وجَّه القضاء اللبناني، الخميس 28 يناير/كانون الثاني 2021، تهمة الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة إلى حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، على خلفية تحقيقات تتعلق بهدر أموال بالدولار الأمريكي.
هذا الأمر يأتي عقب إعلان المكتب الإعلامي لوزيرة العدل ماري كلود نجم، الأسبوع الماضي، تسلمها طلب تعاون قضائي موجهاً من السلطات القضائية في سويسرا، بشأن تحويلات ارتبط اسم سلامة بها.
تهم ثقيلة
الوكالة الرسمية اللبنانية قالت إن "النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، ادَّعى على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعلى رئيسة لجنة الرقابة على المصارف (مايا دباغ)، بجرم الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة".
في السياق نفسه، قال مصدر قضائي لوكالة "فرانس برس"، الخميس، إن الادعاء "مبني على معطيات تفيد بأن عملية صرف الدولار المدعوم لم تذهب كلّها في الاتجاه المحدد لها"، أي دعم استيراد المواد الغذائية الأساسية، بل "جرى توزيع مبالغ كبيرة على صرافين محظيين حققوا أرباحاً طائلة على حساب دعم الأسر الفقيرة".
كما أضاف المصدر أن قيمة "المبالغ التي ذهبت إلى جيوب صرافين ومؤسسات مالية، تفوق خمسة ملايين دولار"، في وقت يرزح لبنان تحت عبء أسوأ أزماته الاقتصادية.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، استدعت القاضية عون، سلامة واستمعت إليه، إثر فتح تحقيقات قضائية بشأن "الهدر الحاصل في استعمال الدولار المدعوم".
ضغوطات ثقيلة
يتعرض لها سلامة، الذي تُحمّله جهات سياسية في لبنان مسؤولية انهيار العملة الوطنية وتنتقد بشكل حاد، السياسات النقدية التي اعتمدها، باعتبار أنها راكمت الديون، إلا أن سلامة دافع مراراً عن نفسه، قائلاً إن المصرف المركزي "موَّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال".
وتسلّم القضاء اللبناني، الأسبوع الماضي، مراسلة من القضاء السويسري تتضمّن طلب مساعدة في تحقيق جنائي تجريه بشأن تحويلات مالية من لبنان.
كما تتطرق المراسَلة، وفق ما قاله مصدر قضائي لبناني، إلى تحويلات بقيمة 400 مليون دولار، تخصّ سلامة وشقيقه ومساعدته ومؤسسات تابعة للمصرف المركزي، بينها شركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان.
إلا أن النيابة العامة الفيدرالية في سويسرا أوضحت أنَّ طلبها مرتبط بـ"تحقيق حول غسل أموال (…) على ارتباط باختلاس أموال محتمل من مصرف لبنان"، من دون أن تذكر أسماء المشتبه فيهم.
من جهته، كرّر سلامة، تأكيد أن "أي تحويلات لم تحصل من حسابات لمصرف لبنان أو من موازناته".
فيما يتهم محللون ومراقبون زعماء سياسيين ومسؤولين بينهم سلامة، بتحويل مبالغ ضخمة من حساباتهم إلى الخارج، إثر تظاهرات شعبية غير مسبوقة بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد الطبقة السياسية، رغم فرض قيود مصرفية مشددة تمنع التحويلات المالية إلى الخارج.
أزمة خانقة
يُذكر أن "الدولار المدعوم" عبارة عن أموال منحها المصرف المركزي إلى الصرافين والتجار، وفق سعر صرف يبلغ 3900 ليرة مقابل الدولار بهدف استيراد السلع الضرورية؛ في ظل الارتفاع الكبير لسعر الصرف بالسوق الموازية.
فيما يتخطى سعر الدولار في السوق الموازية 8500 ليرة مقابل الدولار الواحد، بينما يبلغ سعره الرسمي 1515 ليرة لبنانية.
من جهتها، تفرض المصارف اللبنانية قيوداً قاسية على السحوبات من الودائع، لاسيما بالدولار، في ظل أزمة اقتصادية ومعيشية أدت إلى تفجر احتجاجات واسعة في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
ومنذ أكثر من عام، يعاني لبنان أزمة اقتصادية طاحنة هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، أدت إلى انهيار مالي، فضلاً عن خسائر مادية كبيرة تكبدها المصرف المركزي.