بسبب محاكمة أفراد من النظام السوري.. الألمان يسترجعون ذكريات محاكمات “نورنبيرغ” التاريخية بعد الحرب العالمية

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/25 الساعة 17:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/25 الساعة 17:31 بتوقيت غرينتش
المحاكمة الأولى لأفراد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري عن جرائم ضد الإنسانية تجري في ألمانيا/ رويترز

قالت صحيفة The Times البريطانية، في تقرير لها، الجمعة 25 ديسمبر/كانون الأول 2020، إن ألمانيا على موعد لتصبح مرة أخرى مركزاً لسلسلةٍ من المحاكمات التاريخية، حيث ينخرط مسؤولوها الآن في التعامل مع مزاعم جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يُتهم أعضاء في النظام السوري بارتكابها، وذلك بعد 75 عاماً من محاكمات نورنبيرغ التاريخية التي عُقدت في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

فقد شهد خريف عام 1945 إحالة عشرين من كبار الضباط والمسؤولين النازيين إلى المحاكمة في "نورنبيرغ"؛ على ما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية. والآن، في "كوبلنز"، المدينة الجذابة الواقعة عند التقاء نهري الراين والموزيل، يواجه ضابطان سابقان في الشرطة السرية السورية 58 تهمة قتل وأكثر من 4 آلاف تهمة تعذيب في سجن "المقر الأسود" سيئ السمعة الواقع بالقرب من دمشق، والمعروف باسم "الفرع 251".

جرائم حرب

وزير الخارجية الألماني، هيكو ماس، أشاد مؤخراً بالقضية باعتبارها علامة فارقة في الحملة الرامية إلى تقديم مسؤولي نظام بشار الأسد إلى العدالة حيال الفظائع التي ارتكبوها. 

إذ صرّح أمام البوندستاغ بأن "ألمانيا تعزز هنا مبدأ العدالة العالمية، وتشجع الدول الأخرى على اتخاذ إجراءاتها الوطنية الخاصة ضد الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي".

مع ذلك، فإن تجربة محاكمات كوبلنز، التي من المتوقع أن تستمر فترة طويلة من العام المقبل، ليست بأي حال من الأحوال الأشد أهمية من نوعها. 

فقد أصدر المدعي العام الاتحادي الألماني، بيتر فرانك، مذكرة اعتقال أخرى بحق مسؤول آخر أعلى رتبة، هو العقيد جميل الحسن، الرئيس السابق لإدارة المخابرات الجوية السورية.

كما يضطلع مكتب المدعي العام في مدينة كارلسروه الألمانية جنوب غربي البلاد، بفحص آلاف الملفات والصور ومقاطع الفيديو ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي حول جرائم أخرى، منها هجمات المواد السامة الكيميائية على الغوطة في عام 2013 وعلى خان شيخون في عام 2017.

وقد أسفرت هذه الهجمات عن مقتل أكثر من ألف شخص في فظائع وثقها نشطاء معارضون يعملون بمنظمات حقوقية بالمنفى، مثل "الأرشيف السوري" في برلين ولندن، بتفاصيل ووثائق شاملة.

لماذا ألمانيا؟

من جهة أخرى، فإن كون ألمانيا في هذا الموقف غير المألوف يرجع إلى الثغرات الموجودة حالياً في مزيج قواعد القانون الدولي الفضفاض، إذ عادةً ما تكون هذه الجرائم من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في لاهاي، ومع ذلك، فإن سوريا ليست عضوة في المحكمة، وقد عمل حلفاء الأسد بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على رأسهم روسيا والصين، على إعاقة المحاولات المتكررة لبناء تفويض بالمحاكمة.

غير أن ألمانيا التي استقبلت مئات الآلاف من المهاجرين السوريين الفارين من ويلات الحرب، استقبلت معهم قدراً كبيراً من الأدلة والشهود المتعلقة بجرائم تلك الحرب، وهو الوضع الذي يقول كريستوف سافيرلنغ، أستاذ القانون الدولي بجامعة فريدريش ألكسندر الألمانية، إنه يجعل ألمانيا في موقع فريد يخوّل لها التدخل للمحاسبة على تلك الانتهاكات.

على الجانب الآخر، فإن المتهمين في محاكمات كوبلنز، العقيد السابق بالمخابرات السورية أنور أرسلان، ومساعده إياد الغريب- وكلاهما ينفي جميع التهم- هما مثال على ذلك، فقد انشق الرجلان عن الحكومة السورية عام 2012 وانتقلا إلى ألمانيا.

كما يُحاكَم المتهمان الآن بموجب مبدأ يُعرف باسم الولاية القضائية العالمية، ويقول البروفيسور سافيرلنغ، إن هذا المبدأ "لا يهم معه مكان ارتكاب الجريمة، فحيثما كان هناك اشتباه بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، يجب على المدعي العام الفيدرالي في هذه الحالات رفع دعوى قضائية"؛ لمحاكمة المتهمين بتلك الجرائم.

في هذا السياق، يشير البروفيسور سافيرلنغ إلى أن "تجارب محاكمات نورنبيرغ لها معنى خاص جداً في ألمانيا. إذ لفترة طويلة كان ثمة شعور بأن قوانين المحاكمات الدولية اختُلقت لإذلال الألمان… [لكن] الآن، ومع استخدام المحاكم الدولية وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، بات من الواضح أنها ليست شيئاً (قاصراً) استُخدم على الألمان، إنها معيار للعالم بأسره".

أول محاكمة

ففي الـ23 من أبريل/نيسان 2020، وجهت محكمة ألمانية اتهامات بالتعذيب والاعتداء الجنسي إلى شخصين يشتبه في أنهما من أفراد أجهزة أمن رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهي أول محاكمة في جرائم حرب ارتكبها ضباط سوريون، وفق ما أكده محامون ألمان.

يتعلق الأمر بكل من أنور.ر، وهو ضابط سابق في المخابرات السورية، طلب اللجوء إلى ألمانيا قبل ست سنوات بعد أن غادر سوريا؛ وإياد. أ، الذي يُعتقد أنه كان رئيس وحدة التحقيقات بالإدارة 251 المسؤولة عن دمشق، ووصل إلى ألمانيا في أبريل/نيسان 2018.

يواجه أنور.ر 58 اتهاماً بالقتل في سجن بدمشق، يقول مدعون إن أربعة آلاف ناشط معارض، على الأقل، عُذبوا به في عامي 2011 و2012.

المتهم الأول، وهو شاب أشيب ذو شارب ويلبس نظارة وسترة سوداء، بدا هادئاً خلف حاجز زجاجي أُقيم ضمن قواعد الوقاية المرتبطة بأزمة تفشي جائحة فيروس كورونا، كما شملت الاتهامات التي تُليت عليه اتهاماً واحداً على الأقل بالاغتصاب، وعدة اتهامات بالاعتداء الجنسي.

أما المتهم الثاني، إياد.أ (43 عاماً)، فيواجه اتهامات بتسهيل تعذيب 30 ناشطاً معارضاً، على الأقل، اعتُقلوا بعد احتجاجات مناهضة للأسد في عام 2011.

تحقيق العدالة لآلاف السوريين

أثنى المؤيدون للمحاكمة على تلك الإجراءات القضائية بوصفها أول خطوة نحو تحقيق العدالة لآلاف السوريين الذين يقولون إنهم تعرضوا للتعذيب في منشآت حكومية، وذلك بعد فشل المحاولات التي استهدفت إقامة محكمة دولية بشأن سوريا.

أما حكومة الأسد، فتنفي بشكل تامٍ أنها عذَّبت السجناء.

بيترا زيمرمان، المتحدثة باسم المحكمة في كوبلنز، تقول إن الرجلين "متهمان بالانتماء إلى إدارة المخابرات العامة السورية". 

تضيف زيمرمان أيضاً: "أنور.ر يُعتقد أنه كان رئيسَ وحدة التحقيقات بالإدارة 251 المسؤولة عن دمشق، ويُعتقد أن التعذيب الممنهج للسجناء وقع في هذا السجن، وأنه كان على علم بذلك".

من جانبهم، يقول ممثلو الادعاء الألمان، إن "أنور.ر" أشرفَ على استجوابات قبل أن يغادر سوريا في 2012، وقبل أن يصل إلى ألمانيا في 2014.

ويعتقد محامون دوليون أن الأمر يتعلق بأول دعوى قضائية من نوعها في أي مكان بالعالم ضد مسؤولين في حكومة الأسد بشأن مثل هذه الجرائم.

تحميل المزيد