تسبب إعلان الحكومة المصرية طرح حصص تصل إلى 100% في شركتين تابعتين لوزارة الدفاع للتداول عليها في البورصة المحلية في حالة من الجدل العنيف بين اقتصاديين وسياسيين حول جدوى هذا الطرح، وجديته وعوائده المحتملة للاقتصاد المصري.
وأعلنت الحكومة في وقت سابق عزمها طرح الشركة الوطنية لتعبئة المياه الطبيعية والزيوت (صافي)، والشركة الوطنية للبترول (توزيع مواد بترولية ومحطات وقود)، وتضم أكثر من 200 محطة وقود منتشرة في محافظات مصر، والشركتان يمتلكهما جهاز الخدمة الوطنية المملوك للقوات المسلحة.
تلك الخطوة اعتبرها البعض انفتاحاً تاريخياً يُسكت الأصوات المنتقدة للاقتصاد الموازي التابع للقوات المسلحة، وسط شائعات متزايدة في السنوات الأخيرة عن بلوغه مرحلة التوحش الاستثماري، حيث يتيح طرح الأسهم في البورصة المجال أمام الكشف عن ميزانيات تلك الشركات بموجب مبدأ الشفافية الضروري للشركات المقيدة في البورصة المصرية.
في المقابل لم يخلُ الأمر من شكوك حول أهلية طرح الشركات العسكرية في البورصة، بسبب ما أحاط بها من ضبابية مالية على مدار عقود مضت، ويخشى بعض الخبراء من أن يكون الموضوع برمته مجرد تجميل "شكلي" لصورة النظام المصري، ونفي شبهة الفساد عن الجيش بسبب عمليات الاستحواذ العشوائية لشركات مدنية ودخول قطاعات استثمارية جديدة دون سابق خبرة فيها.
لكنه وفقاً للمعلومات فمن المقرر طرح ما يصل إلى 100% من أسهم "صافي" للمياه المعدنية، و"الوطنية للبترول" أمام المستثمرين، ما يفتح فرصاً متنوعة ما بين اقتناص حصة المساهم الرئيسي الذي يملك 10% فأكثر من أسهم رأسمال الشركة المطروحة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال المجموعات والأطراف المرتبطة. أو رفع النسبة إلى (51%) لتكون حاكمة، ما يمنح صاحبها الفرصة لتولي رئاسة مجلس الإدارة.
لكن هل سيتمكّن القطاع الخاص والأفراد من المساهمة في رأسمال هذه الشركات وتملّك حصص حاكمة في رأسمالها، أم أن هناك اتفاقات مسبقة لتؤول ملكية تلك الشركات لصالح جهة ما؟
الجيش يخطط لطرح 10 من الشركات التابعة له في البورصة المصرية في الفترة المقبلة
عندما طرح "عربي بوست" السؤال على مصدر حكومي أكد أن الهدف من الطرح فتح الطريق أمام الاستثمار الأجنبي والمحلي لتملك حصة حاكمة من رأسمال هذه الشركات، والمساهمة في إدارتها، ولمح إلى وجود خطة لطرح ثلاث شركات أخرى مملوكة للجيش للبيع في البورصة، بالإضافة إلى هاتين الشركتين، فضلاً عن مباحثات ومشاورات يقوم بها الصندوق السيادي لطرح أصول ما يقرب من 5 شركات أخرى مملوكة للجيش للتداول في البورصة، في النصف الأول من العام المقبل، ليصل عدد الشركات المطروحة للبيع إلى 10 شركات كلها تابعة لجهاز المشروعات الوطنية.
ونفى المصدر أن يكون هناك اتفاق مسبق لإسناد الشركات لجهة بعينها، مؤكداً أن العملية ستتم وفق شروطٍ وضوابط تضمنُ تحقيق أعلى العوائد للدولة المصرية، وأن تخلقَ فرصاً استثمارية حقيقية للقطاعِ الخاص في المرحلة الأولى، وتكونُ كذلك فرصة للمواطنين للاستثمار في أسهم تلك الشركات.
طرح شركات مملوكة للجيش في البورصة أمام المواطنين لم يكن بالأمر السهل، فقد كان ثمة عوائق في طريق تحقيق ذلك، وبسببها تعطل المشروع بعد طرحه منذ أكثر من عام عبر الرئيس المصري بنفسه.
وكان السيسي قد صرّح في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019، قائلاً "إحنا شغّالين في الموضوع ده بقالنا ثلاث سنوات، لكن موضوع الطرح في البورصة له إجراءات كثيرة مش عايز أتكلم فيها"، وقال السيسي آنذاك في كلمة بثها التلفزيون المصري: "الشركات التابعة للقوات المسلحة يجب أن تدخل البورصة ويصبح هناك فرصة للمصريين لامتلاك أسهم في هذه الشركات".
وقتها ربط المحللون تلك الدعوة بالتساؤلات المتزايدة حول الدور "السري" للجيش في الاقتصاد المصري، لكن الرئيس أكد أن تدخل الجيش بشركاته في القطاع المدني لا يستهدف الاستحواذ الاقتصادي، لكنه "ضرورة لسد حاجات استراتيجية أو لتخفيض الأسعار"، ولإيجاد فرص عمل سريعة، وحل بعض المشكلات الاقتصادية، وتحقيق التوازن في الأسواق.
وكرر دعوته للقطاع الخاص للمشاركة في هذه الشركات (التي تتبع القوات المسلحة) وغيرها خلال افتتاح مجمع الإنتاج الحيواني في محافظة الفيوم، معرباً عن استعداد الحكومة للسماح للقطاع الخاص بالدخول شريكاً في الشركات الناجحة التي تم تأسيسها قائلاً: "شركات القوات المسلحة هاتنزل البورصة.. يبقى كده أتحنا الفرصة لكل القطاعات".
اتفاقية تعاون بين الصندوق السيادي وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية لتسهيل "مدنيّة" الشركات العسكرية
العائق الأهم في مسألة طرح الشركات التابعة للقوات المسلحة في البورصة كان يتمثل في طبيعتها، حيث لا تتبع القوات المسلحة ولا الشركات التي تملكها الشروط المتبعة في الشركات المدنية العاملة في مصر من حيث الشفافية والحوكمة والرقابة الحكومية، وهي كلها شروط واجبة لأي شركة تطرح أسهمها في البورصة.
وجاء الحل في فبراير/شباط 2020، حينما وقع الصندوق السيادي الذي تأسس وفق القانون الصادر من رئيس الجمهورية عام 2018، ويتمتع باستقلال مالي وإداري وذمة مالية مستقلة عن الدولة، رغم تبعيته لها، ويبلغ رأسماله المدفوع 200 مليار جنيه، ترتفع إلى تريليون جنيه خلال 3 سنوات، وقع الصندوق اتفاقية تعاون مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، أحد الأذرع الاقتصادية لوزارة الدفاع المصرية، بهدف استعانة الجهاز بخبرات الصندوق لتهيئة بعض أصوله لاشتراطات سوق المال، بما يعزز مبدأ الشفافية في الاقتصاد، إلى جانب وضع جدول الطروحات، بما يتناسب مع متطلبات السوق والتوقيت المناسب.
وبحسب الخبراء فقد سهّل صندوق مصر السيادي المهمة، فملكية الشركات ستؤول له ثم يقوم بهيكلتها وطرحها في البورصة، أو بمعنى آخر أنه سيقوم بـ"مَدْيَنَتِها" أي إضفاء الصبغة المدنية عليها، وهي خطوة تسهل التعامل مع الشركة في البورصة وتعفيها من حساسية تبعيتها لوزارة سيادية.
وكشف مصدر بوزارة الاقتصاد لـ"عربي بوست" أن الصندوق يساعد جهاز "الخدمة الوطنية" على اختيار الأصول التي تُطرح جنباً إلى جنب لجذب الاستثمارات من القطاع الخاص محلياً ودولياً، وتوسيع قاعدة ملكيتها، وربما المشاركة في الاستثمار فيها عن طريق أخذ حصص أقلية.
كما أن إدارة الصندوق للأصول الاقتصادية العسكرية تتيح أيضاً الالتفاف على قضايا شائكة مثل ملكية الأراضي التابعة لتلك الشركات، إذ إن المعروف أن وزارة الدفاع تضع يدها على الكثير من الأراضي بدعوى أنها مناطق استراتيجية للأمن القومي.
وتتمثّل المشكلة بالأساس في المكانة القانونية للاستثمارات الواقعة في المناطق الجغرافية المصنفة باعتبارها "استراتيجية" في أنحاء البلاد، حيث يمنع القانون نقل ملكية أراضي الدولة إلى أي جهة أخرى، ويمنح وزارة الدفاع السيطرة على استخدامات الأراضي في هذه المناطق، لكن كيف سيكون الوضع القانوني في حالة طرح الشركة في البورصة وامتلاك أشخاص أو جهات مدنية لأسهمها؟!
من جانبه، أكد أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أن الصندوق يشرف على إعداد الدراسات الاستثمارية بالتعاون مع مستشارين لتحديد آلية الاستغلال الاستثماري الأمثل للأصول المتفق عليها مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والتي قد يصل الاستثمار بها من مستثمرين من القطاع الخاص إلى 100%، مع إمكانية قيام الصندوق بالاستثمار في هذه الأصول مع مستثمرين محتملين أو العمل على دعم الجهاز في خلق شراكات في تلك الأصول بشكل مباشر من شأنه أن يعلى من قيمة هذه الأصول.
طرح الشركات العسكرية في البورصة يلزمها بالكشف عن مصادر الاستثمارات والإنفاق ورأس المال، وكذلك ديونها ومستحقاتها ومصير أرباحها
أحدثت تلك الدعوات وقتها حالة من التفاؤل في أسواق المال المصرية والقطاع الاقتصادي، وكان لها تأثير إيجابي على البورصة، لكن سرعان ما تحول ذلك إلى النقيض بعد الكشف عن أن استيفاء المعايير المطلوبة لطرح هذه الشركات في البورصة قد يستغرق وقتاً طويلاً.
وهو ما أوضحه وزير قطاع الأعمال العام عند تعليقه على تجديد السيسي لمقترح طرح الشركات العسكرية في أحد البرامج. فقال إن "أغلب الشركات التي تؤسس تحتاج إلى بعض الوقت لكي تأخذ حصة سوقية حتى تثبت ربحيتها".
مصدر بهيئة سوق المال كشف لـ"عربي بوست" أن هناك معوقات وقفت أمام إتمام دعوة الرئيس، فالشركات التابعة للجيش لا تخضع لمعايير الشفافية والحوكمة، وهي محددات أساسية للإدراج في البورصة، وطرح نسب حتى لو صغيرة من هذه الشركات يعني مزيداً من الشفافية في الإفصاح، وهي مسألة صعبة، لأن ذلك سيكشف عن مصادر الاستثمارات في شركات جهاز المشروعات ومصادر إنفاقها ورأس مالها الفعليين، وكذلك عن ديونها ومستحقاتها ومصير أرباحها الفصلية والسنوية، سواء بالإجمالي أو صافي الربح. بخلاف الإعلان بالتفصيل عن أي نشاط جديد لها أو مشروع تشارك فيه، فضلاً عن اشتراطات البورصة المصرية فيما يتعلق بالشفافية والكشف عن أعضاء مجالس الإدارات، ورأس المال المصدر والمدفوع، وكل هذه التفاصيل كما يقول المصدر بعيدة تماماً عن الأداء الحالي لتلك الشركات.
وأوضح المصدر أن اللوائح لا تفرق بين شركات تابعة للجيش أو غيرها، وهي تشترط نشر ميزانية الشركة في آخر عامين قبل الإدراج، ومتابعة الوضع القانوني والإداري داخل الشركة، وأن تكون حقوق المساهمين مساوية لرأس المال المدفوع، كاشفاً عن أن الشركات التي ستقوم بهذا الكشف هي فقط الشركات التي سيتم طرحها، وكما يعلم الجميع فإن هذه الشروط لا تنطبق على جهاز مشروعات الخدمة الوطنية.
ويوضح أن مصر تفادت حتى الآن التعرض إلى المراقبة الدولية، ما دامت تنافس الشركات العسكرية للحصول على حصص في أسواق محددة، وعلى التمويل الحكومي، الذي يؤثّر فقط على نظيراتها من الشركات المدنية الوطنية، محذراً من لجوء الحكومة المصرية إلى تعديل قواعد الطرح في البورصة، لأن ذلك سيؤدي إلى بروز المشكلة في الخارج وإلحاق الضرر الشديد بسمعة البورصة المصرية.
تقارير تؤكد سعي أبوظبي للاستحواذ على شركة وطنية للبترول.. وتعليق غامض من مسؤولي أدنوك
في غضون الجدل حول طرح أسهم الشركتين التابعتين للقوات المسلحة في البورصة، نشرت وكالة بلومبيرج الاقتصادية خبراً قصيراً صبَّ الزيت على الجدال المشتعل، فقد ذكر أن شركة بترول أبوظبي الوطنية للبترول "أدنوك"، أبرز الساعين للحصول على حصة حاكمة في "الوطنية للبترول"، ونقلت الوكالة عمن وصفته بمصدر مطلع في الشركة الإماراتية قوله إن الاقتراح المقدم من "أدنوك" هو المشاركة مع صندوق مصر السيادي في تملك الشركتين.
"عربي بوست" تواصل مع مسؤولي شركة أدنوك الإماراتية من خلال وسطاء صحفيين عاملين في الإمارات، من أجل الحصول على تعليق على الخبر وتأكيد صحته أو نفيه، لكن بحسب ما تلقاه "عربي بوست" فإن مسؤولي الشركة الإماراتية أبدوا تحفظهم تجاه التعليق على ما تردد، قائلين إن الأمر يجري بالأساس بين كبار المسؤولين السياسيين في البلدين، وأن دخول أدنوك في عملية الاستحواذ على الأسهم من عدمه مرهون برغبة القيادة في أبوظبي وبحسب ما نقلت المصادر حرفياً "نحنا بانتظار التعليمات، شو ما يطلبون منا نسوي راح نسوي، نشتري أسهم في الشركة المصرية أم لا فهذا قرار سياسي ونحنا جهة تنفيذ".
لا يستبعد مصدر سياسي مصري أن تستحوذ الإمارات على نصيب الأسد في الشركتين المعتزم طرحهما في البورصة، مشيراً إلى أن الدولة الخليجية تعد الأولى عربياً بين الدول المستثمرة في مصر. وذلك بإجمالي يقترب من 7 مليارات دولار، إذ يبلغ عدد شركاتها العاملة بمصر نحو 1165 شركة، غالبيتها تعمل في قطاعات العقارات والطاقة وتجارة الجملة والاتصالات.
ويذكر المصدر أنه في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، اشترى مستثمر إماراتي 95% من الأسهم التي طرحت لبيع 4.5% من شركة الشرقية للدخان، وبالتالي يسود الاعتقاد بأن حكومة أبوظبي هي من ستشتري أسهم الشركات العسكرية لأكثر من سبب، أولها أن الدولة لا تريد لهذه الشركات أن تخضع لشروط الشفافية والحوكمة، وأن تذهب أسهمها إلى أيدي مدنيين قد يكونون مع الدولة أو ضدها، كما أن أيمن سليمان مدير الصندوق السيادي تحدث عن البحث عن شريك استراتيجي في ملكية هذه الشركات، وهو ما يقود إلى استنتاج بأن المقصود جهة واحدة تملك علاقات متينة مع النظام المصري، وهي مواصفات لا تنطبق إلا على الإمارات والسعودية التي تبدو عالقة في مشاكل اقتصادية متباينة، ما يجعل الأمر مقصوراً على حكومة أبوظبي.
ووفقاً لتقارير صحفية إماراتية صدرت عام 2014، تمتلك الإمارات 22 شركة حكومية وخاصة، تستثمر في مجال الخدمات البترولية بمصر، وذلك بإجمالي 180 مليون جنيه مصري.
اقتصاديون يستغربون طرح الشركات الناجحة للبيع.. وخبير اقتصادي يرد
تثير "الوطنية للبترول" على وجه التحديد اهتمام المستثمرين، لما تمثله من فرصة واعدة بامتلاكها نحو 200 محطة على مستوى الجمهورية. تخدم ما يفوق 12 مليون سيارة وشاحنة وحافلة.
وجاءت الشائعات المتزايدة عن قرب استحواذ أبوظبي على أسهم الشركتين لتثير مخاوف قطاع عريض من الاقتصاديين الاشتراكيين الذين طالبوا بأن يكون طرح الشركات للاستثمار مقتصراً فقط على الخاسر منها. وليس كيانات ناجحة مثل شركات جهاز الخدمة الوطنية، خاصة أن "الوطنية للبترول" تقدم خدماتها للمواطنين في 200 موقع بمحافظات مختلفة.
ويشير مصطفى سليم المنتمي لحركة الاشتراكيين الثوريين إلى أن جهاز الخدمة الوطنية معروف بخدمته الاقتصاد المحلي بقوة ومرونة، ووقوفه إلى جانب اقتصاد الدولة في أوقات الأزمات، كالفترة الانتقالية التي شهدت خروج استثمارات محلية للخارج أو رفضها ضخ استثمارات لتنشيط الاقتصاد.
ويتساءل لماذا لا يتم طرح الشركات الخاسرة العاملة في الصناعة التحويلية التابعة لوزارة الإنتاج الحربي، والتي تبلغ 20 شركة لم تحقق سوى 6 شركات فقط منها أرباحاً في العام 2017، ما يعني أن هناك 14 شركة لا تزال تحقق خسائر، وبالتالي كان الأولى أن تعرض للبيع أو للطرح في البورصة لو كان الهدف هو إعادة الهيكلة وإعادة التمويل للشركات العامة غير الكفؤة بغية تحسين إنتاجيتها وأدائها السوقي.
لكن هذا الرأي رد عليه أ. ن، الخبير الاقتصادي المصري بالقول إنه مجرد رأي ينطلق من عاطفة صاحبه، دون أن توفر له الدقة أو الإلمام بالأمور الاقتصادية بشكل عام، لأن الأمر ببساطة أن الشركات الخاسرة لا تطرح في البورصة للتخلص منها، لأن أحداً لن يشتري أسهم شركة خاسرة، فالأصل في عمليات البيع والشراء في أي بورصة حول العالم أن تكون الشركة واعدة بتحقيق أرباح لحملة الأسهم، وكلما زادت تنافسية الشركة وقدرتها الربحية ارتفع سعر السهم وزاد الإقبال عليه.
وأضاف قائلاً إن صاحب الرأي السابق اختلط عليه الأمر بين طرح أسهم الشركتين في البورصة، وهي عملية لا يجب أن تحدث إلا مع الشركات الناجحة فقط، وبين عمليات الخصخصة وبيع القطاع العام التي جرت بمعرفة عاطف عبيد في تسعينات القرن الماضي، حين تم بيع المئات من شركات القطاع العام والحكومي بدعوى أنها تخسر، وبيعت وقتها بأبخس الأسعار في واحدة من أكبر عمليات الفساد الاقتصادي التي شهدها تاريخ مصر الحديث!
اختيار الشركتين بسبب الأرباح المضمونة وكذلك للبعد عن الشركات الحساسة التابعة للجيش
اختيار شركتي صافي ووطنية كخطوة أولى لهذا المشروع كان مثار تساؤلات عن سبب اختيارهما، لكن أحمد كامل، الباحث الاقتصادي، أوضح أن الاختيار مدروس بعناية شديدة كون الشركتين تتمتعان بقدرة كبيرة في سرعة دوران رأس المال، وبالتالي زيادة معدلات الربحية، فالأولى تعمل في مجال مياه الشرب المعبأة، وهذا النشاط يتميز بعمليات تسويقية كبيرة، والثانية تعمل في مجال توزيع المنتجات البترولية، وتمتلك محطات تموين سيارات للبنزين والغاز على نطاق واسع، وهو من الأنشطة سريعة السيولة، ما يجعلها في مرمى المستثمرين من الأفراد والمؤسسات في مجال الأوراق المالية.
فالسوق لم يشهد طروحات جديدة منذ فترة، في ظل تراجع نسب الفائدة على الودائع في البنوك، ما يفتح المجال أمام الاستثمار في البورصة بشكل أكبر، فضلاً عن أن هذه القطاعات ليست موجودة في البورصة في الوقت الحالي، لذلك سيكون الإقبال عليها كبيراً، ومن المتوقع أن تحقق تلك الأسهم مكاسب كبيرة فور بداية التداول عليها.
ويشير الباحث إلى أن شركات وزارة الإنتاج الحربي الرابحة لم تنجح، إلا باستخدام نفوذها لمجابهة المنافسين المدنيين وتحوز على عقود التوريد والأشغال الحكومية بدلاً منهم، وحساباتها خارج صلاحية أجهزة الكشف المالي والتدقيق والمحاسبة الحكومية كافة، وغير خاضعة إلى الرقابة البرلمانية، ما يعني ضرورة فتح حسابات شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية أمام المراقبة المالية التي تخضع إليها الشركات الأخرى المطروحة في البورصة، لكي تكون هي أيضاً صالحة للطرح.
ويؤكد أنه لكي يكون الطرح إيجابياً لا بد من توافر شرطين وهما الشفافية والمصداقية، لكن عدم ذكر النسب في إعلان الطرح يشير إلى أنه لن يتم التخلي عن الحصة الحاكمة للجيش، حتى تكون له اليد الطولى، وبالتالي تضمن النسبة المتبقية من الطرح حصة حاكمة.
ويحذر من أن عدم تأمين التنافس المتكافئ بين الشركات العسكرية والمدنية يشوه أُسس التنافس في السوق، ويعرّض المستثمرين إلى المخاطر، لأن الطرح سيكون مجرد وسيلة لانتزاع رأس المال من المستثمرين.
ويلفت إلى الذكاء المتناهي في اختيار هاتين الشركتين تحديداً، فتلك الشركات بعيدة عن القطاعات الحيوية التي تعمل بها بعض الشركات التابعة لوزارة الدفاع، فقطاعات المياه والخدمات البترولية ليست ضمن القطاعات المربحة أو الحساسة، مثل قطاعات مناجم الذهب أو الإسمنت أو الحديد والصلب.
تقرير مشترك لمنظمات حقوقية مصرية ودولية يحرض صندوق النقد ضد الحكومة المصرية بسبب الشركات العسكرية
المتابع لمجريات الأمور يكتشف أن هذه الخطوة ليست بعيدة عن السياسة، فالإعلان عن الطرح جاء بعد تقرير مشترك لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، و"مبادرة الحرية"، في الشهر الماضي، دعت فيه تلك المنظمات صندوق النقد الدولي الذي يعد أحد أهم المقرضين لمصر، إلى عدم صرف الدفعة الجديدة من القرض المتفق عليه مع الحكومة المصرية، قبل قيامها بالإفصاح عن المعلومات المالية حول الشركات المملوكة للجيش، مستنكرةً كون "التعاملات المالية للشركات المملوكة للهيئات العسكرية، والتي تنتج في الأساس سلعاً مدنية، محجوبة تماماً عن الرأي العام".
وقالت إن قائمة الامتيازات لشركات الجيش طويلة، أولها الحق الذي منحه السيسي للهيئات العسكرية باستخدام الأراضي العسكرية لتكون ضمن حصتها من رأس المال في المشاريع التجارية، إلى جانب الصلاحية القانونية أو الفعلية لمنح أو حجب تراخيص استخدام أراضي الدولة لأي شخص أو جهة مدنية، سواء كانت خاصة أم عامة، فضلاً عن أن الشركات العسكرية معفية من دفع ضريبة الدخل أو الضريبة العقارية، والرسوم الجمركية، وغيرها من الرسوم والاقتطاعات الحكومية التي تتكبدها الشركات المدنية.
كما طالبوا صندوق النقد الدولي بمساءلة الحكومة المصرية عن المعلومات المالية الخاصة بعشرات الشركات العملاقة المملوكة لوزارتي الدفاع والإنتاج الحربي، وهما الجهتان الرئيسيتان اللتان تديران مصالح الجيش الاقتصادية التي تنافس القطاع الخاص، وكانت هناك اشتراطات للصندوق من بينها دعم الحياد التنافسي وتمكين "جهاز حماية المنافسة" من تنظيم عمليات الدمج والاستحواذ والتدخل حسب الحاجة لكبح السلوك الاقتصادي غير التنافسي.
وحصلت مصر على قرض قيمته 12 مليار دولار لمساندة برنامجها الإصلاحي، وفق 6 مراجعات دورية، كان آخرها عام 2019.
ومنذ انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي بمصر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، كانت هناك تلميحات مستمرة من جانب صندوق النقد الدولي للحكومة المصرية، لإفساح المجال للقطاع الخاص في مصر، وضرورة وضع نموذج لنمو الاقتصاد أكثر احتواء لجميع الفئات، يقوده القطاع الخاص لاستيعاب الزيادة الكبيرة المتوقعة في القوة العاملة على مدار الأعوام المقبلة، حيث تحتاج القاهرة سنوياً نحو 700 ألف فرصة عمل جديدة على الأقل كي تستوعب أعداد السكان المتزايدة، التي يشكل الشباب نسبة كبيرة منها، ولن يتأتّى لها ذلك إلا من خلال القطاع الخاص.