تفجَّر في المغرب جدل كبير للمطالبة بإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي، والذي ينص على أن "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد ويعاقَب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة"، وذلك على خلفية حملة رقمية أطلقها ائتلاف "خارجة عن القانون".
الجدل الذي أُثير في أكثر من مرة، تمت إعادة إثارته، على خلفية متابعةِ شابة تطوان شمال المغرب، بعد تسريب فيديو إباحي لها يعود تاريخ توثيقه لسنوات، رغم أنَّ وضعيتها الحالية تغيرت، وأصبحت زوجة وأُماً وربَّة أسرة، بعيداً عن الشخص الذي كانت رفقته في الفيديو.
وأدان القضاء المغربي "شابة تطوان" بالسجن النافذ ومدته شهر، انقضت الأربعاء 4 فبراير/شباط 2021، رغم أن الحادث قلب حياتها رأساً على عقب، في الوقت الذي لم يعاقب فيه القضاء الرجل الذي سجَّل ونشر الفيديو بعد سنوات من علاقة غير شرعية بالشابة.
نعم لإلغاء الفصل
يرى المطالبون بإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي أن الدولة المغربية تستغله لمتابعة عدد من المعارضين لها بتهم جنائية، فمثلاً عدد من الصحفيين والسياسيين تمت متابعتهم بهذا الفصل رغم دخولهم في علاقات رضائية، كما أن هذا الفصل يعتبر مقيداً للحريات الفردية، حسب المدافعين.
سارة سوجار، ناشطة حقوقية مغربية، ترى أنها مع إلغاء مضامين الفصل 490 من القانون الجنائي، كما أنها تساند العلاقات الجنسية الرضائية بين الرجل والمرأة البالغَين، "لأن المغرب قطع أشواطاً في المجال التشريعي وصدَّق على الاتفاقيات الدولية، وأزيد من فصل داخل القانون الجنائي يتحدث عن الحقوق والحريات، وضمنها الحقوق المدنية".
وأضافت المتحدثة في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "المغرب يجرِّم العلاقات الرضائية والاختيارات الشخصية، والأمر مرفوض، لأن العقوبات السالبة للحرية لا علاقة لها بالحريات الخاصة، فلا يمكن سجن شخص مارس حقه الخاص واختياره النابع من قناعته، ولا يؤثر سلباً على أي طرف آخر سواء الأفراد أو المجتمع".
وأشارت المتحدثة إلى أن "اليوم هناك سياسة جنائية يقولون إنها مبنية على حقوق الإنسان وعلى تقدير الحياة الخاصة، وسلب الحرية آخر شيء يلجأ إليه المشرع، إذ تجب ملائمة القانون الجنائي مع كل ما ذُكر، لكن للأسف مازلنا أمام مقتضيات جنائية لا تتلاءم مع هذه المعطيات سواء على المستوى الدولي أو المستوى الوطني".
وأضافت المتحدثة في تصريحها، أنه "لا يمكن اعتقال الأشخاص لمجرد أنهم اختاروا شيئاً في حياتهم، كما أن هناك نقاشاً اجتماعياً يتمثل في القيم، هنا يجب فتح الحوار ويسمع بعضنا بعضاً، لنصل إلى نتيجة مُرضية مبنية على معطيات علمية ووقائع دون اللجوء إلى الوصاية، لأن هناك اختلافاً دائماً بيننا".
من جهته يرى وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان والقيادي بحزب العدالة والتنمية، مصطفى الرميد، في تصريح سابق، أن "الأصل هو من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، مسجلاً في السياق ذاته، أنه "ليس للدولة نهائياً الحق في اقتحام الفضاء الخاص والتجسس والتلصص وكسر الأبواب على الراشدين الراغبين في ممارسة حميميتهم".
المعارضون: نعيش في دولة إسلامية
ويعاقب القانون المغربي بالسجن على إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، من شهر إلى سنة، والمثلية الجنسية من 6 أشهر إلى 3 سنوات، والخيانة الزوجية من عام إلى عامين، والإجهاض من عام إلى عامين.
هذه العقوبات يراها عدد من المغاربة مناسِبة لكل شخص مارس الجنس خارج إطار الزواج أو في علاقة شرعية، وذلك لضبط القيم داخل المجتمع، وعدم التسبب في فوضى الأنساب، والحفاظ على تعاليم الدين الإسلامي في بلد إسلامي.
المعارضون لإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي يقولون إنَّ "حذف هذا الفصل تشريع للفاحشة وتوهين للحرمات، واستغلاله في التخاصم السياسي انحراف سلطوي واستبداد وطغيان".
محمد أهلالي، ناشط حقوقي مغربي، قال في حديثه مع "عربي بوست"، إن "المغرب دولة إسلامية، وقائدها هو أمير المؤمنين، لن يحرِّم ما حلّله الله ولن يحلل ما حرَّمه الله، وكل هذه التحركات لو أيدها المغرب بأكمله، فلن يتحقق منها شيء".
وسبق أن صرح وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان والقيادي بحزب العدالة والتنمية، مصطفى الرميد، بأن "الحريات الفردية مضمونة، لكن ماذا نريد أن نضيف لها؟ هذا هو الإشكال"، متسائلاً: "هل تريدون أن يقوم المغرب على خلاف الدول الإسلامية، بإباحة العلاقات الرضائية والشذوذ والإجهاض وعلى رأسه أمير المؤمنين؟!".
وأضاف الرميد، أن "العلاقات الرضائية والإجهاض والمثلية وغيرها، لا تلعثم فيها، هذا بلد إسلامي بمقتضى الدستور وعلى رأسه أمير المؤمنين الذي سبق أن قال: (أنا أمير المؤمنين، لا يمكن أن أحلل حراماً أو أُحرِّم حلالاً)".
من جهتها قالت سارة سوجار، الناشطة الحقوقية المغربية، في ردها: "يمكن أن نشرعن الفساد إذا لم تكن هذه الممارسات موجودة، لكن هذه الممارسات حقيقة في المجتمع ونعيشها كواقع، وإذا كان الناس يمارسون العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، فهل سنسجن كل الأشخاص".
مقابل ذلك ترى فئة ثالثة ضرورة تعديل مضامين الفصل والدفاع عن عدم استغلاله في القضايا السياسية، بعيداً عن المبدأ الذي يعتبر سليماً، وأي علاقة خارج مؤسسة الزواج تعتبر حراماً، وإلغاؤه بالكامل يُعد شرعنة مباشرة للزنا، رغم وجود بعض البلدان التي تحرم فقط زنا المتزوجين، منها الجزائر وتونس ومصر والعراق وسوريا ولبنان، ويجب الاقتداء بها.
مذكرة رسمية
من جهته سبق أن تقدَّم المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية)، للبرلمان المغربي، بمذكرة توصي بإلغاء تجريم الجنس الرضائي، وذلك بحذف الفصل 490 من القانون الجنائي.
وتُطالب المذكرة التي تم تقديمها سنة 2019 ولم تجد رداً من طرف المشرع، بـ"رفع التجريم عن الحريات الفردية".
الناشطة الحقوقية سارة سوجار تقول إنه "لا يحق للدولة ولا مؤسساتها ولا أجهزتها الأمنية، أن تقتحم الحياة الخاصة للأفراد، فالدولة لا مكان لها في حرمة البيوت ولا في الحياة الخاصة للأشخاص".