منذ أن أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً بتحديد موعد الانتخابات الشاملة التي ستشهدها الأراضي الفلسطينية خلال هذا العام (التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني)، اتجهت الأنظار للموقف من مشاركة التيار الإصلاحي لحركة فتح وزعيمه محمد دحلان في الانتخابات، نظراً لحالة الخصومة الممتدة بينهما، منذ ما يزيد على عشر سنوات على زعامة السلطة وحركة فتح.
وظهر العامل الخارجي واضحاً في هذه الأزمة وإمكانية عودة دحلان وتياره إلى المشهد السياسي في فلسطين، إذ تشير كثير من التسريبات إلى أن زيارة رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية لرام الله يوم 17 يناير/كانون الثاني كانت لإقناع عباس بضرورة إجراء مصالحة فتحاوية مع دحلان، قبل الذهاب للانتخابات لقطع الطريق أمام احتمالية تفوق حماس فيها.
لقاء القاهرة
علمت "عربي بوست" من مصادر قيادية في حركة فتح أن "جهوداً تبذلها المخابرات المصرية والأردنية في الساعات الأخيرة لإقناع رئيس السلطة محمود عباس بالعدول عن توجهه بعدم تمكين دحلان وتياره من خوض الانتخابات القادمة، بالإضافة إلى مطالبته بمشاركته هو أو أحد قيادات التيار في لقاء أمناء العموم للفصائل الفلسطينية الذي ستحتضنه القاهرة في 15 من الشهر القادم".
وأضاف المصدر الذي رفض الإفصاح عن هويته أن "رؤية مصر والأردن تتمثل بضرورة مشاركة دحلان وتياره في الانتخابات، كمقدمة لإجراء مصالحة فتحاوية داخلية بعدها، قد تتطور إلى دعوة عباس لعقد المؤتمر الثامن لحركة فتح لإعادة دحلان للحركة الأم، ولم شملها، بما يضمن استقرارها وتفوقها على الخصوم التقليديين في الساحة الفلسطينية وهما حركتا حماس والجهاد الإسلامي".
نوايا الرئيس عباس كانت واضحة، إذ سبق إصدار مرسوم الانتخابات، إجراؤه تعديلاً على قانوني السلطة القضائية والانتخابات، تضمن بنوداً واضحة تحرم بموجبها تيار دحلان من المشاركة في الانتخابات، رغم أنه لم يعلن موقفاً نهائياً وواضحاً من السماح بمشاركة دحلان في الانتخابات، لكن الأطر القيادية المقربة من عباس لمحت بذلك في أكثر من مرة، وهو ما اعتبره التيار لعباً بالنار، وتحويل ساحة الانتخابات إلى منطقة لتصفية الحسابات، بسبب ما أبداه التيار من موقف واضح وإصرار على خوض الانتخابات.
وداخلياً لا تزال هذه القضية مثار جدل بين الأطراف السياسية، فحتى اللحظة لم تبد الكتل السياسية المتنافسة كحركة حماس وقوى اليسار موقفاً بدعم أو رفض خطوات عباس ضد دحلان، لكن بعض المصادر تشير إلى إمكانية حسم هذه القضية في حوارات القاهرة المتوقعة منتصف الشهر القادم.
ديمتري دلياني، عضو المجلس التشريعي والقيادي بالتيار الإصلاحي في حركة فتح، كشف في حديث مع "عربي بوست" أن "التيار أرسل ما لديه من إشارات، ومد يده للرئيس محمود عباس لترميم الخلافات وطي صفحة الانقسام الفتحاوي، لكن إصراره على موقفه برفض هذه المبادرات سيؤسس لمرحلة جديدة، سيكون كل طرف في حل من أمره، فالتيار بات أحد الفصائل المركزية في الساحة الفلسطينية، ومحاولات ثنيه وإقصائه لن تنجح، لذلك سنشارك في الانتخابات بالصيغة والآلية التي حددناها مسبقاً لإثبات قوة التيار في الشارع الفلسطيني، وأن بإمكانه صنع التغيير".
وأضاف المتحدث "لم نقم بطلب يد العون من الأطراف السياسية الداخلية، وحتى الخارجية، وننفي بشكل قاطع ما تردد أن التيار طلب من المخابرات المصرية والأردنية تقديم مبادرة للرئيس لإنهاء الخلافات، لأننا نسعى لإبقائها في إطارها القيادي الفتحاوي الداخلي، رغم امتلاك التيار لعلاقات سياسية داخلية وخارجية بإمكانها إلزام الرئيس بمطالب الوحدة بالشروط التي حددناها مسبقاً".
ويدرك الإصلاحي في حركة فتح أن حالة الاستقطاب التي تعيشها اللجنة المركزية لحركة فتح، ستكون عاملاً لصالحه في معركته الانتخابية القادمة، فلم يعد خافياً وجود خلافات بين تيارات الحركة في مسألة خوض الانتخابات القادمة، إذ ظهر انقسام في تصريحات قادة الحركة حول مرشحها لخوض انتخابات الرئاسة، فيما إذا كان عباس أو أحد أعضاء اللجنة المركزية مثل محمود العالول، جبريل الرجوب، مروان البرغوثي، محمد اشتية، أو حسين الشيخ.
ولم تحسم حركة فتح بعد قضايا المرشحين لخوض سباق الانتخابات التشريعية، أو الصيغة التي ستشارك بها، سواء بقائمة مستقلة أو قوائم مشتركة مع حماس أو فصائل منظمة التحرير.
من جهته يرى عبدالله عبدالله، نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح وعضو المجلس الثوري في حديثه مع "عربي بوست" أن "حركة فتح كباقي الفصائل تجري مشاورات داخلية بشأن برنامج الانتخابات القادمة، وهذا ليس بالضرورة أن يكون نابعاً من خلافات في مسألة خوض الانتخابات من عدمها، فالقرار بات استحقاقاً نتحضر له منذ آخر انتخابات في 2006، لكن الخلافات فنية بامتياز تتمحور حول قضايا متعلقة بصيغة المشاركة الانتخابية، سواء بقائمة مستقلة أو مشتركة، وأتوقع حسم هذه القضية في حوارات القاهرة الشهر القادم".
وأضاف أنه "بشأن المصالحة مع تيار دحلان، فهذه مسألة محسومة، دحلان قضيته ليست شخصية أو تنظيمية، بل قضائية، بسبب وجود تهم بالفساد أدين بها في 2016، وإذا كان للقضاء حكم نهائي بشأن مسألة ترشحه، فعلينا احترام قراره".
تدخل إماراتي
وبات واضحاً أن الإمارات تلعب دوراً مركزياً بدعم دحلان في المعركة الانتخابية، من خلال استغلالها لأزمات غزة الاقتصادية، وتقديمها المساعدات الإغاثية والطبية بإشراف مؤسسات الإغاثة التي يديرها ويشرف عليها دحلان وتياره.
بالتوازي مع ذلك، دأبت وسائل الإعلام الإماراتية المرئية والمكتوبة والتابعة لدحلان التي تبث من القاهرة ودبي بتصويره كأحد الشخصيات التي تعرضت لإقصاء ممنهج ومتعمد من قبل عباس، ولعل التحقيق الأخير الذي بثته قناة الكوفية ومقرها القاهرة وتتلقى تمويلاً من الإمارات في جزأين تحت عنوان "الرواية المفقودة" تظهر ما تعرض له دحلان من قبل عباس.
هذه المؤشرات تعطي إشارة بما لا يدع مجالاً للشلك إلى مدى رغبة الإمارات بأن يصبح دحلان أحد أبرز اللاعبين في الساحة الفلسطينية، لذلك بدأت بالترويج للمشاريع التي تمولها وتشرف عليها في الساحة الفلسطينية تحديداً في غزة، لكسب أصوات الناخبين لصالح دحلان.
ويطمح دحلان وتياره للعب دور مركزي في الانتخابات الفلسطينية، من خلال مساعيه لكسب تأييد الشارع لرفع رصيد كتلته في المجلس التشريعي، إذ يمتلك الآن كتلة مكونة من 16 نائباً، ومن ضمن أهدافه كسب أصوات المعارضين لسياسة عباس في قطاع غزة والضفة الغربية، ودعم قوائم من المستقلين، ليشكل كتلة مانعة في المجلس التشريعي.
وكشف عماد محسن، المتحدث الرسمي باسم التيار الإصلاحي (تيار دحلان) في حديثه مع "عربي بوست" أن "خلافات عباس مع التيار باتت وراء ظهورنا، نحن لسنا بموقف ضعيف ليستجدي الرئيس من أجل لمّ شمل حركة فتح، وسنُراهن على موقف الشارع الذي سيكون له كلمته في الانتخابات".
وأضاف المتحدث أن "كل محاولات عباس لإقصاء التيار من الحالة السياسية باءت بالفشل، ونُدرك أن هنالك محاولات لتشويه صورة التيار وقادته عبر الإعلام، لكن هذه الحالة ستنتهي حينما يدرك الشارع الحقيقة الكاملة".
ويعتقد أنصار دحلان أنهم أمام استحقاق انتخابي، ويجب على عباس في هذه الظروف عدم تأجيج الصراعات، فإذا لم يكن يرغب بالوحدة معه، فعليه ألا يتعامل بسياسة الإقصاء لأنه سيضر بصورة الحركة الأم، ويضعف موقفها أمام باقي الفلسطينيين في ظل هذه التحديات الراهنة".
من جهته يرى ساري عرابي، الكاتب والمحلل السياسي من الضفة الغربية في تصريح لـ"عربي بوست" أن "الدعوة لإجراء الانتخابات جاءت بضغوط إقليمية ودولية أجبرت محمود عباس على ذلك، وبالتالي فإن قرار المصالحة الفتحاوية بين عباس ودحلان ستكون بيد الأطراف الإقليمية والعربية بالتحديد".
وكشف المتحدث أن "جهداً مصرياً أردنياً مشتركاً تقف خلفه الإمارات والسعودية لإقناع عباس بالمصالحة مع دحلان، للحفاظ على استقرار وتفوق فتح في استحقاق الانتخابات القادم، ومنعاً لأي مفاجآت بوصول حماس لمفاصل الحكم في السلطة الفلسطينية في حال حققت فوزاً في الانتخابات التشريعية القادمة والمجلس الوطني".
وأشار المتحدث إلى أن "الأطراف العربية تدرك أن أيام الرئيس الأخيرة في المقاطعة باتت معدودة، وإمكانية رحيله عن المشهد تبدو الأقرب من بقائه لفترة أخرى، لذلك قد يكون دحلان الأقوى ترشيحاً لزعامة فتح، ومنعاً لتشتتها".