مع اقتراب النزال الانتخابي للسنة الحالية، وسعي الأحزاب السياسية المغربية لضمان تموقُعها في الخريطة السياسية القادمة، بدأت الأحزاب في توظيف الحركة الأمازيغية، باعتبارها تشكل قاعدة انتخابية مهمة.
ووقّعت "جبهة العمل السياسي الأمازيغي"، التي تعدّ أحد أبرز الإطارات المنتمية للحركة الأمازيغية في المغرب، الخميس الماضي، إعلاناًاً مشتركًاً مع حزب "الحركة الشعبية" (مشارك في الائتلاف الحكومي الحالي)، يقضي بانضمام نشطاء الجبهة الأمازيغية إلى الحزب بعد أشهر من المحادثات بين الجانبين.
وقبل ذلك، كانت جبهة العمل السياسي الأمازيغي قد وقعت اتفاقاً مع "حزب التجمع الوطني للأحرار" (مشارك)، قضى بانضمام عناصر من الجبهة إلى الحزب الذي يقوده الملياردير ووزير الزراعة الحالي عزيز أخنوش.
الأمازيغ.. قاعدة انتخابية قوية
وفيما يرى عدد من المراقبين أن هذين الحزبين السياسيين لا يبتغيان من وراء توظيف الحركة الأمازيغية سوى أصوات الناخبين، لم ينكر المنسق الوطني لجبهة العمل السياسي الأمازيغي، محيي الدين حجاج، في تصريحه لـ"عربي بوست"، "أن يكون لأي حزب سياسي الحق في طموح انتخابي، لأن هذا هو الأصل الذي أُسّست من أجله الأحزاب في كل بلدان العالم".
لكن منسق جبهة العمل السياسي الأمازيغي اعتبر أن "كون الحركة الأمازيغية لها قاعدة انتخابية قوية، لا يعني بالضرورة أن هذا هو المحرك الوحيد لحوار الأحزاب معهم والسبب المباشر في توظيف الحركة الأمازيغية في الانتخابات المقبلة".
وأضاف المتحدث أن "الجبهة أعلنت منذ تأسيسها السعي لتواجد المناضلين الأمازيغيين في مراكز القرار، وهو ما لا يمكن أن يتحقق سوى عن طريق الانتخابات".
وأشار المنسق الوطني لجبهة العمل السياسي الأمازيغي، محيي الدين حجاج، أن "الجبهة واعية جداَ بخطواتها منذ تأسيسها وقبلها، لذلك اختارت حزبين تراهما جادين في تعاملهما مع مشروعها السياسي"، مضيفا أن "اختيارهم للأحزاب التي فتحوا معها حواراً منذ البداية لم يكن اعتباطياً، إذ لم يكن ممكناً وتحت أي ظرف فتح حوار مع أحزاب ذات نزوعات معادية للأمازيغية".
توظيف الحركة الأمازيغية
لم يكن الترافع حول الأمازيغية بعيداً عن العمل السياسي النضالي، خصوصاً أن مكونات الحركة الأمازيغية اقتنعت منذ بداية الألفية الجديدة بضرورة الانخراط الفعلي في حركية العمل السياسي الحزبي.
من جهته يرى الإعلامي الأمازيغي والناطق الرسمي باسم مشروع حزب التجمع من أجل التغيير، عمر إسرى، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "تحوّل خطاب الحركة الأمازيغية من الفعل الاحتجاجي التّرافعي والثقافي والسياسي غير المباشر إلى الفعل السياسي المباشر، هو حتمية تاريخية خصوصاً بعد تجاوز المطالب للسقف الثقافي واستنفاده، وبعد التأكد من محدودية مقاربة المقاطعة والمقعد الشاغر".
غير أن عمر إسرى يعتقد أن "الحركة الأمازيغية في حاجة إلى الانخراط في مشروع سياسي بنفس جديد وبسُلوك وممارسة سياسيينة مختلفين عما هو موجود حالياً في الساحة، بعيدا عن توظيف الحركة الأمازيغية فقط"، مشيراً إلى أن "الانخراط في الأحزاب الموجودة قد يكون حلاً أخيراً، لأنه لن يعطي نتائج إيجابية جداً للقضية الأمازيغية".
نفس الرأي يذهب إليه الباحث في الشؤون السياسية الأمازيغية، عبدالوهاب بوشطارت، إذ أكد في اتصاله بـ"عربي بوست"، أن "توظيف الحركة الأمازيغية والاشتغال داخل أحزاب قائمة من أجل الترافع على الأمازيغية من داخل المؤسسات هو فكرة نسبية ولا يمكن الرهان عليها، إن لم نقل فكرة فاشلة".
وأوضح صاحب كتاب "الأمازيغية والحزب" أن "انخراط مناضلي الحركة الأمازيغية في الأحزاب والنقاش معها ورفع مذكرات مطلبية لها ليس جديداً، والعديد من وجوه الحركة الأمازيغية كانت تتحمل مسؤوليات سياسية داخل بعض الأحزاب الكبرى والتي قادت حكومات سابقة، ولكن لم تستطع فرض ولو مطلب بسيط أو تحقيق مكسب بسيط للأمازيغية".
وأضاف الباحث في الشأن السياسي الأمازيغي، عبد الوهاب بوشطارت أن "الخطوة التي أقدم عليها بعض النشطاء الأمازيغيين مؤخراً تعدّ عملية بسيطة جداَ غير واضحة المعالم وغير مؤثرة، لكن يمكن فهمها في سياقها ومؤشراتها على أنها عملية انتخابية يسعى من خلالها بعض الأفراد إلى التموقع داخل الأحزاب لاختصار المسافات وتقليص الجهد عن طريق توظيف التراكم التاريخي والثقافي والسياسي الذي خلقته الحركة الأمازيغية طيلة عقود".
الحزب الأمازيغي الممنوع
وقبل هذه التحركات الجديدة لأبناء الحركة الأمازيغية، وبدء توظيف الحركة الأمازيغية، طُرحت على أرض الواقع مشاريع لتأسيس أحزاب أمازيغية التي اصطدمت بعدة مشاكل، منها ما يعتبره المراقبون "تحجّجاً" بالدستور الذي يمنع تأسيس أحزاب سياسية ترتكز على أساس ديني أو عرقي أو لغوي أو جهوي.
يقول الباحث في الشأن السياسي الأمازيغي، عبدالوهاب بوشطارت، إن "الحركة الأمازيغية أسست حزباً سياسياً بمرجعية ثقافية وحضارية منذ سنة 2005 بقيادة المرحوم أحمد الدغرني، وهو الحزب الديمقراطي الأمازيغيأمازيغي المغربي".
وأضاف صاحب كتاب "الأمازيغية والحزب" أن "هذا الحزب متح هويته السياسية والأيديولوجية من أطروحة البديل الأمازيغي،أمازيغي التي طرحها المرحوم الدغرني، بعد أن تم قمع ومنع مؤتمر الوطني الأمازيغيأمازيغي الذي كان يسمى مؤتمر بوزنيقة سنة 2001".
وقضت المحكمة الإدارية في الرباط سنة 2008 بحلّ "الحزب الديمقراطي الأمازيغي"، بقيادة الراحل أحمدأحمد الدغرني بمعيّة مناضلين وشباب خريجي الجامعات آنذاك، إذ طرحوا الأمازيغية في مقاربة شمولية على شكل مشروع مجتمعي متكامل يتضمن كل قضايا الدولة والمجتمع والحقوق والتغيير.
منذ ذلك الوقت، "توالت مشاريع ومبادرات تأسيس أحزاب بمرجعية أمازيغية، ولاتزال مستمرة، وفي صراع مع السلطة وبعض الأوساط التي تشوّش على هذه المبادرات"، يشير الباحث في الشأن السياسي الأمازيغي، عبدالوهاب بوشطارت.