طوى اللاجئون الفلسطينيون عام 2020 على وقع القرارات الجديدة للأونروا (وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، والمتمثلة في اتخاذ سلسلة إجراءات ستشمل تقليصاً ببرامج الإغاثة للأسر الفقيرة التي تقدمها في مناطق عملها، بما فيها رواتب الموظفين.
القرارات الجديدة للأونروا ستشمل تأخيراً محتملاً في صرف رواتب موظفيها البالغ عددهم 30 ألفاً، للأشهر الثلاثة القادمة، وإعادة تصنيف الحالة الاقتصادية والمعيشية للأسر الفقيرة المستفيدة من خدماتها الإغاثية كل ثلاثة أشهر.
القرارات الجديدة للأونروا
من المتوقع أن تؤدي القرارات الجديدة للأونروا إلى تدهور الحالة الاقتصادية والمعيشية لخمسة ملايين لاجئ موزعين على مناطقها الخمسة: قطاع غزة، الضفة الغربية، لبنان، الأردن، سوريا، بالتزامن مع تسريبات تحدثت عن دور إماراتي مع إسرائيل لتصفية عمل الوكالة الأممية.
صهيب القرا، عضو اللجنة الشعبية للاجئين في خان يونس جنوب قطاع غزة، قال إن "القرارات الجديدة للأونروا بإعادة تصنيف الأسر ستتسبب في حرمان 300 ألف لاجئ بقطاع غزة من السلة الغذائية التي تُوفرها الوكالة، كون هذا القرار يشمل قطع المساعدات عمن يثبت تقاضيه لراتب، بغضّ النظر عن قيمته، أو إذا ارتبط عمله بعقد مؤقت قد ينتهي بأي لحظة".
وأضاف القرا في حديث مع "عربي بوست" أن "القرارات الجديدة للأونروا ستتسبب بفصل 120 موظفاً يعملون في الأونروا تحت بند (باحث اجتماعي)، سينضمون لزملاء لهم فصلوا، وكانوا يعملون تحت بند موظفي الطوارئ قبل عامين في قطاع غزة وحده".
وكانت الأونروا قد أوقفت قبل عامين أحد أهم برامجها بقطاع غزة، وهو برنامج التشغيل المؤقت، وهو عبارة عن بطالة مؤقتة مدتها بين 3-6 أشهر، يستفيد منها 25 ألف خريج جامعي سنوياً.
وتُقدر موازنة الأونروا السنوية بـ1.25 مليار دولار، نسبة الرواتب منها 300 مليون دولار، مقابل ذلك تُقدم أربع برامج رئيسية بمناطق تواجدها: تعليمية، وصحية، وإغاثية، ورعاية نفسية.
أزمة في غزة
يتصدر قطاع غزة المشهد الأوسع من الأزمة، والمتأثر الأول من القرارات الجديدة للأونروا مقارنة بالمناطق الأخرى لعملها، إذ يعتمد 1.4 مليون لاجئ على خدماتها، وتصل معدلات الفقر بالقطاع إلى 60%.
ويقع ربع سكان قطاع غزة تحت خط الفقر المدقع، يعتمد 80% منهم على الإعانات الإغاثية من الهيئات المحلية والدولية، بما فيها الأونروا، ووصلت معدلات البطالة لمستوى 45% من القوى العاملة، وتصل نسبة البطالة بين الخريجين إلى 64%.
كما تترافق هذه التقليصات مع دخول غزة حالة صحية حرجة بعد تفشي فيروس كورونا، وتخطي عدد الإصابات 40 ألفاً، ووصول عدد الوفيات 350، ووجود أكثر من 500 حالة تحتاج لرعاية طبية عاجلة.
عبد العزيز أبو سويرح، نائب رئيس اتحاد الموظفين العرب في الأونروا، كشف أن "هنالك حملةً ممنهجة ضد الأونروا تقودها بعض الدول لتقليص برامجها الإغاثية تمهيداً لإنهاء دورها، بدأت بتقليص دعم الدول المانحة لها، ثم امتدت لتشمل وقف العديد من البرامج التي تقدمها، ووقف استيعاب موظفين جدد، رغم وجود شواغر سواء من يحالون للتقاعد، أو وقف العمل بنظام المياومة".
وقال المتحدث لـ"عربي بوستث إن "المفوض العام للأونروا تقدم بعرض قبل شهرين لإحالة آلاف الموظفين للتقاعد غير المباشر بمنحهم إجازة بدون راتب، لكن الاتحاد رفضه، لأنه يمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف التي تحمي حقوق الموظف، وتنزع عنه الأمان الوظيفي".
وأضاف المتحدث أن "المساس برواتب موظفي الأونروا بغزة سيكون له تداعيات خطيرة، نظراً لوجود 600 موظف مصنفون تحت بند الفقر المدقع، وأي مساس برواتبهم سيُعرضهم للجوع، نتيجة عدم توفر مصادر أخرى للدخل، كما أن أزمة الرواتب قد تمتد ثلاثة أشهر قادمة، واقترح مفوض الأونروا منح 80% من رواتب الأشهر الثلاثة القادمة نتيجة الأزمة".
دور الإمارات
الأزمة المالية دفعت إلى اتخاذ القرارات الجديدة للأونروا، وذلك رغم حالة السخط الشعبي والفصائلي الفلسطيني لمُبرراتها، والذين اعتبروه ضمن حلقات المؤامرة التي تحيكها أطراف دولية، تقودها الولايات المتحدة وبعض الأطراف العربية، مثل الإمارات، لتصفية الأونروا، وإنهاء عملها كمقدمة لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ولا ينكر الفلسطينيون حقيقة وجود عامل سياسي يقف خلف هذه الإجراءات التي اتخذتها الأونروا، فالافتراض السائد لدى أوساط سياسية وفصائلية يُرجح أن الأزمة مُختلقة، بالتزامن مع الدور الذي تقوده إسرائيل والدول العربية المطبعة لإنهاء قضية اللجوء الفلسطيني عبر تصفية الأونروا، ونزع صفة اللاجئ عن الفلسطينيين.
في السياق ذاته كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن تعاوناً وتنسيقاً يجري بين الإمارات وإسرائيل لتصفية وكالة الأونروا تدريجياً، دون جعل هذا الأمر مشروطاً بحل مشكلة اللاجئين، كون عمل الأونروا مرهون بعودتهم لبلداتهم التي هجروا منها إبان نكبة 1948.
وتنطلق إسرائيل والإمارات، وفقاً للصحيفة، من فرضية أن بقاء الأونروا يطيل من أمد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتعد عثرة في طريق عملية التسوية، من خلال ترسيخ فكرة أن أعداداً كبيرة من الفلسطينيين هم لاجئون، ويملكون حق العودة للقرى والمدن التي هجروا منها.
منع توريث صفة لاجئ
وبالتزامن القرارات الجديدة للأونروا، طالب مشرعون جمهوريون أمريكيون البيت الأبيض برفع السرية عن تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية نُشر في 2012، يميز بين اللاجئين الفلسطينيين المولودين في فلسطين المحتلة قبل 1948، وذرياتهم، تمهيدا لاعتماد تصنيف آخر للاجئ الفلسطيني، بحيث أن الجيل الذي عاصر النكبة يصنف كلاجئ، دون توريث هذه الصفة للأجيال اللاحقة، وهي الصيغة التي تعتمدها الأونروا بتصنيف اللاجئين الفلسطينيين.
عصام عدوان، الرئيس السابق لدائرة شؤون اللاجئين في حركة حماس، قال إن "سير الدول العربية، خاصة الإمارات، على النهج الأمريكي بقطع ووقف المساعدات عن الأونروا قد يتسبب بكارثة كبيرة، فالدعم الأمريكي يغطي 23% من ميزانية الأونروا السنوية، فيما تمول الدول العربية، تحديداً الإمارات والسعودية 7% فقط، ما قد يحمل تداعيات خطيرة تدفع الأونروا لوقف ثلث برامجها التي يستفيد منها 5 ملايين لاجئ".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "فرضية نجاح الإمارات وإسرائيل في مُخططهما لتصفية الأونروا يعني بالضرورة أن يكون له دوافع ذاتية عند أبوظبي، الساعية لأخذ دور سياسي ودبلوماسي واسع النطاق على مستوى العالم، يهدف لثني الدول عن التمديد للأونروا المنتهي عام 2022".
وأشار المتحدث إلى أن "المعطيات المتوفرة تُشير إلى أن الإمارات ستبدأ بالضغط على الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، مثل الأردن ولبنان وسوريا لسن قوانين تمسّ بحقوقهم المدنية، مقدمة لترحيلهم، أو عدم منح تلك الدول الصلاحيات القانونية للأونروا للعمل داخل أراضيها، وفي النهاية قطع التمويل النهائي عن الأونروا، وإغراء الإمارات للعديد من الدول المانحة للسير على هذا النهج".