لم تكن سنة 2020 كغيرها من ناحية الوضع الحقوقي في البلدان العربية، إذ تقاطرت العشرات من التقارير الدولية على عدد من الدول العربية، التي رصدت غياب أبسط حقوق الإنسان المتفق عليها في المواثيق الدولية.
التقارير التي انتقدت الوضع الحقوقي في البلدان العربية لم تكن دولية قادمة من الخارج فقط، بل كانت أيضاً تقارير أصدرتها منظمات حقوقية من الداخل بسطت من خلالها "التجاوزات" التي تقوم بها السلطات تجاه المواطنين.
بيانات البرلمان الأوروبي
لم يكن البرلمان الأوروبي بمنأى عن الوضع الحقوقي في البلدان العربية، وعلى رأسها مصر والجزائر، اللتان كان لهما نصيب كبير من التقارير الصادرة خلال سنة 2020 من برلمان بروكسل، والتي تُدين الوضع الحقوقي في البلدين.
وأصدر البرلمان الأوروبي، الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول 2020، قراراً تقدم من خلاله بطلب للمؤسسات الأوروبية لاتخاذ خطوات جادة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ويتضمن قرار البرلمان الأوروبي، الدعوة إلى إطلاق سراح سجناء الرأي وإيقاف الإعدامات المتزايدة.
وطالب البرلمان الأوروبي السلطات المصرية بالإفراج فوراً عن 25 معتقلاً، والتعاون مع إيطاليا في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، إضافة إلى تحذيره من استهداف منظمات مصرية تنشط في مجال حقوق الإنسان، وذلك وفق ما ذكرته المفوضية المصرية للحقوق والحريات، على حسابها الرسمي بـ"فيسبوك".
واتهم البرلمان الأوروبي السلطات المصرية باللجوء إلى "تضليل وتعطيل" التحقيقات المرتبطة باختطاف وتعذيب وقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في عام 2016، كما اتهمها أيضاً بـ"عدم الوفاء بالتزاماتها الدولية بخصوص التعاون مع إيطاليا لإجراء بحث دقيق وحيادي في هذه القضية".
ولم تكن مصر الوحيدة التي حصلت على نصيبها من تنديدات البرلمان الأوروبي بالوضع الحقوقي في البلدان العربية، بل حتى الجزائر، وذلك بعدما صدّق البرلمان الأوروبي، الخميس 26 نوفمبر/تشرين الثاني، على لائحة تضمنت انتقادات لوضع حقوق الإنسان في الجزائر، واصفةً إياه بـ"المقلق".
وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية "أمنستي"، فقد "اعتمد البرلمان الأوروبي قراراً عاجلاً يسلط الضوء على تدهور حالة حقوق الإنسان في الجزائر، لا سيما حالة الصحفي خالد دراريني"، الذي صدر الحكم بحبسه عامين في 15 سبتمبر/أيلول 2020، وقد اقترح القرارَ 6 مجموعات سياسية من أصل 7، على نحو يشير إلى اتفاق واسع عبر الطيف السياسي.
الوضع الحقوقي في البلدان العربية
مقابل التقارير التي أصدرها الاتحاد الأوروبي كان للسعودية نصيب الأسد من الانتقادات الأوروبية لأوضاع حقوق الإنسان، إذ صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على هامش قمة المجموعة، بأن الاتحاد الأوروبي يتابع من كتب، الأوضاع الحقوقية في السعودية.
من جهتها طالبت منظمة العفو الدولية، الخميس، القادة المشاركين في قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في السعودية، بزيادة الضغط على الرياض؛ من أجل ضمان حقوق المرأة في المملكة، مؤكدة ضرورة "زيادة الضغط الدولي من أجل ضمان حقوق المرأة، ولكن السلطات السعودية تغطي انتهاكات حقوق إنسان كبيرة عقب تغيرات طفيفة".
أيضاً، اتهمت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، الإمارات في فبراير/شباط 2020، بـ"ممارسة اعتقال تعسفي وتعذيب وإخفاء قسري بحق مواطنين ومقيمين فيها، وبفرض قيود على حرية التعبير، واستمرار مشاركة الإمارات في التحالف العربي الذي تقوده السعودية لمحاربة جماعة "الحوثيين" باليمن.
أما في العراق، فقد طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بتنفيذ وعوده بالتصدي لظاهرة الاختفاء القسري في بلاده، لكون أن الكاظمي "تعهد بعد فترة قصيرة من توليه منصبه في مايو/أيار 2020، بالتحقيق في حالات المخفيين قسراً ومعاقبة مرتكبيها، لكن بعد سبعة أشهر لم تحقق حكومته شيئاً يُذكر من تلك الوعود، واستمرت حالات الإخفاء".
ردود محتشمة
وعبَّر مجلس النواب المصري، الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن "استيائه البالغ" من قرار البرلمان الأوروبي بخصوص حقوق الإنسان في مصر، معتبراً أن القرار يتضمن كثيراً من "المغالطات المغايرة للواقع والداخل المصري"، كما طالبه أيضاً بـ"عدم تنصيب نفسه وصيّاً على مصر"، وذلك في بيان له نقلته صحيفة "اليوم السابع" المصرية.
من جهتها عبَّرت الحكومة الجزائرية، السبت 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن إدانتها لائحة للبرلمان الأوروبي تنتقد وضع حقوق الإنسان بالبلاد، واصفةً ما جاء فيها بأنه "إهانة" وينمُّ عن "أبويَّة" تعود للعهد الاستعماري، وذلك في بيان للخارجية الجزائرية.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، أنه "لا يمكن لأي مؤسسة أوروبية التدخل بهذه الطريقة الفظة وغير المقبولة في شؤوننا الداخلية، التي تعتبر إساءة إلى علاقات الجزائر وشركائها الأوروبيين، وتربطها علاقات تقوم على الاحترام المتبادل مع أوروبا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر".
وفي المغرب، وكردٍّ على منظمة العفو الدولية، قال محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج: "إن موقف منظمة العفو الدولية، وبعض الأقلام المنسوبة إليها يعبر عن عداوة مجانية تجاه المغرب، وعليها أن تعلنها نهاراً جهاراً، أنها ضد المغرب ككل وليس ضد حق مهضوم لفرد أو طرف منه".
السعودية أيضاً دافعت عن طرحها، وردَّت على المنظمة الأوروبية، ومنظمة العفو الدولية عن طريق وزير خارجيتها السعودي، فيصل بن فرحان، الذي قال إن "المملكة تعمل باستمرار على تحسين حالة حقوق الإنسان".
ورداً على سؤال بشأن الاحتجاز المستمر للناشطة الحقوقية لجين الهذلول والعديد من النساء الأخريات، قال بن فرحان إنهن "لسن محتجزات بسبب أي نشاط لحقوق الإنسان أو أنشطة متعلقة بتحرير المرأة أو ما شابه ذلك؛ فهن متهمات بارتكاب جرائم خطيرة بموجب قوانيننا".
من جهتها حاولت الإمارات منع تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، برشوة قيمتها 2 مليون دولار، للتغطية على الوضع الحقوقي بالبلاد.
وكانت المديرة السابقة بالشرق الأوسط لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، سارة ويتسون، قد أكدت عبر سلسلة تغريدات نشرتها على حسابها في تويتر، أنه اقترح عليها الحصول على الرشوة، الأمر الذي أكده تحقيق نشرته وكالة "بلومبيرغ" وجه تهماً مالية وحقوقية إلى بن زايد.
يقول حسن المنعاني، حقوقي مغربي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، إن "سنة 2020 كانت بالفعل سنة حقوقية سوداء في عدد من الدول العربية، لكون أغلب التقارير التي انتقدت الوضع الحقوقي في البلدان العربية شكلت قناعاتها بناء على معطيات وأرقام من الواقع ولم يكن حديثاً فقط".
وأضاف المتحدث أن "هذه التقارير رغم أن عدداً من الدول تسعى إلى نفيها بكل الطرق، وتقول إنها تدخل سافر في شأنها الداخلي، فإنها تسعى بشكل كبير إلى تلميع صورتها، بالاستجابة، ولو أنها غير كلية، ولكن تتخذ هذه التقارير كمعيار كبير في قراراتها".