واجهت السعودية في عام 2020 أزمات اقتصادية بسبب هروب العمالة الأجنبية من المملكة، نتيجة تطبيق سياسة السعودة التي تسعى إلى اعتماد العمالة السعودية عوض الأجنبية، بالإضافة إلى رفع رسوم الإقامة، الأمر الذي جعلها سنة "سوداء" على الأجانب ومرافقيهم.
وسعت السعودية في عام 2020 إلى تطبيق سياسة السعودة التي اعتمدها عام 2017، وتمت تزكيتها مع قدوم ولي العهد محمد بن سلمان، وذلك للحد من ارتفاع نسبة البطالة، خصوصاً بين الشباب، وتعويض العمال الأجانب بعمال من السعودية.
تطبيق سياسة السعودة، عوض أن يُساعد في حل مشكل البطالة، أدى -حسب مراقبين- إلى ركود اقتصادي كبير في البلاد، فالمملكة لم تستطع تعويض مهارة وكفاءة الأجنبي بموظف سعودي، الذي ألفَ الاختيار بين الوظائف.
السعودة في عهد بن سلمان
تسعى السعودية منذ أعوام إلى تطبيق سياسة السعودة، وذلك بإدماج المواطنين السعوديين في الوظائف بعد رحيل العمالة الأجنبية، هذه السياسة التي اتبعتها المملكة تزايدت بشكل كبير بعد تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد السعودي، فانعكس الأمر عن الاقتصاد السعودي، وذلك بسبب قلة مهارة الموظف والعامل السعودي مقارنة مع الأجنبي.
عمار الجفري، شاب سعودي، كان ينتظر الحصول على وظيفة بعد تطبيق سياسة السعودة ورحيل العمالة الأجنبية، لكنّ هذه السياسات التي اتبعتها السعودية بقيادة بن سلمان لم تجد الخطوات العملية التي تؤهله لشغْر وظيفة في بلاده.
عمار الذي أنهى دراسة الشريعة الإسلامية من جامعة أم القرى، كان يأمل في إيجاد وظيفة في إحدى المؤسسات أو الشركات في مدينة جدة، ولم يترك جهة إلا وطرق باباً فلم يُحالفه الحظ، الأمر الذي اضطره في نهاية المطاف إلى العمل كسائق خاص بسيارته الخاصة.
يقول عمار في حديثه مع "عربي بوست" إنه "اختار العمل بعيداً عن مهنة والده المقاول، وأن يسُد الفراغ الذي أحدثه رحيل العمالة الأجنبية عن البلاد، بسبب تطبيق سياسة السعودة ورفع رسوم المرافقين وفرض الضريبة، هذه الأمور التي أسهمت في تراجع البيئة الحاضنة للأجانب في الكثير من الأعمال".
من جهته، يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية، فيصل الشريف، أنّ "العمالة الأجنبية في السعودية كانت تُضيف الشيء الكثير للاقتصاد السعودي، خاصة أنّ الكثير منهم يتقنون مهنتهم، ولديهم خبرة كبيرة، وأغلبيتهُم قضى سنوات داخل السعودية، وبالتالي فإنّ مغادرتهم هي خسارة للاقتصاد الوطني".
وأوضح المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "عهد الرفاهية في السعودية قد انتهى، فنسبة الشباب اليوم في السعودية تُقارب 70%، أغلبهم متعلمون ويبحثون عن العمل بعد أن تغيرت ثقافة المجتمع".
ويرى الشريف أنّ "تطبيق سياسة السعودة، وكورونا، والغلاء المعيشي، ورفع رسوم العمالة الأجنبية ومرافقيهم في يناير/كانون الثاني 2018، أدت إلى هروب رؤوس الأموال وخاصة الحجازية منها"، مشيراً إلى أنّ "الكثير من التجار قد اضطروا للهروب إلى الدول الغربية، حيث استقروا بسبب خوفهم من سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان".
ويؤكدّ الشريف أنّ "تلك السياسات التي اتبعتها السعودية بعد أن وصل بن سلمان لولاية أدت إلى مخاوف كبيرة لدى الكثير من الشركات ورؤوس الأموال، وأنّ تهمة الفساد الدارجة في عصره لمعاقبة المعارضين ضاعفت المخاوف لدى المستثمرين، الذين غادروا البلاد خوفاً على ممتلكاتهم".
كل هذه العوامل، حسب المتحدث، أدت "إلى ركود اقتصادي أصاب آلاف الشركات والمؤسسات، ودفع الشباب السعودي إلى سوق العمل، وهو غير مألوف، فأصبحنا نرى سعودياً يعمل في "سوبر ماركت"، وفي شركات السياقة الخصوصية، وفي توصيل الطلبات المنزلية، وهذه كلها مهن غير معتادة".
ويشدد الخبير الاقتصادي على أنّ " تطبيق سياسة السعودة وزيادة رسوم الإقامات وفرض رسوم المرافقين عليها، قبل ثلاثة سنوات من قبل الحكومة السعودية، دفعت أصحاب المقاولات الكبرى كَشركتي "بن لادن" و"صالح النملة" إلى تقليص العمالة الأجنبية إلى أقل من النصف، وهذا بحد ذاته شكل أزمة كبيرة في البلاد".
وأشار المتحدث إلى أن "تطبيق سياسة السعودة أدى إلى ركود اقتصادي تسبب في غلاء الأسعار، ودفع كفاءات السعودية إلى الهروب لدول مجاورة كالإمارات، كما أن المستثمرين أصبحوا يتهربون من مشاريع السعودية بسبب غياب الكفاءة واليد العاملة الماهرة".
تطبيق إجراء السعودة
هجرة العمالة الأجنبية من بين أهم الأحداث التي شهدتها السعودية في 2020، وذلك بسبب زيادة رسوم الإقامة على العاملين ومُرافقيهم، وأيضاً بسبب انتشار جائحة كورونا، إذ أكدت إحصائيات تراجع أعداد العاملين الأجانب بالمملكة بما يُقارب مليوناً ونصف المليون (تقديرات رسمية).
يقول الخبير في الشؤون الاقتصادية، فيصل الشريف، في حديثه مع "عربي بوست" إن "أعداد الوافدين التي غادرت البلاد هي ضعف المعلن عنها، ويمكن أن تصل إلى أكثر من 3 ملايين عامل أجنبي غادروا السعودية، مخلفين ركوداً وانكماشاً اقتصادياً كبيراً".
هجرة العمالة الأجنبية من السعودية في 2020، أدت إلى فراغ كبير في الكثير من الوظائف التي لم يعتد الشاب السعودي العمل فيها بمقابل مادي منخفض كان يحصل عليه العامل الأجنبي.
عبدالقادر جمال، فلسطيني يعيش في السعودية منذ أربعين سنة، وجد نفسه الآن مهدداً بين الرحيل والبقاء، فاضطر إلى اختيار الحل الوسط، وترحيل أبنائه بسبب الضرائب التي فرضتها السعودية في 2020 على المرافقين، بالإضافة إلى ضريبة المعيشة "ضريبة القيمة المضافة".
يقول عبدالقادر جمال في حديثه مع "عربي بوست" إن "دخله الشهري الذي يبلغ 8000 ريال سعودي (2000 دولار أمريكي) كان يغطي كل حاجياته، لكن مع فرض الرسوم الأخيرة وغلاء الأسعار، تغير الوضع تماماً، فاضطر إلى إنهاء إقامة أبنائه وترحيلهم إلى الأردن، وبقي هو وزوجته وابنتاه القاصرتان فقط ليستطيع مسايرة الأوضاع الاقتصادية في السعودية في 2020".
وأضاف المتحدث أنه "اضطر إلى دفع مبلغ ما يقارب الـ15 ألف ريال سعودي (4000 دولار تقريباً) رسوم المرافقين فقط، بالإضافة إلى مبالغ أخرى متعلقة بالتأمين الصحي تصل إلى 10 آلاف ريال سعودي (2600 دولار)، ومبلغ آخر يتعلق بقيمة تجديد الإقامة السنوية له ولمرافقيه".
علي اليادودي، مقيم أردني في السعودية يعمل في شركة "بن لادن" لمدة تزيد عن 25 عاماً، بمرتب يصل إلى (2300 دولار) 9000 ريال سعودي، اضطر إلى إعادة رسم حياته بالكامل، فرَّحل أبناءه وأبقى زوجته، رغبة في مواجهة ارتفاع ضريبة الإقامة في المملكة.
وأسفرت السياسات الأخيرة التي اتبعتها السعودية في التضييق على العمالة الأجنبية في السعودية في 2020 عن نتائج صادمة واقعياً، إذ كشفت شركة سعودية متخصصة بالإستثمارات عن إحصائية بشأن أعداد المقيمين الوافدين الذين غادروا السعودية بشكل نهائي خلال العامين الماضيين، والذين بلغ عددهم خلال العامين الماضيين 1.6 مليون شخص.