قالت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، الأحد 24 يناير/كانون الثاني 2021، إن الصين تفوقت على الولايات المتحدة لتصبح الوجهة الأولى في العالم للاستثمار الأجنبي المباشر الجديد خلال عام 2020، حيث زادت جائحة كوفيد-19 من وتيرة التحوّل نحو الشرق في مركز ثقل الاقتصاد العالمي.
حيث تلقت الصين أكبر استثمار أجنبي مباشر خلال العام الماضي، فيما استقطب اقتصادها تدفقات مالية بقيمة 163 مليار دولار.
مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) قال، في تقرير له نشرته وكالة رويترز، اليوم الإثنين 25 يناير/كانون الثاني 2021، إن التدفقات الصينية البالغة 163 مليار دولار العام الماضي تأتي مقارنة مع 134 مليار دولار جذبتها الولايات المتحدة.
فقد استمر تدفق استثمارات الشركات متعددة الجنسيات إلى الصين رغم الاضطرابات الناجمة عن الجائحة، إذ وسعت مجموعة من شركات هانيويل الصناعية الأمريكية العملاقة، وشركة أديداس الألمانية لصناعة الملابس الرياضية من أنشطتها هناك.
كانت الصين قد احتلت المرتبة الثانية لفترة طويلة، في حين شهدت زيادة الاستثمارات المباشرة من الشركات الأجنبية بنسبة 4%، حيث لجأت بكين إلى إجراءات الإغلاق الصارمة لاحتواء كوفيد-19 إلى حد كبير بعد ظهور المرض لأول مرة في مدينة بوسط الصين.
الصين الوحيدة التي تفادت الانكماش في العالم
أظهرت بيانات رسمية هذا الأسبوع أن الناتج المحلي الإجمالي للصين نما 2.3% في 2020، لتصبح الصين الاقتصاد الكبير الوحيد في العالم الذي تفادى انكماشاً في العام الماضي، خاصة في ظل تدهور معظم الاقتصادات الكبرى الأخرى في العام الماضي.
إذ تسارعت وتيرة نشاط الاقتصاد الصيني في الربع الرابع، فيما فاق النمو التوقعات، إذ أنهى عام 2020 الذي شهد ضربة فيروس كورونا في وضع جيد بشكل ملحوظ وما زال مستعداً للتوسع على نحو أكبر هذا العام حتى مع تفشي الوباء العالمي بلا هوادة.
مركز الاقتصاد العالمي
أرقام الاستثمار لعام 2020 تؤكد تحوّل الصين لتصبح مركز الاقتصاد العالمي الذي طالما هيمنت عليه الولايات المتحدة، وهو تحول تسارعت وتيرته خلال الجائحة، حيث عززت الصين مكانتها الاقتصادية ووسعت حصتها في التجارة العالمية، بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).
مراقبون اعتبروا ما حققه الاقتصاد الصيني بمثابة مفاجأة للكثيرين، في التعافي السريع من تداعيات جائحة كورونا، لا سيما في الوقت الذي تعين فيه على صانعي السياسات التعامل مع توتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بشأن التجارة وجبهات أخرى.
"تراجع الاستثمار الأجنبي بأمريكا أمر غير مقلق"
من جهته، قال دانييل روزين، الشريك المؤسس لمجموعة Rhodium Group، وهي شركة أبحاث مستقلة في نيويورك، والذي أجرى الكثير من الدراسات عن العلاقات الاقتصادية الصينية، إن التراجع الحاد في الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة العام الماضي يعكس الانكماش الاقتصادي الواسع النطاق الذي سببته جائحة كورونا.
روزين رأى أنه من الطبيعي أن يتراجع الاستثمار الأجنبي تراجعاً حاداً في الولايات المتحدة في ظل هذه الظروف الراهنة، لأن أمريكا لديها اقتصاد سوق مفتوح، على عكس الصين. مضيفاً: "لا يوجد سبب للقلق على مستقبل الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة شريطة أن تلتزم بنظام السوق المفتوحة التنافسي".
فرغم اجتذاب الصين المزيد من التدفقات المالية الجديدة خلال العام الماضي، إلا أن إجمالي رصيد الولايات المتحدة من الاستثمار الأجنبي لا يزال أكبر بكثير، في انعكاس للمكانة التي احتلتها لعقود باعتبارها الموقع الأكثر جذباً للشركات الأجنبية التي تتطلع إلى التوسع خارج أسواقها المحلية.
تجدر الإشارة إلى تراجع الاستثمارات الجديدة للشركات الخارجية في الولايات المتحدة، التي احتلت المركز الأول لعقود، بنسبة 49% عام 2020، خاصة في ظل مكافحة أمريكا للحد من انتشار فيروس كورونا، وتراجع الإنتاج الاقتصادي، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة.
توقعات بعدم انتعاش الاستثمار الأجنبي المباشر خلال 2021
فيما لا يتوقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية انتعاشاً كبيراً للاستثمار الأجنبي المباشر هذا العام الجاري، على مستوى العالم أو في البلدان التي شهدت تراجعات عام 2020.
حيث توقع جيمس زان، مدير الاستثمار والمشاريع في الأونكتاد، أن يظل المستثمرون حذرين في استثمار رؤوس الأموال. كما رجح عدم حدوث انتعاش فعلي حتى العام 2022. وقال إنه حتى ذلك الحين فـ"الطريق إلى تعافي الاستثمار الأجنبي المباشر بالكامل سيكون وعراً".
بدوره، ذكر جوزيف جويس، أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد في كلية ويلسلي بولاية ماساشوستس الأمريكية، أن الانخفاض الحاد في الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة كان بسبب الجائحة، إلا أن ذلك يدفع الشركات أيضاً إلى إعادة التفكير في استثماراتها المستقبلية.
فالشركات تعيد تقييم سياساتها المتعلقة بسلاسل التوريد العالمية والأسواق الخارجية واستخداماتها للتكنولوجيا، والجائحة تدفع كل هذه الشركات إلى إعادة التفكير في مكان وجودها، طبقاً لما أورده جويس.
ذروة الاستثمار الأجنبي في أمريكا والصين
جدير بالذكر أن الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بلغ ذروته عام 2016 ليصل إلى 472 مليار دولار، في الوقت الذي بلغت فيه قيمة الاستثمار الأجنبي في الصين 134 مليار دولار. ومن حينها، أخذ الاستثمار في الصين يرتفع، وأخذ ينخفض في الولايات المتحدة عاماً بعد عام بداية من عام 2017.
كانت إدارة ترامب تشجع الشركات الأمريكية على مغادرة الصين، وإعادة تأسيس أنشطتها في الولايات المتحدة، كما أبلغت المستثمرين الصينيين بأن عمليات الاستحواذ في الولايات المتحدة ستواجه تدقيقاً جديداً لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وهو ما قلل من الاهتمام الصيني بالصفقات الأمريكية.
التقرير الأممي أشار إلى تلقي الولايات المتحدة خلال عام 2019 تدفقات بقيمة 251 مليار دولار، فيما جذبت الصين 140 مليار دولار.
بحسب تقرير أونكتاد، انهار الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً في 2020، لينخفض 42% إلى 859 مليار دولار بحسب التقديرات، من 1.5 تريليون دولار في 2019.
كما شهد الاتحاد الأوروبي تراجع الاستثمار الأجنبي بمقدار الثلثين، في حين لم تسجل بريطانيا أي تدفقات جديدة، مع تضررها بصورة كبيرة من الجائحة.
يشار إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر يجتذب أنشطة مثل بناء الشركات الأجنبية لمصانع جديدة أو توسيع أنشطتها الحالية في بلد ما أو استحواذها على شركات محلية.