لليوم الخامس على التوالي، خرج عشرات المتظاهرين التونسيين إلى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس، اليوم الإثنين 18 يناير/كانون الثاني 2021، في احتجاج رفعوا خلاله شعار "ها قد جئنا بالنهار"، وذلك بعد مواجهات عنيفة استمرت عدة أيام في أرجاء البلاد أسفرت عن اعتقال نحو ألف شخص.
وفي شارع بورقيبة وهو الشارع الرمز ونقطة محورية في الاحتجاجات التي أنهت حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قبل عشر سنوات، وفيما لا توجد أجندة واضحة للاحتجاجات أو دعم مُعلن من الأحزاب الرئيسية، طالب المتظاهرون، الإثنين، بإطلاق سراح المعتقلين في أحداث الأيام الماضية.
إذ قالت شابة تدعى سنية، وهي عاطلة عن العمل منذ أعوام بعد حصولها على شهادة جامعية في الآداب: "إنهم يصفون كل مَن يحتج على النظام بأنه لص. لقد جئنا بوجوه مكشوفة في النهار وليس بالليل لنقول إننا نريد وظائف. نريد الكرامة. لنقول يكفي احتقاراً. يكفي تهميشاً يكفي جوعاً"، بحسب ما نقلته وكالة رويترز عنها.
وسط تزايد الغضب من البطالة المزمنة وتردي الخدمات العامة، ردد المحتجون هتافات مناوئة للسلطة، منها: "لا خوف لا رعب.. الشارع ملك الشعب".
كما تجمع محتجون، الإثنين، في منزل بوزيان التابع لولاية سيدي بوزيد، حيث أدى حرق بائع فاكهة في أواخر 2010 إلى اندلاع الثورة.
توقيف 632 شخصاً
فيما أعلنت الداخلية التونسية، اليوم الإثنين، توقيف 632 شخصاً شاركوا في "أعمال شغب" شهدتها العاصمة ومناطق أخرى، خلال الأيام الأربعة الماضية.
حيث قال المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني، إن الشرطة اعتقلت 632 شخصاً، أمس الأحد 17 يناير/كانون الثاني 2021، بعد ما وصفه بأعمال شغب في أنحاء البلاد شملت أعمال نهب، لافتاً إلى أن معظم المعتقلين تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاماً، وقال إنه سيتم تسليمهم للقضاء.
الحيوني أكد أن تلك الاحتجاجات عمدت إلى "حرق العجلات المطاطية وحاويات الفضلات بهدف إعاقة تحركات الوحدات الأمنية، بخلاف الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة، ومحاولات لخلع (لسرقة) المحلات التجارية الكبرى والصغرى".
الجيش ينتشر لحماية المنشآت العامة
كانت وزارة الدفاع التونسية قد أعلنت، مساء الأحد 17 يناير/كانون الثاني 2021، انتشار وحدات عسكرية أمام المنشآت العامة ومقرات السيادة، تحسباً لأعمال الشغب. فيما تتواصل الاحتجاجات لليوم الرابع على التوالي وسط بعض أعمال الشغب التي يقوم بها محتجون.
الناطق باسم وزارة الدفاع، محمد زكري، قال لإذاعة "موزاييك" (خاصة)، إنه "تمّ نشر وحدات عسكرية أمام منشآت عمومية ومقرات سيادة في ولايات سليانة (شمال غرب)، والقصرين (غرب)، وبنزرت (شمال)، وسوسة (شرق)، تحسباً لأعمال الشغب التي يمكن أن تستهدف هذه المنشآت".
وقوات الجيش التونسي بصدد المشاركة في دوريات مشتركة في كافة جهات الجمهورية، طبقاً لما أورده الناطق باسم وزارة الدفاع.
احتجاجات متواصلة
يذكر أن أحياء بالعاصمة تونس وبعض المحافظات تشهد احتجاجات ليلية متواصلة، وسط صدامات مع رجال الأمن، على خلفية رفض تدابير كورونا التي تحظر التجوال، واحتجاجاً على التهميش والفقر والبطالة.
يشار إلى أن وزارة الصحة التونسية أعلنت يوم الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني 2021، فرض حظر شامل لمدة 4 أيام اعتباراً من الخميس، وانتهى يوم الأحد 17 يناير/كانون الثاني 2021، في السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي (5.00 تغ) ضمن حزمة إجراءات لمجابهة كورونا.
بدأت الاحتجاجات الليلية يوم الخميس 14 يناير/كانون الثاني 2021، مع انطلاق حظر التّجول الذي أقرته الحكومة.
جدير بالذكر أن عدد الإصابات بكورونا بلغ في تونس 180.090، منها 5.692 وفاة، و128.992 حالة تعافٍ، وذلك حتى يوم الأحد 17 يناير/كانون الثاني 2021.
هل ستتواصل الاحتجاجات أم ستخمد كغيرها؟
كان عشرات الشبان، وفقاً لوكالة الأناضول، قد خرجوا إلى شوارع أحياء مثل "حي التّضامن"، و"شباو"، و"سيدي حسين"، المتاخمة للعاصمة، وأحياء أخرى عديدة في نابل (شرق) وسليانة (غرب).
إلا أن مصادمات وقعت مع قوات الأمن في عدة مناطق عقب استخدامها الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين رشقوا الشرطة بالحجارة، وأحرقوا الإطارات وحاولوا إغلاق الطرق.
لكن ليس من الواضح ما إذا كانت ستكتسب تلك الاحتجاجات زخماً أم ستخمد، كما حدث في العديد من جولات الاحتجاجات السابقة منذ عام 2011.
حيث يرى البعض أنها احتجاجات طبيعية ومتكررة مع كل ذكرى للثورة التونسية، وأنها ستمر كغيرها من الاحتجاجات السابقة، بينما يرى آخرون أنها احتجاجات قد تكون مختلفة، وقد تتصاعد أكثر خلال الفترة المقبلة في ظل التأزم السياسي والاقتصادي الذي تشهده البلاد.
"توتر سياسي غير مسبوق في ذكرى الثورة"
تأتي الاحتجاجات الجديدة وأعمال الشغب التي تشهدها تونس وسط مناخ سياسي متوتر وصعوبات اقتصادية لم يسبق لها مثيل في البلاد.
إلا أنه منذ نحو شهرين تشهد تونس احتجاجات في عدد من المناطق للمطالبة بتحسين ظروف العيش وتوفير فرص عمل للعاطلين.
تزامنت تلك الاحتجاجات مع الذكرى العاشرة للثورة التي أطاحت بالنظام السابق، لتمهد لانتقال سياسي يواجه صعوبات اقتصادية.
كان رئيس الحكومة هشام المشّيشي قد أعلن السبت 16 يناير/كانون الثاني 2021، إجراء تعديلٍ وزاري شمل 11 حقيبة (من أصل 25)، مقدماً وعوداً بإنجازات في مستويات اجتماعية واقتصادية.
تمثل تلك الاحتجاجات اختباراً لقدرة حكومة المشيشي على التعامل معها، بينما يشهد الوضع السياسي توتراً ملحوظاً بين الفرقاء.
فبعد عقد من التخلص من أغلال الحكم الاستبدادي، سقطت تونس في أتون أزمة اقتصادية كبرى حتى قبل تفشي جائحة فيروس كورونا العام الماضي، والتي فاقمت الصعوبات مع ضربة قوية للصناعة وإغلاق بعض الشركات.