سنة بعد انتخاب عبدالمجيد تبون رئيساً للجزائر، كانت كافية لتتضح معالم الجزء الأكبر من السياسة الخارجية للجزائر في 2020، والتي كانت في السابق مبنية على مبدأ الحياد.
السياسة الخارجية للجزائر في 2020، حسب متابعين مختصين، تخلت عن هيمنة المستعمر التقليدي فرنسا، وجددت رفضها التطبيع مع إسرائيل، ما فتح عليها أبواب النار من الولايات المتحدة وحلفائها في دول الخليج، فيما يبدو أن الجزائر تتجه أكثر نحو مثلث الصين، روسيا وتركيا.
السياسة الخارجية للجزائر في 2020
توعد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، خلال حملته الانتخابية لرئاسيات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 بمراجعة علاقات بلاده مع فرنسا، التي تتدخل في شؤون الجزائر.
كلمات الرئيس حول قطع دابر فرنسا في نظر أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي الجزائري عمر قارداش، كانت بمثابة الوقود الذي أوصل تبون إلى سدة الحكم يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وفي تصريح لـ"عربي بوست" أكد قارداش أن "عبدالمجيد تبون أراد أن يحقق أحد أكبر مطالب الحراك الجزائري، وهو الانعتاق من الهيمنة المتواصلة لفرنسا، خاصة في الشق الاقتصادي، فبدأ بمراجعة اتفاقيات البترول والغاز خاصة مع الشركة الفرنسية "توتال" والتي فقدت أكثر من 30% من أرباحها في الجزائر".
وأَضاف المتحدث أن "السياسة الخارجية للجزائر في 2020 عرفت تضييق الخناق على جل الشركات الفرنسية، التي باتت أمام حتمية الدخول في مناقصات دولية لكل المشاريع، شأنها شأن باقي الشركات مهما كانت جنسيتها".
السياسة الخارجية للجزائر في 2020 أفقدت فرنسا حسب المتحدث إحدى أضخم الصفقات التي انتظرتها كثيراً في عهد الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، وهي صفقة ميناء الحمدانية الذي عاد إنجازه لشركة صينية بمبلغ يصل 6 مليارات دولار باعتباره الأكبر إفريقياً".
الناشط السياسي عبدالحليم العيدودي الذي بدا مؤمناً بسياسة الجزائر بعيداً عن الهيمنة الفرنسية، أكد أن سنة الرئيس الأولى ورغم الأزمة الصحية، والاقتصادية وتوتر الأوضاع على الحدود إلا أن نيته في طرد فرنسا من المشهد باتت واضحة.
وبحسب ما قاله العيدودي في تصريح لـ"عربي بوست"، فإن "الأزمة السياسية بين البلدين أصبحت أكثر وضوحاً، سيما في ظل ابتعاد الشركات الفرنسية عن الهيمنة الاقتصادية كما هو الحال في مجال تسيير الموانئ، والترامواي وكذا صناعة السيارات".
وأضاف المتحدث أن "تجميد الجزائر لاتفاقيات استيراد السيارات الفرنسية الأقل من 3 سنوات، جعل فرنسا تخسر أكثر من 300 مليون دولار كانت تربحها من السوق الجزائرية بشكل سنوي في عهد النظام السابق".
السياسة الخارجية للجزائر في 2020 طبعتها مواقف الجزائر تجاه القضية الليبية وذلك بدعمها حكومة الوفاق، وكذا تسييرها مؤخراً للملف المالي، ومباركتها للمسيرات الشعبية التي خرجت ضد التواجد الفرنسي، وإحباطها مخططاً إرهابياً برعاية فرنسية على الحدود الجنوبية.
أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي عمر قارداش، ربط تأزم العلاقة بين الجزائر وفرنسا بقضية استعادة جزائريين "متطرفين" من فرنسا، الأمر الذي اشترطت فيه الجزائر دراسة ملفات المعنيين بالأمر قبل أي قرار.
من جهته يرى المرشح سابقاً للرئاسيات في الجزائر عبدالحميد مدني في تصريح لـ"عربي بوست" أن "فرنسا غير راضية تماماً على ضياع الحصة الأكبر من كعكة الجزائر التي لطالما أنعشت الوجه الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي، كما أنها خائفة من فقدان دورها السياسي هناك".
الأزمة بين الجزائر وفرنسا عززتها تحركات "مشبوهة" للسفير الفرنسي في الجزائر، فرانسوا غويات، والذي قاد لقاءات سرية وعلنية مع شخصيات جزائرية، انتهت بمطالبة أصوات جزائرية بطرد السفير.
أزمة مع البرلمان الأوروبي
طبعت السياسة الخارجية للجزائر في 2020 عدة تحولات، بعد قرار البرلمان الأوروبّي حول وضع حقوق الإنسان في الجزائر، والذي اعتبرته الخارجية الجزائرية تقريراً "مشكوكاً فيه".
وكان البرلمان الأوروبي قد اعتمد قراراً هو الثاني خلال عام، يُشير إلى "تدهور وضع حقوق الإنسان في الجزائر"، ويلفت الانتباه إلى قضيّة الصحافي المعتقل خالد درارني الذي صدر الحكم بحبسه عامين في 15 أيلول/سبتمبر 2020.
حرب باردة مع الإمارات
أيضاً عرفت السياسة الخارجية للجزائر في 2020 حرباً باردةً بين الجزائر والإمارات، هذه الأخيرة التي اختارت فتح قنصلية لها في مدينة العيون جنوب المغرب، كاعتراف ضمني منها بمغربية الصحراء، خصوصاً أن الجزائر تتبنى طرح "البوليساريو"، وتقول إن العيون هي مدينة توجد في المناطق المتنازع عليها مع المغرب.
مصادر رفيعة المستوى في الجزائر قالت في حديثها لـ"عربي بوست" إن الإمارات قبل افتتاحها قنصلية في مدينة العيون بعثت برسائل تحذيرية للجزائر، لتنبيهها بخصوص نهج سياسة تركيا وقطر، خصوصاً في الملف الليبي، بالإضافة إلى تخلي الجزائر عن استثمارات إماراتية مهمة.
وأضاف المتحدث أن "اجتماعات عقدتها قيادات في الجيش الجزائري والمخابرات، منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بتنسيق مع الرئيس عبدالمجيد تبون، لبحث سبل الرد على الاستفزازات الإماراتية، فاختارت قيادة الجزائر الصمت، خصوصاً أن الأمر تزامن مع أزمة المعبر الحدودي الكركارات".
الحرب الباردة مع الإمارات بدأت بتحرك الإمارات في دعم مغربية الصحراء، وردت عليها الجزائر بالتضييق على استثماراتها في الجزائر، وكشفت مصادر لـ"عربي بوست" أن من الأسباب التي حركت الإمارات ضد الجزائر مؤخراً، تجميد استثمار الشركات الإماراتية الكبرى وعلى رأسها "موانئ دبي"، بالسوق الوطنية في الجزائر، بعدما كانت تلعب دوراً مهماً في السابق.
اختيار حليف جديد
بعدما باتت عودة العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى ماضيها ضرباً من المستحيلات حسب متابعين، عرفت السياسة الخارجية للجزائر في 2020 تغيراً بعد اختيار تبون لحليف جديد يتكون من روسيا، الصين، وتركيا.
وما يوحي ذلك التقارب الكبير بين الجزائر وتلك البلدان في نظر الناشط السياسي عبدالحليم العيدودي "صفقات السلاح التي باتت على المكشوف بين روسيا والجزائر، والحديث عن ترسانة من طائرات سوخوي 57 وسفن بحرية وصواريخ متطورة بعقد فاق الـ10 مليارات دولار".
كما أن "تخلي الجزائر عن تموين البلاد من القمح الفرنسي بنسبة 65%، وتوجهها إلى استيراد القمح الروسي في نظر نفس المتحدث" هو وجه آخر من السياسة الخارجية للجزائر في 2020″، حسب العيدودي.
وبشأن التقارب الجزائري الصيني يقول أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي عمر قارداش لـ"عربي بوست بأن "الصين تُعد أول مزود للجزائر من حيث السلع، أين يتجاوز حجم المبادلات التجارية السنوية بين البلدين 9 مليارات دولار، في حين يبلغ حجم استثمارات الشركات الصينية في الجزائر 10 مليارات دولار".
وزاد انضمام الجزائر إلى مبادرة طريق الحرير الذي ترعاه الصين يضيف قارداش "في بصم السياسة الخارجية للجزائر في 2020، كما أن الجزائر تسعى إلى التغلغل إفريقياً".
واختارت الجزائر في السياسة الخارجية لها في 2020 تمتين علاقاتها مع تركيا، وذلك للرد "على بعض الدول التي أرادت أن تزرع الفتن خلال فترة الحراك الشعب الجزائري، خاصة من قبل فرنسا والإمارات العربية المتحدة"، يقول عمر قارداش.
وأضاف المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست" أن الجزائر "تعلم الحساسية بين الإمارات وتركيا، لذلك اختارت رسالة التقارب مع أنقرة للرد على تلك المحاولات، ودعمتها باتصالات أسبوعية بين الخارجيتين الجزائرية والتركية لمناقشة ودراسة المواقف والتطورات في مختلف الملفات الإقليمية والدولية".
الملف الليبي
الملف الليبي كان من بين الملفات التي طبعت السياسة الخارجية للجزائر في 2020، وذلك بدعم حكومة الوفاق الوطني، والتي تدعمها تركيا مالياً وعسكرياً، مع عدم اعتراض الجزائر على ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة.
أيضاً عرفت السياسة الخارجية للجزائر في 2020، إبرام صفقات الغاز بين الجزائر وتركيا، وفتح باب الاستثمار للشركات التركية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أول رئيس دولة يقوم بزيارة الجزائر في عهد الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون في 26 يناير/كانون الثاني 2020، وهي الزيارة التي وصفت بالتاريخية بالنظر إلى حجم التعاون المتفق عليه بين البلدين.
ويرى المحلل السياسي والقيادي في حزب حركة مجتمع السلم المعارض في الجزائر ناصر حمدادوش في تصريح لـ"عربي بوست" أن "التقارب بين تركيا والجزائر بات واضحاً، والجزائر مطالبة برص صفها في تكتلات دولية قوية، إن أرادت حقاً أن تخرج سالمة من الضغوطات الدولية".
قضية الصحراء
وكانت قضية الصحراء من بين القضايا التي بصمت السياسة الخارجية للجزائر في 2020 وذلك بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
وتعيش العلاقات الجزائرية المغربية توتراً، بعد تدخل المغرب في إعادة فتح معبر الكركرات، وتغريدة ترامب عبر تويتر التي أعلن من خلالها اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، وتسارع الدول لفتح قنصلياتها في منطقة العيون.
التطورات في المنطقة برأي الإعلامي التونسي المهتم بالشأن الجزائري عائد عميرة، أعادت العلاقات بين المغرب والجزائر إلى قمة التوتر، بعدما كان الجميع ينتظر انفراج الأزمة بعد انتخاب رئيس جزائري جديد وبداية عهد الجزائر الجديدة كما تسمى.
ويصرح عائد لـ"عربي بوست" بأن "تدخل الإمارات، وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في الملف سيجعل العلاقات أكثر تعقيداً، رغم أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية جاء بتغريدة من رئيس منهي ولايته، إلا أن لها تأثيراً واضحاً في القضية ".
مغادرة الجامعة العربية
حاول الوسط السياسي إعادة ترتيب مشهد السياسة الخارجية للجزائر في 2020، إذ أصدرت بعض الأحزاب والشخصيات بيانات تُطالب بمغادرة جامعة الدول العربية، بسبب مواقفها من قضايا إقليمية.
يعتبر حزب العمال في الجزائر أكبر المطالبين الداعمين لخيار مغادرة الجزائر جامعة الدول العربية، إذ طالبت الأمينة العام للحزب، لويزة حنون، بضرورة مغادرة الجامعة، ومنطقة التبادل التجاري العربية، والشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وأرجعت حنون أسباب إلحاحها على هذا المطلب، إلى "السيطرة الإسرائيلية على هذه الكيانات، وتأثيرها على المواقف الجزائرية، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو ما سيجعل الجزائر أمام خيار لا ثاني له، وهو ترك الجامعة؛ للحفاظ على مواقفها".
المتحدث الرسمي باسم حزب العمال جلول جودي، قال في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "ما قالته الأمينة العامة، لويزة حنون، هو الموقف الثابت للحزب، والبقاء بالجامعة العربية في ظل كل هذه التطورات أصبح بلا معنى".
من جهتها كانت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، قد صرحت لـ"عربي بوست"، بأن "الإمارات أثبتت أنها المؤثر في عديد من القضايا العربية، لذا وجب طردها من الجزائر والجامعة العربية، أو ننسحب منها نحن".
وبخصوص من يعتبر أن الجزائر باتت منعزلة دبلوماسياً بسبب هرولة الدول العربية إلى دعمها الموقف المغربي في قضية الصحراء، يقول خرفي لـ"عربي بوست"، إن "بوصلة الجزائر لم تعد مرتبطة بالدول العربية فحسب، بل هناك علاقات دبلوماسية عميقة مع دول كبرى ليس على الصعيد السياسي فقط، بل حتى على الصعيدين الاقتصادي والأمني وغيرهما".