لم تكن سنة 2020 لتشرف على نهايتها حتى دخلت قضية الصحراء المتنازع عنها بين المغرب و"البوليساريو" منعطفات جديدة، تجسّدت أساساً في الانتصارات الدبلوماسية للمغرب في قضيته الأولى على المستوى الدبلوماسي والميداني.
بداية هذه الانتصارات الدبلوماسية للمغرب كانت بقرار مجلس الأمن الأخير الذي وصفته الخارجية المغربية بـ"الواضح والحازم والثابت"، إضافة إلى التضامن الدولي الواسع مع تحرير معبر الكركرات، ثم توالي إنشاء تمثيليات دبلوماسية في مدن الصحراء، وانتهاء باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الكاملة للمغرب على الصحراء.
بداية نزاع الصحراء وخلفياته
قبل 45 سنة من الآن لم يكن للنزاع حول الصحراء سيرة تذكر، فقد بدأ هذا النزاع المفتعل فعلياً بعد المسيرة الخضراء في 6 من نوفمبر/تشرين الثاني 1975 التي نظمها المغرب وحرّر من خلالها باقي الأراضي الصحراوية التي كانت تحتلها إسبانيا، "الذي كان في واقع الأمر، تحولاً ومعطى جديداً على المستوى الاستراتيجي"، يؤكد محمد بودن، المحلل السياسي ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، في حديثه لـ"عربي بوست".
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ستوقع إسبانيا اتفاقية مدريد مع المغرب وموريتانيا، إذ ستتخلى بموجبها عن إدارة الصحراء لصالح البلدين، هذه الاتفاقية التي اعتبرت كواحدة من الانتصارات الدبلوماسية للمغرب.
لكن الانفصاليين المسلحين الذين أسسوا قبل ذلك جبهة "البوليساريو"، وهو اختصار بالإسبانية للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، رفضوا الاتفاقية، فأعلنوا في 27 فبراير/شباط 1976 من جانب واحد قيام ما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بدعم من الجزائر، الجارة الشرقية للمغرب، وذلك بعد يومين من إكمال القوات الإسبانية انسحابها من الصحراء.
وكشف محمد بودن، المحلل السياسي ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية أن "الخلفية التاريخية للنزاع المفتعل حول الصحراء لها تفاعلات مستمرة اليوم، عبر التدخل الجزائري باحتضان جبهة البوليساريو وتسليحها وتمويلها ودعمها دبلوماسياً وإعلامياً".
وأوضح المتحدث أنه "لم تكن الجزائر وحدها من ساهمت في إثارة النزاع في المنطقة، بل هناك أيضاً ليبيا في عهد معمر القذافي، الذي كان له دور محوري في دعم الجبهة والتشويش على الوحدة الترابية للمغرب، بالإضافة إلى أسباب أيديولوجية وأخرى مرتبطة ببعض الأطراف الإقليمية التي ترغب في إشغال المغرب بهذا النزاع"،
استمر الصراع المسلح بين المغرب والبوليساريو إلى غاية 6 سبتمبر/أيلول 1991، تاريخ توقيع اتفاق توقيف إطلاق النار بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، الذي رعته الأمم المتحدة وكلفت بعثة "المينورسو" بمهمة السهر على احترامه وتنفيذ ما جاء فيه.
منعطفات جديدة في نزاع الصحراء
الوضع في الصحراء اليوم على المستويين الميداني والدبلوماسي دخل منعطفات جديدة، خصوصاً مع ما تحقق من اختراقات على الصعيد الدولي في الملف، الذي تُوّج هذه السنة باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على كامل صحرائه.
يرى أحمد نور الدين، الخبير في ملف الصحراء، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "هذه تُعد من الانتصارات الدبلوماسية للمغرب ومكسباً دبلوماسياً واضحاً، إذ تم تسجيل الاعتراف كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن بعد مراسلة بهذا الخصوص من الخارجية الأمريكية لرئيس مجلس الأمن".
والأكيد حسب المتحدث أن "الموقف الأمريكي سيشجع الدول التي كانت متردّدة في الاعتراف العلني والواضح بسيادة المغرب على الصحراء للإقدام على هذه الخطوة بكل أريحية".
بدوره يذهب عبدالفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، في اتصاله بـ"عربي بوست"، إلى أن "تحقيق حزمة من الانتصارات الدبلوماسية للمغرب لم يكن عبثاً، فالمملكة كسبت حليفاً وفياً في مجلس الأمن، فبعد الإسناد الفرنسي، فإن الولايات المتحدة ستصبح داعماً علنياً للمملكة المغربية عند أي بحث عن تسوية سياسية على مستوى مجلس الأمن الدولي".
وينبّه الفاتحي إلى أن "أهمية الاعتراف الأمريكي تتجاوز مسألة النزاع حول الصحراء إلى إشهاد على الثقة والمصداقية التي تحظى بها المملكة المغربية على الصعيد الدولي، باعتباره يتضمّن أيضاً إقراراً أمريكياً بمصداقية الشراكة مع المغرب في استراتيجية محاربة الإرهاب وفعالية التعاون الاقتصادي عبر اتفاقية التبادل الحر".
رأي الفاتحي يُوافقه رأي أحمد نور الدين، الخبير في ملف الصحراء، بتأكيده أن "الرباط كحليف استراتيجي لواشنطن من خارج حلف النيتو، سيؤمّن للمغرب وضعاً مريحاً داخل مجلس الأمن الدولي من تقلبات مزاج الدول دائمة العضوية، على اعتبار أن الولايات المتحدة هي صاحبة القلم في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصحراء".
الانتصارات الدبلوماسية للمغرب
كأول خطوة عملية تجسد الانتصارات الدبلوماسية للمغرب واعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، تعتزم واشنطن فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، إلى جانب 20 قنصلية أحدثتها دول عربية وإفريقية ومن أمريكا الشمالية في مدينتي الداخلة والعيون بالصحراء المغربية.
ويسند للقنصلية الأمريكية المتوقع فتحها قريباً، مهام اقتصادية بالأساس، بغرض تشجيع الاستثمارات الأمريكية في المنطقة والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
يقول عبدالفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، في تصريحه لـ"عربي بوست" إن "عزم الولايات المتحدة الأمريكية فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، هو من الانتصارات الدبلوماسية للمغرب وسيزيد حتماً من جلب الاستثمارات الأمريكية والأجنبية"، مشيراً إلى أن "اتفاق التبادل الحر مع واشنطن، والذي لم يكن يشمل الأقاليم الجنوبية لاعتبار النزاع، سيغطي اليوم بشكل أوتوماتيكي كامل خريطة المملكة المعترف بها أمريكياً".
واعتبر الفاتحي أن "اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه، ووجود قنصلية لها في الداخلة، سيبدّدان تخوفات المستثمر الدولي، وستشهد المنطقة استثمارات ومنافسة كبيرة مع الدول الكبرى، خصوصاً الدول التي تبحث عن جسور مهيأة للبلوغ إلى الإمكانيات الاقتصادية المتاحة في إفريقيا".
وأوضح المتحدث أننا "سنكون أمام حتمية وجود تداعيات كبيرة على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالأقاليم الجنوبية، تتجاوز التداعيات القانونية والسياسية لملف نزاع الصحراء".
وأضاف المتحدث أن "ما وقع ما بعد الاعتراف الأمريكي سيكون حاسماً في الرفع من شهية الشركات الدولية والعابرة للحدود للاستثمار في هذه الأقاليم، مما سيؤثر على مواقف بلدانها سياسياً، وهو ما سيدفعها إلى الإسراع بالاعتراف أو فتح قنصليات لها بالأقاليم الجنوبية، الأمر الذي سيعتبر بدون شك من الانتصارات الدبلوماسية للمغرب".
من جانبه، أبرز أحمد نور الدين، الخبير في ملف الصحراء، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "افتتاح تمثيليات دبلوماسية أجنبية للدول الصديقة والشقيقة في مدن الصحراء، يعدّ تكريساً عملياً لسيادة المغرب على أٌقاليمه الجنوبية التي حرّرها من الاحتلال الإسباني، وهو تتويج لنصف قرن من الصمود في وجه جبهة البوليساريو وصنيعتها الجزائر".
كما أن افتتاح هذه القنصليات يعدّ أيضاً "خطوة نحو طيّ الملف نهائياً عوض جرجرته التي تخدم مصالح دول إقليمية وأخرى دولية تستفيد من ابتزاز المغرب لتحقيق مكاسب اقتصادية أو جيوسياسية" يردف الخبير في ملف الصحراء.
نزاع مفتعل
أمام الانتصارات الدبلوماسية للمغرب في السنة المشرفة على نهايتها، يتوقّع محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، أن "يواصل المغرب في حصد مزيد من النجاحات على المستويين الدبلوماسي والميداني تدعم مغربية الصحراء، إذ ستسير أطراف دولية وأخرى من المجموعة العربية والإفريقية على خطى الولايات المتحدة".
في سياق نفس التوقعات، يرى أحمد نور الدين، الخبير في ملف الصحراء، أن "يواصل المغرب جمع الاعترافات الصريحة والعملية بسيادته على الصحراء كورقة رابحة تؤهله لحسم المعركة بشكل نهائي داخل أروقة الأمم المتحدة".
وأشار المتحدث إلى أن "الطريق إلى هذا الحسم الأممي، سيستثمر المغرب هذه الاختراقات الدبلوماسية الجديدة لطرد الجمهورية الانفصالية الوهمية من الاتحاد الإفريقي، على اعتبار أن المنظمة الإفريقية هي منظمة للدول وليست نادياً للحركات الانفصالية".
من جهته، يعتقد عبدالفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن "إنهاء قضية نزاع الصحراء بات قاب قوسين أو أدنى بالنظر إلى أهمية وقوة الموقف الأمريكي وتشابك علاقاته الاقتصادية والسياسية"، متوقعاً أن تشهد هذه القضية "تحوّلاً كبيراً في المواقف السياسية للعديد من الدول".
وخلص الفاتحي إلى أن "دعوة البيت الأبيض إلى الدخول في مفاوضات لإنهاء النزاع على أساس الحكم الذاتي باعتباره الحل الأنسب والواقعي، فإن في الأمر حسماً موضوعياً لنزاع الصحراء، وأن في ذلك توافقاً لما سبق أن خلص إليه مجلس الأمن الدولي من أن حل النزاع يجب أن يكون حلاً واقعياً وعملياً ومستداماً".