نقلت صحيفة The Independent البريطانية عن معارضين سعوديين قولهم إنهم باتوا في خشيةٍ على حياتهم بعد تقارير زعمت أن الرياض استخدمت سفاراتها الأوروبية لاستهداف منتقدين لها ولولي العهد محمد بن سلمان في الخارج خلال الأشهر التي سبقت اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول.
حسب ما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية، الأربعاء 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، فإن مسؤولين سعوديين في صيف 2018 وجّهوا توبيخاً عنيفاً لأحد المعارضين في سفارة البلاد بلندن، كما أرسلوا فريقاً أمنياً ضخماً إلى النرويج، ربما لاستهداف ناشط معارض آخر في المنفى.
السفارات والقنصليات قواعد لاستهداف المعارضين
جاءت التقارير، التي نشرتها هذا الأسبوع صحيفة Dagbladet النرويجية ذات الانتشار الواسع، لتثير تساؤلات جدية حول مدى استخدام النظام السعودي لسفاراته وقنصلياته في الخارج كقاعدة انطلاقٍ لعملياتٍ استخباراتية تستهدف المعارضين والأعداء المفترضين لولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان.
وفقاً للصحيفة النرويجية، فإن السلطات السعودية ربما حاولت استهداف إياد البغدادي، الناشط المعارض للنظام السعودي والمقيم في أوسلو، وعلياء الحويطي، الناشطة المقيمة في لندن والتي سبق أن انتقدت الحرب السعودية في اليمن ومشروع "نيوم" على البحر الأحمر، مشيرةً إلى عواقبه التي تتضمن تشريد قبيلتها التي سكنت المنطقة لقرون.
مع ذلك، لم ترد السعودية بعد على أي من تلك التقارير، كما لم ترد على الفور على طلب صحيفة The Independent للتعليق، غير أنها نفت في الماضي مزاعم بأنها تستخدم بعثاتها الدبلوماسية لقمع منتقديها، واصفةً هذه الاتهامات بأنها لا أساس لها من الصحة.
استدعاء المعارضين للاجتماع بالمسؤولين السعوديين
من جانبه، قال إياد البغدادي إنه يخشى الآن على سلامته وادّعى أن هاتفه سبق أن تعرض للاختراق بين مايو/أيار ويونيو/حزيران 2019.
في مقابلة مع صحيفة The Independent، قالت علياء الحويطي إنها استدعيت للمثول أمام مسؤولين سعوديين بعد ظهر أحد أيام يوليو/تموز 2018 في السفارة السعودية بلندن.
كما أشارت إلى أنه "منذ تولى محمد بن سلمان السلطة في عام 2015، وهي تواجه مشكلة في عملها. وقد استدعيت للاجتماع مع السفير السعودي أربع مرات".
وفقاً لصحيفة Dagbladet، فإن اجتماع علياء الأخير ضم ستة مسؤولين، منهم سفير السعودية لدى المملكة المتحدة محمد بن نواف بن عبدالعزيز.
وفي شهادتها، تروي علياء أنها أمضت ساعات من الاستجواب بشأن تعليقاتها المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وإصرار المسؤولين على أن تحذف المنشورات المنتقدة للسلطات السعودية من حسابها بموقع تويتر.
تقول علياء: "كان الأمر مفزعاً. لا سيما مع ما أعلمه من سمعة عن السفارة، فأنت أحياناً تدخل إليها ولا تخرج أبداً، أو تظل مفقوداً لسنوات".
طلب الحصانة لمسؤولين أمنيين بالخارج
في الصيف نفسه، يزُعم أن السعودية حاولت الحصول على اعتماد من أجل 10 مسؤولين أمنيين للعمل دبلوماسيين في سفارتها في أوسلو، وهو الطلب الذي اعتبر غريباً لأن البعثة الدبلوماسية برمتها توظّف 18 شخصاً فقط.
من ثم، رفض مسؤولو وزارة الخارجية النرويجية القلقون الطلبَ المقدم من أجل تسعة مسؤولين، واكتفوا بالموافقة على واحد.
بعد أشهر، أبلغ المسؤولون البغدادي بالمحاولة، مشتبهين في أن النظام السعودي ومنذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، كان يسعى لاستخدام ممثليه الدبلوماسيين لإسكات البغدادي.
من جهة أخرى، فإن تسجيل المسؤولين الأمنيين السعوديين بصفتهم دبلوماسيين يعطيهم حصانة دبلوماسية، ويحميهم من الملاحقة النرويجية عن أي جرائم.
لتسهيل حركتهم في الخارج لمراقبة المعارضين
كما ذكرت صحيفة Dagbladet، نقلاً عن مصادر لم تسمها، أن "السعودية أرادت تسجيل حراس الأمن للعمل دبلوماسيين في النرويج"، وكان "ذلك من شأنه أن يمنحهم مجالاً واسعاً للحركة في النرويج".
مع ذلك، أُبعد البغدادي وعائلته من النرويج بقرار من المسؤولين النرويجيين الذين انزعجوا من المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأن زوجته كانت عرضة للخطر على أيدي عملاء سعوديين.
كان البغدادي قد صرّح في مقابلة سابقة بأن مسؤولين سعوديين حاولوا في عام 2018 الحصول على تأشيرات لعدد من المسؤولين في كندا -التي تستضيف المعارض البارز عمر بن عبد العزيز الزهراني.
كما زعم أن السعودية اخترقت هواتف عدد من الأشخاص في الولايات المتحدة، منهم مراسل صحيفة The New York Times، بن هوبارد، الذي كان آنذاك يعدُّ كتاباً عن الأمير محمد بن سلمان.
محمد بن سلمان يرفض الاتهامات
لكن الأسبوع الماضي، كشف تقرير نشره موقع Business Insider الأمريكي أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رفض مزاعم بأنه أرسل فرقة اغتيال خاصة لقتل مسؤول مخابرات سعودي سابق منفي في كندا، وقال إنه محصَّن من الملاحقة القضائية على أي حال وذلك حسب ملفات قضائية جديدة.
حيث أظهرت الملفات حسب تقرير موقع Business Insider الأمريكي أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رفض مزاعم سعد الجبري، وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الداخلية السعودية، في شكوى بتاريخ السادس من أغسطس/آب أن فريقاً من العملاء السعوديين، يُعرفون باسم "فرقة النمر"، حاولوا اغتياله في مدينة تورنتو بأمر من ولي العهد يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
قبل أسبوعين من ذلك، كانت عناصر فرقة الاغتيال الواردة أسماؤهم في ملف الجبري قد اغتالوا الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول. وخلصت أجهزة المخابرات الأمريكية إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان هو على الأرجح مَن أمر بقتل خاشقجي.
التقرير أشار إلى أنه وفي يوم الإثنين السابع من ديسمبر/كانون الأول 2020 قدَّم مايكل ك. كيلوغ، محامي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، طلباً لرفض دعوى الجبري في محكمة جزئية بواشنطن العاصمة، نافياً ادعاء مسؤول المخابرات السابق. وزعم أن ولي العهد محصَّن من الملاحقة القضائية الأمريكية باعتباره على رأس دولة.
حيث كتب كيلوغ في الطلب المؤلف من 69 صفحة: "حصانة المسؤولين الأجانب من الدعاوى القضائية في الولايات المتحدة يحكمها مبدأ القانون العام للحصانة السيادية الأجنبية".
أضاف كيلوغ أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "يتمتع بحصانة لا تستند فقط إلى علاقته العائلية المباشرة بالملك، ولكن أيضاً بفضل منصبه رفيع المستوى".