أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأحد 24 يناير/كانون الثاني 2021، التزامهما بـ"استئناف العمل معاً" حول قضايا ذات اهتمام مشترك فور عودة الأخير إلى بلاده من ألمانيا؛ حيث يستكمل علاجاً من مضاعفات الإصابة بكوفيد-19، وذلك بعد أزمة الجزائر وباريس على خلفية إعلان الأخيرة اعتزامها القيام بـ"خطوات رمزية" لمعالجة ملف احتلال وحرب الجزائر، لكن دون الاعتراف أو الندم على جرائمها ضد الشعب الجزائري أثناء الاستعمار.
وكالة الأنباء الفرنسية قالت، نقلاً عن بيان مقتضب لرئاسة الجمهورية الجزائرية، إنّ تبون "تلقى مساء اليوم مكالمة هاتفية" من نظيره الفرنسي "اطمأن فيها على صحته"، وأبلغه خلالها "رغبته في استئناف العمل معاً على الملفات ذات الاهتمام المشترك، ولا سيما الاقتصادية والقضايا الإقليمية وملف الذاكرة"، وذلك فور عودة الرئيس الجزائري إلى البلاد.
كما أكد تبون بدوره استعداده للعمل على هذه الملفات مع عودته إلى الجزائر، وفق البيان، فيما قال قصر الإليزيه إن الرئيسين اتفقا على أن يتحادثا بعد عودة تبون إلى الجزائر العاصمة.
خطوة رمزية دون اعتذار
ويأتي هذا بعد أن عادت مساعي التسوية في ملف الذاكرة التاريخية بين الجزائر وفرنسا إلى نقطة الصفر، بعد بيان الرئاسة الفرنسية، الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني 2021، الذي استبعد اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر ورفضها مبدأ الاعتذار.
ويرى متابعون أن بيان الإليزيه من شأنه أن يعقد الأزمة بين البلدين، كما من شأنه أن يحبط الأسرة الثورية في الجزائر، والتي قاومت الاستعمار الفرنسي منذ 1830، وتعرضت لأقسى أنواع الجرائم والعذاب انتهت بثورة في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، من ثم استقلال الجزائر في 5 يونيو/حزيران 1962.
إذ أكد بيان صادر عن الإليزيه مساء الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني 2021، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقبل بالقصر الرئاسي المؤرخ والباحث الأكاديمي بنجامان ستورا، الذي قدم تقريراً حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962)، يحوي مقترحات لإخراج العلاقة بين باريس والجزائر من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة.
وأعرب الرئيس الفرنسي عن أمله في أن تحقق هذه المبادرات الوصول لمصالحة بين بلاده والجزائر، وأن تلفت النظر إلى جراح الماضي، مشيراً إلى أنه يرغب في أن يتم إحياء ذكرى من فقدوا حياتهم بالحرب الجزائرية، من خلال فعاليات مختلفة.
غضب في الجزائر
فيما كان الجزائريون ينتظرون خطوات جادة لاعتراف فرنسا بجرائمها التي ارتكبتها من عام 1830 حتى 1962، برأي الباحث في التاريخ الجزائري بجامعة اليكانت الإسبانية والأستاذ في جامعة بجاية الجزائرية، زروق ججيغ، "أصابتهم الصدمة من تقرير ستوريا وبيان الإليزيه".
وقال الباحث زروق ججيغ، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "عودة موضوع الذاكرة التاريخية المشتركة بين الجزائر وفرنسا إلى الواجهة بعد إقرار الحكومة الفرنسية عدم اعتذارها للشعب الجزائري عن جرائمها المقترفة منذ 1830 وإبقائها لبعض المصطلحات السامة والمستفزة" وتابع ججيغ، أن "بيان الإليزيه وتقرير بانجامان الرافضين للاعتراف الصريح لفرنسا بجرائمها في الجزائر من شأنهما أن يعيدا ملف الذاكرة إلى واجهة المشهد العام".
وأضاف الباحث أن "التعنت الفرنسي سيُؤدي إلى توتر العلاقات بين البلدين، ما يجعلها في دوامة من التجاذب والتنافر، ففرنسا تستغل ملف الذاكرة التاريخية في خطاباتها؛ لأجل تحسين صورتها وعلاقاتها، وتقوم بخطوات رمزية فقط لأجل استعطاف الحكومة الجزائرية كإرجاع رفات الشهداء وغيرها".
من جهته، يرى المجاهد الجزائري وابن مدينة بوقاعة شرق العاصمة وأحد شهود العيان عن الجرائم الفرنسية بالجزائر عبدالقادر نجار، أن "فرنسا حتى وإن اعتذرت، وقدمت ما قدمت كتعويض عن جرائمها في الجزائر فلا يمكنها أن تمحو ساعة واحدة من بشاعة استعمارها من مخيلة الجزائريين".
الجزائر لن تطوي الصفحة
فيما أعلنت الجزائر بدورها، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، أنها لن تطوي صفحة الماضي الاستعماري مع فرنسا، تزامناً مع اعتزام الأخيرة إعلان تقرير جديد بشأن هذا الملف، وهو التقرير المقدم للرئيس ماكرون.
وقال حينها عبدالمجيد شيخي، مستشار الرئيس المكلف بالذاكرة في لقاء مع الإذاعة الجزائرية: "موقفنا مستقر نحن كجزائريين، لن ننسى أو نطوي صفحة الماضي (في إشارة لفترة الاستعمار)، ونطالب باسترجاع الوثائق التي هربتها فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية".
تصريح شيخي رغم أنه لم يحمل تفاصيل رفض نسيان الماضي، فإن أستاذ العلاقات الدولية مراد سراي يعتبره "رداً على كل محاولات فرنسا طمس الحقائق والتهرب من مسؤولياتها تجاه ما ارتكبته في الجزائر".