رغم مرور أسبوع على نيل التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي، على حكومته، الثقة، فإن أزمة التعديل الوزاري في تونس مازالت تراوح مكانها بعدما انتقلت ساحة الأحداث والضغط إلى قصر قرطاج.
وكشفت مصادر قريبة من قصر قرطاج لـ"عربي بوست"، أن "الرئيس التونسي قيس سعيد مُصرّ على موقفه الرافض لاستقبال الوزراء الذين تُلاحقهم شبهات فساد، من منطلق ثقته في أن هذا الموقف يحمي الدستور، ويُعلي دولة القانون، ويقطع مع سياسة التطبيع مع الفساد".
ولم يُباشر الوزراء الـ11 الجدد بعد مهامهم إلى حدود اليوم الأربعاء، 3 فبراير/شباط 2021، بسبب رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد استقبال وزراء لأداء اليمين الدستورية تتعلق بهم شبهات وتضارب مصالح. فأي حل لأزمة التعديل، وهل يتراجع الرئيس عن موقفه من الوزراء المشبوهين؟
الرئيس يرفض التراجع
تنصب كل الأنظار الآن على قصر قرطاج، بعد منح البرلمان الثقة للتعديل الوزاري، في الوقت الذي ينتظر فيه الشارع التونسي انفراج الأزمة، إما بموافقة رئيس الجمهورية قيس سعيد على استقبال الحكومة الجديدة لأداء اليمين الدستوري، أو تراجع رئيس الوزراء عن تسمية الوزراء الذين تلاحقهم شبهات فساد وتضارب مصالح.
وكشفت مصادر لـ"عربي بوست" مُطلعة على مجريات الأحداث في قصر قرطاج أن "جهود الوساطة بين الرئيس سعيّد ورئيس الوزراء هشام المشيشي، التي يقوم بها الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، علي الحفصي، باءت كلها بالفشل، بعد أن جوبهت برد صارم من رئيس الجمهورية، مفاده ألا حل للأزمة سوى تطبيق الدستور والتراجع عن تعيين وزراء فاسدين".
وتشير مصادر تحدّثت لـ"عربي بوست"، إلى أن "الرئيس التونسي رفض كذلك بعض التلميحات حول إمكانية توسط دول عربية شقيقة لحل أزمة التعديل الوزاري، وبأنه واثق من موقفه الدستوري، ومن أنه من واجبه حماية الدستور في غياب المحكمة الدستورية".
من جهته، يُصر رئيس الوزراء التونسي، هشام المشيشي على أن لا حل للأزمة سوى أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية في أقرب وقت ممكن، للتفرغ لبحث حلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.
وضاعف ذلك من الضغط المسلط على رئيس الجمهورية، قيس سعيد، إذ تطالبه حركة النهضة وعدد من الأحزاب الداعمة للحكومة، بالإضافة إلى عدد من أساتذة القانون الدستوري باستقبال الوزراء لأداء اليمين، رغم تحفظاته على عدد منهم.
ضغط على الرئيس
من جهته، يُصر رئيس الوزراء التونسي، هشام المشيشي على أن لا حل للأزمة سوى أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية في أقرب وقت ممكن، للتفرغ لبحث حلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.
وضاعف ذلك من الضغط المسلط على رئيس الجمهورية، قيس سعيد، إذ تطالبه حركة النهضة وعدد من الأحزاب الداعمة للحكومة، بالإضافة إلى عدد من أساتذة القانون الدستوري باستقبال الوزراء لأداء اليمين، رغم تحفظاته على عدد منهم.
ويشير عدد من المراقبين إلى أن بقاء الاتحاد العام التونسي للشغل على طرف الحياد في هذه الأزمة هو عدم التفاعل الإيجابي من الجهات والأحزاب السياسية، وخاصة رئيس الجمهورية قيس سعيد، مع مبادرة الحوار الوطني التي دعت إليها المنظمة النقابية منذ فترة.
أي خيارات للخروج من الأزمة؟
من جهته، قال عبدالرزاق عويدات، رئيس الكتلة الديمقراطية في البرلمان لـ"عربي بوست"، إن "رئيس الجمهورية يتعامل مع التعديل الوزاري من منطلق دستوري وليس سياسياً، وهو أستاذ القانون الذي أقسم على حماية الدستور، وأنه على يقين من أن سعيد لن يتراجع عن موقفه بحماية الدستور".
وأضاف عويدات "أن رئيس الحكومة هشام المشيشي اختار الطريق الأصعب له ولتونس، من خلال تمرير التعديل الوزاري بالقوة وبطريقة غير دستورية"، مضيفاً أن "لا حل للأزمة الحالية سوى تقديم الوزراء الأربعة، الذين تتعلق بهم شبهات فساد وتضارب مصالح، استقالتهم حتى تسوية وضعيتهم القانونية".
واعتبر المتحدث أن الحل الوحيد لهذه الأزمة أن "يتخذ رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي قراراً بإقالة هؤلاء الوزراء، وتعويضهم بوزراء آخرين في مجلس وزاري دون المرور بالبرلمان، وفق ما يمنحه له الدستور من صلاحيات".
وساطة خجولة
وتشير التطورات وأطراف الأزمة إلى أن تونس تعيش اليوم أعمق أزمة سياسية على الإطلاق، في ظل رفض رئيسي الوزراء والجمهورية التنازل والتراجع، خاصة في ظل غياب مفاوض ووسيط قادر على تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
وغاب الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأكبر في تونس، عن لعب دور الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وهي المهمة التي تميز فيها، إذ نال صحبة عدد من المنظمات الوطنية التونسية جائزة نوبل للسلام، لدورهم في تغليب لغة الحوار لتجاوز الأزمة السياسية في تونس سنة 2015.
وفي هذا السياق، يؤكد الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل سامي الطاهري لـ"عربي بوست"، أن "المنظمة النقابية لم تنخرط إلى الآن في أي وساطة في أزمة التعديل الوزاري".
وأضاف الطاهري أن "الاتحاد يرى أنه لا حل لهذه الأزمة السياسية والدستورية سوى تطبيق القانون والدستور، ذلك أن غياب المحكمة الدستورية يمنح رئيس الجمهورية قيس سعيد حصرية قراءة وضمان تطبيق الدستور، خاصة في ظل سياسة "العجرفة" التي اتبعها رئيس الوزراء في هذا التعديل الوزاري".
وشدد الطاهري على أنه لا حل للأزمة سوى من منطلق تطبيق ما ينص عليه الدستور.
أزمة التعديل الوزاري في تونس
وبحثاً عن حل للأزمة غير المسبوقة في تاريخ تونس، يشير عدد من أساتذة القانون الدستوري إلى أنه يمكن اللجوء إلى قاعدة الإجراءات المستحيلة لتجاوز شرط أداء اليمين الدستوري أمام الرئيس، وعلى رأسهم عياض بن عاشور، أستاذ القانون الدستوري، الذي أكد لـ"عربي بوست" أنه يمكن اللجوء إلى قاعدة الإجراءات المستحيلة حتى لا يتم تعطيل سير دواليب الدولة.
وفسر المتحدث مقترحه أنه "في هذه الحالة تصدر الحكومة إعلاناً تؤكد فيه رفض رئيس الجمهورية دعوة الوزراء لأداء اليمين الدستورية، وتنتظر مهلة زمنية، ثم يتم تطبيق هذه القاعدة، وينطلق الوزراء في أداء مهامهم دون أداء اليمين الدستورية".
على عكس ذلك، يرى عبدالرزاق عويدات، رئيس الكتلة الديمقراطية في البرلمان التونسي أن "الإجراءات المستحيلة لا تتيح لرئيس الوزراء إمكانية تمرير التعديل دون أداء اليمين أمام رئيس الجمهورية، الذي لا يعد إجراء شكلياً فقط، بل جوهرياً".
وأضاف المتحدث أن "الإجراءات المستحيلة تُطبق في حالة تعذر أداء اليمين بسبب غياب الرئيس أو عجزه عن ذلك بسبب المرض، لكن المسألة تتعلق اليوم برفض الرئيس لعدد من الوزراء بسبب شبهات فساد".
وعن الخطوات التي يمكن لرئيس الجمهورية أن يتخذها في حالة مرور رئيس الوزراء إلى خيار الإجراءات المستحيلة، أوضح عويدات أن "بإمكان رئيس الجمهورية الطعن في أي قرار يتخذه هؤلاء الوزراء في المحكمة الإدارية لإبطال تنفيذه، وكذلك تقديم قضايا فساد ضد هؤلاء الوزراء في الحصول على رواتب دون الصيغ القانونية".
تحركات سعيد
وفيما يشير التحرك الأخير لقيس سعيد بزيارة شارع الحبيب بورقيبة، أمس الثلاثاء 2 فبراير/شباط 2021، والتحامه بأنصاره الذين طالبوا بحل البرلمان، إلى رغبته في تمرير رسالة مفادها أن الرئيس يستمد ثقته في قراراته من الدستور، ومن شعبيته التي لم تنل منها حادثة الظرف المشبوه، يشير المحلل السياسي علي القاسمي في حديثه مع "عربي بوست".
وأضاف المتحدث أن "نتائج التصويت خلال جلسة منح الثقة في البرلمان للوزراء الجدد أحرجت الرئيس قيس سعيد سياسياً، وهو الذي كان يبحث عن تصويت ضعيف في الجلسة ليعزز موقفه برفض أداء اليمين للوزراء الذين تحوم حولهم شبهات فساد".
وأشار المتحدث إلى أن "التصويت بمعدل 140 صوتاً اعتبر تصويتاً ليس فقط لصالح الوزراء، ولكن أيضاً هو تصويت ضد الرئيس نفسه، الذي يبحث عن موطئ قدم سياسي داخل البرلمان أو من خارجه، بالعمل على التشتت وضعف دعم الحكومة".
وتابع القاسمي في تصريحه: "في تقديري الرئيس في وضع أكثر أريحية الآن للتراجع عن رفض أداء اليمين للوزراء الجدد، خاصة مع أصوات خبراء القانون الدستوري، التي تعالت برفض موقف الرئيس".