس، التقى سفراء أجانب، لشرح موقف الخرطوم من سد النهضة.
إذ التقى عباس سفيري ألمانيا وإسبانيا في العاصمة الخرطوم، ضمن حملة دبلوماسية لشرح موقف بلاده بشأن سد النهضة.
فقد أعرب السفير الألماني في الخرطوم، توماس ترستيقن، أحد المشاركين باللقاء، عن أمله في أن تتوصل الدول الثلاث (السودان ومصر وإثيوبيا) إلى حل سلمي يُرضي كل الأطراف، طبقاً لما أوردته وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
وفي لقاء منفصل، قدّم وزير الري السوداني شرحاً مماثلاً للسفير الإسباني بالخرطوم، فيما لم تعلن تفاصيل أكثر.
كان السودان قد أعلن منتصف شهر يناير/كانون الثاني 2021، بحثه ما وصفه بـ"الخيارات البديلة" (لم يوضحها)، بسبب "تعثر" مفاوضات سد النهضة التي يرعاها الاتحاد الإفريقي منذ أشهر، رافضاً بشدةٍ الملء الثاني للسد في يوليو/تموز 2021، دون التوصل لاتفاق.
فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات
يأتي ذلك بعدما فشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات السد، إثر إعلان الخارجية السودانية، الأحد 10 يناير/كانون الثاني، فشل التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض حول "سد النهضة"، مؤكدةً أن الخرطوم لن تواصل المفاوضات، في الوقت الذي عبَّرت فيه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن أسفها لوصول مفاوضات سد النهضة إلى "طريق مسدود".
في اليوم التالي أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، آنذاك، عن تقديم بلاده اشتراطات إلى الاتحاد الإفريقي للعودة إلى مفاوضات "ذات جدوى" في ملف سد النهضة، ملوحاً بأن الخرطوم لديها "خيارات" أخرى.
بدوره قال وزير الري السوداني ياسر عباس، إنه لا يمكنهم الاستمرار في "هذه الحلقة المفرغة من المباحثات بشأن سد النهضة إلى ما لا نهاية"، مشدداً على أن "المفاوضات انتهت إلى الفشل".
تسع سنوات من الفشل
كانت الإدارة الأمريكية أعلنت في فبراير/شباط 2019، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل سد النهضة، وقَّعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وامتنعت إثيوبيا بدعوى انحياز واشنطن إلى مصر، إثر جولات من المفاوضات جرت بواشنطن.
لكن المفاوضات تعثرت مجدداً بين الدول الثلاث، وهو الأمر المستمر منذ نحو 9 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.
حيث تُصر أديس أبابا على ملء السد، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه مع القاهرة والخرطوم، فيما تصر الأخيرتان على ضرورة التوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي؛ لضمان عدم تأثر حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل.