أكدت صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 28 يناير/كانون الثاني 2021، أن جوليو ريجيني قد شُوهد معتقلاً في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة، قبل العثور عليه ميتاً على جانب أحد الطرق، في قضية وترت العلاقات بين القاهرة وروما بشكل حاد، في ظل اتهام رسمي وجهته إيطاليا لأربعة أفراد أمن مصريين بالمسؤولية عن مقتل الباحث الإيطالي.
الصحيفة نقلت عن شهود عيان، يعتبرهم المحققون في روما ذوي مصداقية، حيث قال أحدهم إن "مسؤولي الأمن الذين احتجزوا الباحث الإيطالي تصرفوا كأنهم فوق القانون".
شاهد يروي تفاصيل اعتقال ريجيني
وفقاً للشاهد (دلتا) -اسم رمزي أطلقه المحققون الإيطاليون على الشهود- فإنه "رأى جوليو ريجيني وهو يُنقل إلى قسم شرطة الدقي، حيث قال: "جلبوا رجلاً نحو الساعة الثامنة أو التاسعة مساءً، تحدث بالإيطالية وطلب الوصول إلى محامٍ والحديث مع القنصلية، ولم أدرك ذلك إلا في وقت لاحق، بعد أن رأيت الصور على الإنترنت، أن هذا الشخص كان جوليو ريجيني".
تشير الصحيفة إلى أن رواية الشاهد (دلتا) تتوافق مع وصفه للقاء في مقابلة لاحقة مع صحيفة The Guardian، لا سيما فيما يتعلق بالنقاش بين جوليو ريجيني وضباط الأمن بعد أن تحدث طالب الدكتوراه باللغة الإيطالية، إذ قال له أحد أفراد قوات الأمن: "أنت يمكنك التحدث بالعربية"، في إشارة إلى أنهم كانوا على معرفة سابقة بالشاب الذي كان يبلغ من العمر 28 عاماً قبيل اعتقاله.
يقول الشاهد (دلتا) إن قوات الأمن التي اعتقلت جوليو ريجيني أمرت الضباط بـ"تركه في الثلاجة"، في إشارة إلى غرفة في بعض أقسام الشرطة المصرية تُستخدم للتضييق على المحتجزين وأحياناً للتعذيب.
كما روى الشاهد نقاشاً سمعه بين عدد من ضباط الأمن، حيث قال: "جاء الأشخاص الأربعة الذين ألقوا القبض على ريجيني، وجاء شرطي مساعد بهاتف (ريجيني) المحمول"، وسمع الشاهد أحد الضباط يسأل الشرطي المساعد: "هل فعلت ما قلته لك؟"، ليجيب الرجل: "نعم سيدي، لقد نزلت، أغلقت الهاتف وصعدت".
يزعم الشاهد (دلتا) أن هذه المناقشة كانت تدور حول مساعي الضباط لإغلاق هاتف جوليو ريجيني المحمول من داخل إحدى محطات المترو بالقاهرة، ومن ثم إخفاء أي دليل حول موقعه الأخير الذي سعى المحققون الإيطاليون إلى تبيّنه لاحقاً. ولم يقدم الشاهد هذه الأدلة للمدعين في روما. كما أن الهاتف المحمول الخاص بالمجني عليه لم يُسترد قط.
علاوةً على ذلك، طلب المحققون الإيطاليون مراراً وتكراراً لقطات كاميرات المراقبة الخاصة بمترو أنفاق القاهرة في يوم اختفاء ريجيني. وعندما قدمتها مصر أخيراً في عام 2018، احتوت على ما وصفه الإيطاليون بـ"فجوات غير مبررة"، ما يجعلها غير مجدية كدليل.
في غضون ذلك، تضمنت الرواية التي قدمها الشاهد لصحيفة The Guardian تفاصيل لتخطيط قسم شرطة الدقي، وأسماء ضباط الأمن والمحادثات التي لا يكون المعتقلون طرفاً فيها عادة.
من جانبها، تحدثت منظمة العفو الدولية إلى المصدر ووجدت روايته ذات مصداقية عالية. وقال حسين باعومي، الباحث المعني بشؤون مصر في المنظمة غير الحكومية: "كان واضحاً جداً بشأن الطريقة التي رأى بها جوليو ريجيني وتفاصيل ما حدث له".
شاهد آخر، أطلق عليه المحققون الإيطاليون اسم "جاما" قال إن الرائد مجدي إبراهيم عبد العال شريف، أحد الضباط المشتبه بهم في مقتل ريجيني، تحدث عن اختطاف ريجيني في مؤتمر كان يُعقد بمدينة نيروبي، وقال لمحدثيه: "اعتقدنا أنه جاسوس إنجليزي، أخذناه، وبعد نقله إلى السيارة اضطررنا إلى ضربه".
قضية ريجيني في المحاكم الإيطالية
تأتي هذه الشهادات بين الأدلة التي حصل عليها المدعون الإيطاليون في سياق محاولتهم إثبات أن أربعة من عناصر جهاز الأمن الوطني المصري كانوا مسؤولين عن اختفاء ريجيني.
كانت النيابة العامة في روما قد طالبت، رسمياً، الأربعاء، ببدء محاكمة بحق 4 ضباط مصريين متهمين بقتل ريجيني.
ووجَّه المدعي العام في روما، مايكل بريتيبينو، في لائحة الاتهام التي قدمها، "تهمة الاختطاف والتعذيب والقتل إلى كل من اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبدالعال شريف".
ورفضت القاهرة الاتهامات وتحدثت عن "تشكيل عصابي" بغرض السرقة يستخدم وثائق أمنية مزورة.
كانت جثة ريجيني قد عُثر عليها في حفرة بجوار طريق سريع ناء على أطراف القاهرة في فبراير/شباط 2016، بعد تسعة أيام من اختفائه أثناء عمله على بحثٍ كان يجريه عن النقابات العمالية في مصر. كان على جسده ما وُصِف بعلامات تعذيب تعرض لها، وكانت جثته مشوهة لدرجة أن والدته قالت لاحقاً إنها لم تتعرف عليه إلا من خلال "طرف أنفه".