بين الثاني عشر والثالث عشر يناير يحتفل الأمازيغ في شمال إفريقيا، وخصوصاً في البلدان المغاربية المغرب والجزائر وتونس وليبيا، بـ"ناير" رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2971.
فإلى جانب مجموعة سيوة الصغيرة في أقصى غرب مصر، ومجموعة صغيرة أيضاً في جزر الكناري (أرخبيل إسباني في المحيط الأطلسي قبالة سواحل المغرب الجنوبية)، يوجد الأمازيغ بغالبيتهم الساحقة في المنطقة المغاربية.
ويُطالب هؤلاء الأمازيغ كساكنة أصلية في المنطقة، باعترافٍ أكبر بهويتهم وثقافتهم، كما أن البعض منهم حقق مكاسب مهمة، على غرار دخول الأمازيغية ضمن الدستور في المغرب والجزائر، كما أنهم يشتركون في اللغة وفي عادات مستمرة إلى اليوم، على غرار الاحتفال بـ"إيض ن يناير" أو "إيخف أوسكواس" رأس السنة بالأمازيغية.
السنة الأمازيغية.. احتفاء مغاربي
يقوم الأمازيغ عادة بإحياء رأس السنة بشكل يليق بحجم الحدث، وإن كانت طقوس الاحتفال تختلف من منطقة لأخرى بشمال إفريقيا، ومن جهة لأخرى داخل البلد الواحد.
وبقدم شعب الأمازيغ في الأرض المغاربية، تسعى القبائل الأمازيغية بكل من المغرب والجزائر وليبيا وتونس إلى جعل رأس السنة الأمازيغية مناسبةً للاحتفاء الشعبي في تقليد يهدف إلى ترسيخه أكثر في الأجيال الصاعدة.
ففي الجزائر يحرص الأمازيغ على إعداد أطباق أمازيغية أصيلة يزينون بها مائدة الاحتفالات باليوم الذي أقرته الحكومة الجزائرية عيداً وطنياً، كانتصار منها لجزء كبير من المواطنين يرتكز أغلبهم في منطقة القبائل.
ومن بين الأطباق الأمازيغية التي يُعدها أمازيغ الجزائر طبق "شخشوخة" و"الرشتة"، و"بركوكس"، و"التراز" هذا الأخير الذي يُعد طبقاً أمازيغياً أصيلاً يتم تحضيره بخلط الحلويات والتمر والفواكه الجافة.
أما في تونس فمنطقة استقرار الأمازيغ في الجبال، فالاحتفال بالسنة الأمازيغية أو الناير يبقى محدوداً مقارنة بالمغرب والجزائر، خصوصاً أن أمازيغ تونس لم يُحققوا مكاسب كبيرة في بلدهم.
وتحرص الأسر التونسية الأمازيغية على تحضير أطباق مغاربية كالعصيدة والكسكس، وأطباق حصرية كطبق تيكربابين وهو مزيج للسميد والبصل والطماطم وزيت الزيتون الوفير في جبال تونس الخضراء.
أما في ليبيا فالأمازيغ يستقرون فيها بجبل نفوسة، وبدؤوا بالاحتفال بالسنة الأمازيغية بعد سقوط نظام معمر القذافي الذي اضطهد الأمازيغ الليبيين، وذلك بجمع النساء لأعشاب خاصة بالمناسبة وتعليقها على الجدران الخارجية للمنازل، معلنين بانطلاق موسم فلاحي خص ووفير.
ويُعد أمازيغ ليبيا كباقي الأمازيغ بشمال إفريقيا طبق الكسكس المسقي بالحليب عوض المرق، كما أنهم يتجنبون الطهي غسل الأواني يوم رأس السنة أو إشعال النار في المنزل، لذلك فالاحتفالات تكون قبل يوم 11 أو 13 يناير/تشرين الثاني 2021.
المغرب، الذي يضُم أكبر عدد من الأمازيغ، تكون الاحتفالات كل سنة كبيرة، فالأمازيغ يستقرون في مناطق مختلفة من المملكة، بدءاً من أمازيغ الريف شرق الشمال، وفي أمازيغ سوس جنوب البلاد، وأيضاً أمازيغ الجنوب الشرقي.
ويحرص الأمازيغ في المغرب على إعداد طبق العصيدة، وهو مزيج الدقيق المفتول والماء والحليب والزبدة والعسل، بالإضافة إلى إعداد طبق الكسكس بسبعة خضر، وأيضاً الفواكه الجافة.
وفي المجمل يشير الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في دول شمال إفريقيا إلى ارتباط الأمازيغ بالأرض من خلال تحضير أطباق من منتجات الأرض وزراعتها فقط، تيمّناً بموسم فلاحي وافر.
وليست الأطباق وحدها ما تطبع احتفالات الأمازيغ بالسنة الأمازيغية، فللباس أيضاً دور مهم في تقليد قبائلي، إذ يسعى الأمازيغ إلى التميز في هذه الليلة بأثواب ملونة ومرصعة باللون الذهبي، بالإضافة إلى تزيين النساء بمعدن الفضة، لما لهذه الحليّ من رموز في الثقافة الأمازيغية.
وللموسيقى الأمازيغية جزء كبير في احتفالات الأمازيغ برأس السنة، إذ تحرص القبائل المغاربية الأمازيغية على تزيين احتفالاتهم بأهازيج غنائية والعزف على الآلات الوترية، وأيضاً الناي والدف.
ويحرص الأمازيغ كذلك ليلة رأس السنة على أداء قصائد تتغنى بالأرض والتاريخ والحب، تعبيراً منهم عن فيض الفرح الذي يطرق أبوابهم في هذه المناسبة.
ويرى الحسين بويعقوبي، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة ابن زهر بأكادير جنوب المغرب، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "من مظاهر الثقافة الأمازيغية المشتركة في مختلف مناطق شمال إفريقيا، هو الاحتفال كل يوم 13 يناير بليلة رأس السنة الأمازيغية تحت مسميات مختلفة حسب المناطق، ووفق طقوس وعادات متنوعة تحيل كلها على الارتباط بالأرض والفلاحة وتمنّي سنة فلاحية مثمرة".
وأضاف أستاذ الأنثروبولوجيا أنه "مع بزوغ الوعي الهوياتي الأمازيغي، تم التوافق على جعل سنة 950 قبل الميلاد تاريخ بداية التقويم في هذه الرزنامة، إذ يحيل هذا التاريخ لعام تربع الملك الأمازيغي شيشونق على عرش مصر".
اللغة الأمازيغية.. الإجماع المغاربي
إضافة إلى هذا التاريخ الذي يجمع الأمازيغ في الدول المغاربية خاصة، فإن الأمازيغ تجمعهم أيضاً "لغتهم الأمازيغية الضاربة جذورها في شمال إفريقيا، إذ عاصرت هذه اللغة لغات انقرضت اليوم كاللاتينية ولغة الفراعنة في مصر، فيما بقيت هي حية تستعملها فئات واسعة من سكان بلاد الأمازيغ تامزغا"، يقول الحسين بويعقوبي بجامعة ابن زهر بمدينة أكادير.
ويوضح بويعقوبي أن اللغة الأمازيغية "تتوزّع في شكل تنويعات جهوية واسعة تربط بينها أمور كثيرة، وتختلف في بعض المستويات، وتتميز بإنتاج ثقافي غزير شفوياً، وبداية تحقّق تراكم كتابي منذ بضع سنوات".
كما أبرز المصدر ذاته أن الأمازيغ يتميّزون في الماضي بمؤسساتهم الاقتصادية والسياسية والثقافية، ونمط عيشهم المتنوع بتنوع المجالات الجغرافية التي يعيشون فيها من ساحل وجبال وسهول وواحات ثم الصحراء".
وتختلف اللغة الأمازيغية بين لهجات الأمازيغ في المرتكز أغلبهم في شمال إفريقيا، فبين ريف المغرب وسوسه، وقبايل الجزائر وأمازيغ تونس وجبال ليبيا يتحدث الأمازيغ لهجات وهي "الشلحة والسوسية وتاريفيت".
نضال الأمازيغ
وفي كل مناطق تمركز الأمازيغ بشمال إفريقيا، التي تعرف أمازيغياً باسم تامزغا، لم يكن بُدّا أمام الأمازيغ سوى النضال المستميت لتحقيق مطالب شرعية لثقافتهم وهويتهم ولغتهم.
فالمغرب مضى بعيداً في إعطاء السكان الأصليين حقوقاً واسعة تُوجت بدستور 2011، الذي أَقرّ باللغة الأمازيغية كلغةٍ رسميةٍ إلى جانب اللغة العربية.
وأمام هذه المكاسب لا زال أبناء الحركة الأمازيغية، يطالبون بمزيد من الحقوق، على غرار جعل يوم 13 يناير من كل سنة يوم عطلة رسمية، لما يمثله هذا اليوم من رمزية كبيرة لدى الأمازيغ.
الأمر في الجزائر، الذي يتركز غالبية أمازيغييها في منطقة القبائل شرق البلاد وفي الوسط والشرق والجنوب، مختلف قليلاً مع الإقرار برأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مدفوعة الأجر في 2018، وذلك في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
أما في ليبيا وتونس، فمنذ سقوط نظامي القذافي وبن علي أصبحت مطالب الأمازيغ أكثر إلحاحاً، ويدينون إنكار خُصوصياتهن الثقافية من جانب الدولة.
يقول هشام المستوري أفولاي، منسق العلاقات الخارجية والعمل الدول بمُنظمة تامينوت الأمازيغية: "نبّهت الحركة الأمازيغية سنوات قليلة بعد الاستقلال خصوصاً في المغرب والجزائر، حيث ناضلت وفق نموذج نظري وفكري مغاير يستقي من المحلي وينفتح على العالمي، من أجل تصحيح الكثير من الأخطاء والتّعريف بخطابها وبقوّته".
ويعتبر الناشط الأمازيغي في حديثه مع "عربي بوست" أن "هذه الدينامية وهذه النهضة الأمازيغية، أعادت النقاش حول أسئلة الهوية وتناقض الخيارات الأيديولوجية للسلطات المركزية مع واقع الشعوب وتاريخها وجغرافيتها".
في هذا السياق، يؤكد رشيد الرخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، أن "الربيع الأمازيغي أو "تافسوت ن إيمازيغن" ليوم 20 أبريل 1980 في الجزائر، ساهم في كسر الحصار وحاجز الخوف في عموم بلدان شمال إفريقيا، وكان نبراساً لاندلاع حراك أمازيغي حديث للمطالبة بالحقوق الأمازيغية".
وكانت أحداث الربيع الأمازيغي هذه قد اندلعت في ثمانينات القرن الماضي بعد منع السلطات الجزائرية تنظيم محاضرة حول الشعر الأمازيغي قديماً، كان مقرراً أن يُلقيها بجامعة تيزي وزو الكاتب الأمازيغي الراحل مولود معمري.
ومنذ الثمانينات "استطاعت الحركة الأمازيغية خصوصاً في الجزائر والمغرب، قبل أن يشمل هذا الوعي ليبيا وتونس بعد الربيع الديمقراطي لسنة 2011، استثمار كل هذه الاحتجاجات لصالحها، من خلال بروز نخبة أمازيغية مثقفة وواعية عملت من خلال كتاباتها وجرأة تناول القضية الأمازيغية في خلخلة المشهد الثقافي والسياسي المغاربي وإثراء النقاش حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين"، يردف رئيس التجمع العالمي الأمازيغي.
مكاسب مهمة وترافع مستمر
من خلال هذه النقاشات حول الأمازيغية وحقوق الأمازيغ في المنطقة المغاربية، في إطار ترافع مدني حاضر بقوة في الساحة المغربية والجزائرية واليوم في تونس وليبيا وفي موريتانيا بشكل أقل، كان واضحاً الاستجابة لمطالب الحركة الأمازيغية.
يقول رشيد الرخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي: "إن أهم وأبرز هذه المطالب، هي ترسيم الأمازيغية في الدستور المغربي لسنة 2011 لغة رسمية وفي دستور 2016 بالجزائر، وكذا ترسيم السنة الأمازيغية بالجزائر، وتدريس الأمازيغية في البلدين رغم كل الحصار والتماطل واللامبالاة والتسويف، والكثير من الإكراهات والتحديات التي تواجه هذا الورش المهم".
وتابع رشيد الرخا أن "الحركة الأمازيغية تنتظر تحقيق العديد من المطالب، خصوصاً تفعيل رسمية الأمازيغية في كل من الجزائر والمغرب، والاستجابة لمطالب ترسيم الأمازيغية في دساتير تونس وليبيا مع الإقرار بجميع الحقوق اللغوية والثقافية والهوياتية في هذين البلدين".
وكان رئيس التجمع العالمي الأمازيغي رشيد الرخا قد تقدم برسالة للديوان الملكي يُطالب من خلالها بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مدفوعة على غرار الجزائر، التي استبقت الأمر منذ سنتين.
وجاء في الرسالة التي طرقت باب القصر الملكي أنه "مدى أكثر من 10 سنوات يتم مراسلة السلطات التنفيذية المتمثلة في الحكومتين السابقة والحالية والسلطات التشريعية المتمثلة في البرلمان بغرفتيه، من أجل سن قوانين من شأنها الاعتراف برأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً وعطلة رسمية مدفوعة على غرار باقي الأعياد والعطلة الرسمية، إلا أننا لم نتلق إلى اليوم أي تفاعل إيجابي مع هذا المطلب الذي أصبح مطلباً شعبياً تنتظره كل الفعاليات الأمازيغية والمنظمات الحقوقية وبعض الأحزاب السياسية".
من جانبه، يشير هشام المستوري أفولاي، منسق العلاقات الخارجية والعمل الدول بمنظمة تامينوت، إلى أنه رغم ما تحقق إلى الآن للأمازيغ في المغرب والجزائر أساساً، إلا أن "هناك الكثير من الاختلالات ذات الصلة بنسق مؤسساتي تمييزي".
ويعتبر الناشط الأمازيغي أنه "في تونس أقصت السلطات السياسية بشكل خطير الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية في دستور ما بعد الثورة، فيما يقوم المجلس الوطني لأمازيغ ليبيا بالعمل على ضمان الحقوق الأمازيغية في النظام السياسي لهذا البلد الذي سيتشكل، بالرغم من معارضة مجموعة من الأطراف الداخلية المدفوعة من طرف قوى إقليمية ودولية".